الاستقامة حاجبة لذنوب الخلوة في الأسافير

على الورق… إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

الاستقامة سلوكيات وآداب حاجبة عن الزلل، ومانعة للزيغ والذنوب وإن كانت لمماً، أي من صغائرها التي قد لا نلقي لها بالاً، ومن منَّا ومنكم – فتيانًا وشباباً وشيوخاً – لا تزيغ عيناه في الطريق العام اختلاساً لنظرة عابرة – خاطفة كانت أو فاحصة – لغيداء حاسرة رجراجة في هذا الزمن الأغبر الذي أباحت قوانينه لذوات الصدور الكاشفة و(البلوزات) المُخنصرة، والأظافر المطليَّة، و(البنطلونات) المُحزَّقة، والشعر المرسل، ان يتأفَّفن من قيم المجتمع وأعرافه ويتمرَّدن عليها ويركلنها.

كتب الأخ التقي الورع أ. محمد بدوي ذات مرة عن ذنوب الخلوة في الواتساب والفيس بوك ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ومَتحسَّراً على التعرُّض المستمر لمشاهد يندى لنا الجبين، ومُشفقًا على مرتادي (كازينوهات) الابتذال من البلل في مستنقعات أفعال أثيمة وهم لا يشعرون.

شدتني حينها أهمية الموضوع، فكتبت مُخربشًا على كُرَّاستي: الهداية إلهام من الله ولطف منه بعبده، والاستقامة مسلك صعب، إرادة كابتة لأهواء النفس ونزقها، ومقاومة لنداءاتها، وهي عصيَّة على أصحاب النفوس الضعيفة والهمم الخائرة، والوجدانيات الهشة الذين يستسلمون للإغراءات واضطرام الشهوات، ولا تعنيهم خفَّة الموازين، أو لا يستحضرونها مع مثيرات الغريزة.

النفس أمارة بالسوء، ولن يستطيع كبح جماح رغباتها إلا من كان دائم الإحساس بمعيَّة الله عز وجل في كل أحواله، وأنه سبحانه أقرب إليه من ذاته التي بين جنبيه، فمن يستشعر رقابته؛ يأمن مغبَّة الوقوع في شِراك الخطيئة ولو ناغته حسناء ضاجَّة الأنوثة، ولن يستجيب لإلحاح (الشُّلة) التي تُزيِّن له طريق المنكرات والمسكرات وتغريه بلذة المشاركة في فعلها.

من يخاف الله ويستعصم به؛ سيتذوَّق حلاوة الإيواء إلى كنفه، والتمتُّع بحمايته ما شاء له، فكم من شاب أدركته عنايته عز وجل فنشأ في عبادته لا ترى عيناه إلا فُرُش المساجد وحروف المصاحف، وتعفَّرت جبهته بالتراب راسمة آثاراً سوداء عليها، ولا تكف أُذُنه ولا تزهد في سماع ما يعزز هدايته واستقامته حرصاً على عمارة جوفه بالقرآن، وعلى تحويل ذاكرته إلى خزانة لثروة نفيسة من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم،

والاستقامة ضدها الانحراف، وقد قيل: إن سرقة حبّة قمح واحدة ستخرج فاعلها من حد الاستقامة وإن كان صوامًا قوَّامًا، وقيل أيضًا إن الرجل الذي تتوفر فيه المروءة والشجاعة؛ لكن بلا استقامة لا يعدو أن يكون قاطع طريق.

العاجز عن الضغط على (فرملة التلصص) على المُحرَّمات في الأفق الإسفيري المُكتنز بالمُغريات، ولا يُتبع النظرة الأولى في طريقه بالثانية ثم الثالثة إلى العاشرة؛ فليعلم أن تجاوز حاجز الأمر بغض البصر من مثبِّطات الإيمان وماحقات قيمة العفاف، والتمادي فيها يهوي بصاحبها إلى بؤر الغواية، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب”. ولا مخرج لمن يحيد عنها إلا بتوبة خالصة نصوح تغسل ركام انحرافاته.

والاستقامة تعني التوازن والاعتدال، ولها ثمرات كثيرة عظيمة.. قال سبحانه وتعالى: “وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا”.

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.