سودنة حل الأزمة السياسية.. صعوبة الاختبار

الخرطوم – مهند عبادي

يقول رئيس حزب الأمة المكلف، فضل الله برمة ناصر، إن البلاد تقف على حافة الهاوية، وأن الأوضاع تحتاج إلى حلول عاجلة لتدارك الأمر، ودعا القوى السياسية لترك التلكؤ والجلوس مع بعضهم البعض وحل مشكلات بلدهم..

ماذا قال فضل الله؟

وتساءل: “هل ننتظر أحداً يأتي من الخارج ليحل مشاكلنا؟ هذا التساؤل الذي طرحه برمة ناصر في سياق تصريحاته أمس الأول، يعيد فتح الباب أمام الجدل المتصل في ما يتعلق بالجهود الدولية والإقليمية والمحلية الباحثة عن حل للأزمة السياسية في البلاد، التي اصطدمت بجدار الرفض والتعنت من قبل بعض المكونات في الساحة السياسية الرافضة لما تسميه التدخلات الأجنبية في الشأن السوداني، واتهام بعضها لقوى الحرية والتغيير مجموعة (المجلس المركزي) بالارتهان للخارج، وفي المقابل تؤكد مجموعة مركزي التغيير أن كل المبادرات الداخلية تقوم على أساس البحث عن شرعنة السلطة الانقلابية، وتشكيل حاضنة سياسية جديدة لهم تضم الإسلاميين وقوى التوافق الوطني، وبين الرفض والاتهامات ضاعت كل المبادرات الخارجية والداخلية في زحام الساحة الممتلئ بعروض الحلول والتسويات السياسية للأزمة في البلاد.

مقابل الضغوط.. التوافق الوطني

سودانية حل الأزمة الذي تتمسك به قوى التوافق الوطني العسكر في مقابل الضغوط الدولية والإقليمية لإنهاء الأزمة في البلاد يبدو أن الوصول إليه غير متاح في القت الراهن ـ بحسب مراقبين يؤكدون أن المجتمع الدولي والإقليمي مرتبط بوضع وتشكيل خارطة البلاد السياسية والأمنية منذ اللحظة التي أتيحت له الفرصة بالتدخل وتسيير كفة الثورة نحو غاياته وأهدافه عقب الثورة والإطاحة بالبشير وخلفه أبنعوف، فقد أصبح فاعلاً في المشهد السوداني طيلة السنوات الثلاث الماضية وحتى اتفاق السلام الذي وقع في جوبا لعب المجتمع الدولي والإقليمي فيه دوراً كبيراً وللأهم لما تم التوقيع؛ الأمر الذي يكذب ادعاءات المكون العسكر وقوى التوافق الوطني التي تكيل الاتهامات لمركزي التغيير وتدمغه بالارتهان للخارج فالسلام والوثيقة الدستورية والحكومة الانتقالية وكل تفاصيل السنوات الثلاث الماضية كانت الدول الإقليمية والعالمية حاضرة ومشاركة فيها.

تضييق الخناق على السلطة الحاكمة

ولكن من الملاحظ أنه ومنذ انقلاب أكتوبر الماضي الذي أطاح بالمكون المدني الشريك في الحكم، وأبقى على المكون العسكري وأطراف السلام في السلطة، برزت أصوات تردد بضرورة الحل الوطني للأزمة السياسية في البلاد سيما بعد تضييق الخناق على السلطة الحاكمة والرفض الكبير الذي وجدته بالداخل والخارج، هو أمر يصفه البعض بالطبيعي في ظل بحث المسيطرين على المشهد حالياً عن أرضيات جديدة ومواقع في مستقبل الفترة الانتقالية بالبلاد، لذا ليس أمامهم من سبيل سوى الاستفادة من المتاح أمامهم من نوافذ مخارج لترجيح الكفة والوزن في ميدان الصراع السياسي بالبلاد، وتجدر الإشارة إلى أن البلاد شهدت في الفترة الماضية مجموعة من المبادرات التي تسمى بالوطنية لحل الأزمة السياسية من مختلف الجهات والواجهات، ولكنها فشلت جميعها في لم شعث القوى المتناحرة، ولم تحدث أي اختراقات، وبين الداخلي والخارجي تعطلت كل المحاولات لمعالجة الأزمة السياسية، وكان فولكر بيرتس رئيس بعثة يونيتامس، قد قال في تصريحات سابقة إن الآلية الثلاثية المشتركة المؤلفة من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) وبعثة يونيتامس لن تنجح، إلا في بيئة مواتية، مشيراً إلى أن خلق هذه البيئة يعود إلى السودانيين، ولا سيما السلطات.

