وطنية هلامية 

على الورق..إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

 

تتَّسم نسبة عالية من السودانيين بتقصير واضح في إدراك وطنيتهم؛ وإن أدركوها عجزوا عن تأكيدها وتجسيدها إيماناً وسلوكاً ومنافحة، الوطنية عندهم انتماءٌ وعصبية لأي شيء آخر غير الوطن، وهذا هو سبب بلواهم وابتلائهم. ولا يجرؤ أحد يعيش الواقع الحي الماثل الآن أن يكابر، أو ينفي شيوع حالة الضعف والوهن والضحالة في المشاعر الوطنية، أو يُجادل بأن المصلحة العامة تطغى على الخاصة، إذ يتركَّز دوران محور النشاط اليومي – أهلي أو حكومي – حول الذات، فلِمَ (الغُلات) يا بعض ساستنا من متسوِّلي (الأوراق الخضراء) عند أبواب السفارات.

 

يصعُب على المتابع والمراقب والباحث في الشأن السوداني أن يضع تعريفاً مُحدَّدًا للممارسة السياسية وفلسفة الحُكم في بلادنا؛ نظراِ للتباين الشديد في الأساليب الإدارية لقياداتنا، وتبدُّل أفكارهم ومواقفهم رضوخاً للضغوط أو الإملاءات الداخلية والخارجية، وكذلك بسبب الانتقال المفاجئ والانعطاف الحاد داخل التجارب السياسية نفسها، تبدأ يساراً وتنتهي يميناً، أو تبدأ مدنية وتنتهي عسكرية أو العكس، او تبدأ بشعارات (حرية، سلام، عدالة)، أو (هي لله، لا للسلطة والجاه)، ثم تناقض مضامينها تماماً استجابة لأهداف حزبية أو لمطامع شخصية أو خارجية.

 

ألا يُدرك المتنطعون في ساحتنا السياسية؛ أن الشعب السوداني قد سئم تتابع الطَّرْق على تسويق أو تسويغ الوهم بتعليق الفشل والإخفاقات في قطاعات الأمن والتعليم والصحة والاقتصاد على مشجب النظام السابق!! علم المواطن ذلك وصدَّقه، فماذا فعل سياسيو المنصة الحالية بعد أن دانت لهم سُلطة أتت بها جموع ثائرة هادرة، اختطفوها لما تبيَّنوا أنها حائرة، فعوَّلوا – دون حياء – على استدعاء ما استهجنوه وزعموا خطله من سياسات تجربة أسقطها الشارع، ثم استنسخوها: تخويناً وحراساتٍ وسجوناً وتمكينًاَ.

 

هامسون كثر ومشفقون يسألون: لمَ الولولة والتحرُّكات المحمومة لإجهاض مبادرة (أهل السودان) بإطلاق مبادرة موازية خارجة من (مخلاية قحت) ومجموعة التوافق الوطني ومن يشايعهما؟ لماذا الاختلاف والتشرذم طالما الدوافع والمقاصد وطنية متقاربة، ومتلاقية، ومتحِّدة في بعض بنودها وتوصياتها؟ يبدو للمتأمل والمتفحص أن (مبادرتهم) وطنية في ظاهرها؛ لكنها تستبطن إقصاء كل المُشتبه بهم الذين تفوح من تحت أردانهم رائحة (المؤتمر الوطني)؟ وقد كان أحرى بهم التنازل وتوحيد الجهود من أجل (رابطي الحجارة على البطون)؟ لكن لا، ليس هذا ديدنهم، فها هم يؤثرون الجلوس مع الآلية الثلاثية بمقر بعثة اليونتامس، ويخالطون المغضوب عليهم والضالين، بينما يستنكفون مجالسة الدراويش وأصحاب (الملافح) على بروش المسيد و(الخلوة)!!

 

يتمنى الشعب ألاَّ يكون مغاليًّا في استنتاجاته هذه، وأن أهل المبادرة الموازية يتمتعون فعلاً بحس وطني فياض، وغيرة عميقة وحدَبٍ على درء مخاطر ضياع بلدهم؛ سيما وأن إرهاصات ذلك تتكاثف وتتراكم في الأفق تراكم المبادرات نفسها.

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.