انتكاسات التغيير

على الورق …ابراهيم الصافي

شارك الخبر

 

 

 

نحن إزاء وطن مُستلب ترضُّ عظامه حُمى الطمع والتهافت على تاج الرئاسة وكراسي الوزارات ومناصب الدولة العليا، وتنهك قلبه وجميع أعضائه الاختلافات وتخَبُّط أطياف السياسيين في مستنقع تصوُّرات وتطلعات واهمة ومُلتبسة، يتخبَّطون كما يتخبَّط من لا يجيدون السباحة، وفي خضم هذه الحالة المائجة بالأطماع واللَّهفة يُصبح لزامًا على جموع الشعب السوداني قاطبة الانتباه إلى أنفسهم ووطنهم قبل أن تتحرك الرمال الحارقة تحت أرجلهم، ذلك أنهم أمام مرحلة فارقة؛ فإما اتخاذ مواقف إيجابية، نافذة وحاسمة، وإما الاستعداد للطمات وركلات قاصمة، ولريح تغيير عاتية قاصفة، فالوطن يا سادة إما أن يكون أو لا يكون.

مشكلتنا في السودان تكمن في انتكاسات التغيير، وانقلاب الثورات على شعاراتها ومنطلقاتها، فما تحققت انتفاضة أو ثورة؛ إلا واستقبلتها على شاطئ النجاة سفن قراصنة، اختطفوها وأبحروا بها في لجج أمواج متلاطمة يتسبَّب هيجانها عادة في انفلات بوصلتها، فيتقاتل ملاَّحوها بشراسة بين بعضهم بعضًا كل ينوي السيطرة عليها والانفراد بها غنيمة خالصة له دون رفقائه.

لا يحس المواطن السوداني بعد أي تغيير في أي من تجارب الحُكم المُتعاقبة بأن حياته والخدمات المُقدَّمة إليه في مجالات التعليم والصحة والأمن تتجِّه نحو الأفضل، وتقود إلى الاستقرار والرفاهية؛ بل يقف حائراً وضجِرًا وساخطًا لمَّا يتبيَّن أن التغيير قاصر على الوجوه والتوجُّهات الحزبية؛ عقدية كانت أو علمانية، وأن الضجيج لا يتجاوز أسوار حلبة المنافسة السياسية، ويستشعر في الوقت نفسه أن البرنامج أو المشروع السياسي لكل حزب يفتقر إلى روافع استثمارية ترتكز على قاعدة إنتاجية واسعة، وعلى تمويل كاف ومُجزٍ من مصادر مؤهلة وثابتة وأمينة، كما تعوز الأحزاب المتطلِّعة إلى شارع (المك نمر) الرؤية الواضحة حول كيفية التحكُّم في موارد البلاد وثرواتها وصادراتها، والتخطيط لاستثمار عوائدها من أجل إحداث فائض مُقدَّر في الميزان التجاري، وتحقيق طفرة اقتصادية تؤدي إلى نهضة تنموية شاملة.

ورغم ما تمخض في التغيير الأخير في بلادنا من تداعيات سالبة، وتدنٍ في كل شؤون حياتنا؛ إلا أن على الشعب السوداني ألاَّ يتشاءم أو ييأس، فاليأس جسر قصير يُمهِّد إلى خمول واستسلام عاجل، ثم إلى خراب شامل ومحو وجود وضياع هوية.

يقول بروف عبدالكريم بكار في رحلته إلى الذات (تجديد الوعي) مبشِّرًا ومُحفِّزًا: “مهما بلغت أحوال أمَّة من التردِّي؛ فإنها تظل تشتمل على بعض الإيجابيات، عليها أن تتَّخذ منها مدخلًا إلى تأسيس خطاب إصلاحي متوازن تبث من خلاله الأمل والرجاء بإمكانات التحسّن، كما تُحارب من خلاله اليأس والقنوط”.

 

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.