تحذير أمريكي.. جون غودفري يتحدث

وكان السفير الأمريكي في السودان، جون غودفري، قد حذر من عدم الاتفاق أو على الأقل وجود “احتمالية واضحة للوصول إلى حل” قبل 25 أكتوبر المقبل، قائلاً إنه يمكن أن يقود إلى “عدم الاستقرار والعنف”، ومعرباً عن قلقه حيال تجدد الذكرى السنوية الأولى للانقلاب من دون التوصل إلى اتفاق في السودان، وقال السفير الأمريكي في مقابلة مع صحيفة “التيار” الصادرة أمس الأول الثلاثاء: “يجب الاعتراف بنقطة مهمة، هناك قلق بين السودانيين وكذلك عند الشركاء الدوليين من الذكرى السنوية الأولى لـ25 أكتوبر، وهي نقطة مهمة”. وأردف: “إذا لم يكن هناك اتفاق بحلول ذلك الوقت أو عند أقل احتمالية واضحة للتوصل إلى اتفاق قريباً يمكن أن يكون وصفة لعدم الاستقرار والعنف وهذا أمر مقلق للغاية”.

اجتماع بمنزل الصادق المهدي

في سياق البحث عن حلول قال رئيس حزب الأمة القومي المكلف، فضل الله برمة ناصر، إن السودان الآن “على حافة الهاوية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً”، وأضاف أن على القوى السياسية “ترك التلكؤ والجلوس مع بعضهم البعض وحل مشكلات بلدهم” ــ حد قوله، وكشف ناصرعن توجيهه دعوة عاجلة لرؤساء أحزاب قوى الحرية والتغيير “مجموعة المجلس المركزي” للاجتماع ومناقشة الأوضاع الراهنة، بمنزل الإمام الراحل الصادق المهدي في أم درمان، وأوضح ناصر أن الدعوة تهدف لمناقشة الراهن السياسي وكيفية الخروج من الأزمة السياسية. وتابع: “نحن الآن لدينا ما يقرب من العام، أكتوبر اقترب؛ أكملنا عاماً والناس غير قادرة على الأكل والشراب والحركة، وعلينا النظر في الأمر للخروج من الأزمة السياسية، وأضاف ناصر بأنهم حلفاء، وأنه من الطبيعي من وقت لآخر الجلوس مع بعضهم البعض لتقييم الأداء لمعرفة الإنجازات والإخفاقات، خاصة وأنهم في بلد تعاني مثل السودان، وتساءل ناصر: “هل ننتظر أحداً يأتي من الخارج ليحل مشاكلنا؟ لا بد من الاجتماع والتفاكر، فالمشكلة وحدها لن تحل، ولابد من الجلوس والتفاكر، لأن السودان الآن على حافة الهاوية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

تفهم البريطانيون.. البحث عن مائدة مستديرة

وفي الأثناء قال رئيس الآلية السياسية لقوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني)، مني أركو مناوين إن البريطانيين تفهموا أن يكون الحل سودانياً، وأن يساند المجتمع الدولي ما يخرج من السودانيين، وتابع مناوي: “هذه الطاولة التي تديرها الثلاثية يجب أن تسمى المائدة المستديرة على أن تخرج بتوافق وبوثيقة تسمى الإعلان السياسي أو التوافق السياسي، وبناءً عليها نتقدم في اتجاه التوافق الدستوري”. وزاد: “لكن مسألة القفز إلى الدستور قبل الاتفاق على القضايا السياسية لا يستقيم ولا يمكن أن يتم”. وأردف: “هذا هو موقفنا ورؤيتنا التي طرحناها للبريطانيين وطرحناها لكل المجتمع الدولي والإقليمي والسوداني، وعدّ مناوي اجتماعهم بالمبعوث البريطاني للسودان وجنوب السودان جزءاً من الاهتمامات الدولية والإقليمية والمحلية بالأوضاع في السودان خاصةً الأوضاع الإنسانية والسياسية، وأشار مناوي إلى أنهم تحدثوا عن كيفية إيجاد الحلول الدائمة للاستقرار وإيجاد اتفاق يمكن أن يجمع الفرقاء من القوى السياسية والشبابية والمرأة، وأضاف مناوي في تصريح صحفي عقب اجتماعهم مع المبعوث البريطاني بقاعة الصداقة إنهم طرحوا على المبعوث البريطاني رؤيتهم وموقفهم من الأزمة السياسية، واقترحوا أن يتم تجميع المبادرات وأن توضع على طاولة سودانية وطنية تخرج عنها “مبادرة توافقية”، ومن ثم توضع على طاولة الآلية الثلاثية بحضور بقية المجتمع الدولي.

ويقول الأكاديمي والسياسي، أحمد حسين آدم، في مقالة مبذولة، لقد تكالبت على السودان -عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة التي أسقطت نظام البشير في أبريل 2019- قوى إقليمية ودولية عديدة حاولت احتواء أو استغلال النظام الجديد الذي تشكل بعد إسقاط نظام البشير، وذلك وفقاً لمصالحها وأولوياتها الإستراتيجية، ولا شك أن هذا الشبق الخارجي إزاء الحالة السودانية يمظهر ويجسد تناقض المصالح الإقليمية والدولية من ناحية، والمصالح الحيوية والإستراتيجية السودانية من ناحية أخرى على نحو واضح، ويضيف صحيح أن مصالح وإستراتيجيات القوى الإقليمية والدولية ليست متطابقة أو متجانسة بشأن السودان بالضرورة، بيد أن معظم المصالح الإقليمية والدولية تتقاصر وتتضاءل إزاء “سقف” تطلعات وأشواق الشعب السوداني في الثورة الكاملة الناجحة أو التغيير الثوري الجذري، لذلك، يبقى هذا الحراك السياسي في مركز وهامش الأزمة بمثابة التحدي العظيم أمام نجاح أو فشل الجهود الإقليمية والدولية في المساعدة على حل الأزمة السودانية..

 

واقع التنازع والصراع

وفي السياق، هنالك بعض الأمثلة التي تعكس واقع التنازع والصراع بين المحاور والأطراف الإقليمية والدولية حول الأزمة السودانية، الأمر الذي انعكس سلبا بدوره على وحدة واستقلالية الأطراف السودانية، لايستغرب أحد الجهود الإقليمية والدولية لمساعدة السودانيين في إيجاد حل لأزمتهم السياسية التي تنذر بانهيار وتفتيت الدولة معظم القرارات الدولية والتعاطي الدولي مع الأزمة السودانية تنطلق من موقف ثابت يقضي بأن الوضع في السودان يمثل تهديدا للأمن والسلم الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الأزمات والحروب في الدول المجاورة له كجنوب السودان وإثيوبيا والصومال وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطىواقعيين وموضوعيين كذلك، فالأزمة السودانية لها امتداداتها الإقليمية والدولية الشاخصة، فمثلا هنالك ضرورة للاعتبار من العشرات من قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت في الماضي تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة في ما يتعلق بالصراع السوداني في دارفور، أهمها قرار مجلس الأمن الدولي 1593 الصادر تحت الباب السابع، الذي أحال الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في العام 2005، وهناك أيضا قرار الكونغرس الأمريكي الموسوم بـ”قانون سلام ومحاسبة دارفور، مؤكدا أن وحدة السودانيين وفقاً لميثاق سياسي ودستوري واجتماعي محكم وجديد تعد أمراً حيوياً من أجل حل الأزمة وإنجاح الجهود الحميدة لإيجاد مخرج إستراتيجي لها.

 

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.