تغيير الشيوعي “الجذري” في امتحان التحولات  محلياً ودولياً

الخرطوم ” الزين عثمان

 

عقب  توقيع رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، على اتفاق مع قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان،  عاد بموجبه لمنصبه، قبل أن يغادره مستقيلاً بعد شهر، ومع شارع متحفز في رفضه ومقاومته للانقلاب عبر المواكب التي تسبقها لافتات “اللاءات”، صعد بكثافة مصطلح “التغيير الجذري” للتداول في بورصة السياسة السودانية التي تحولت معاركها بين المدنيين والعسكر من جانب، والمدنيين   ضد المدنيين من جانب آخر، في المعركة بين “الجذريين  والتسونجية” وهو مصطلح  يتم من خلاله  توصيف المجموعات  الساعية لإنجاز تسوية مع العسكريين تمكن البلاد من العودة  لمنصة الانتقال الديمقراطي.

 

 

انطلاقة التحالف

وفي يوليو الماضي دشن الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين، وأسر الشهداء، ومفصولو الشرطة، تحالفاً سياسياً جديداً لإسقاط الانقلاب العسكري واستلام السلطة في المركز والولايات، أطلقوا عليه تحالف التغيير الجذري، وقال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي، محمد مختار الخطيب، في مؤتمر صحافي بالخرطوم، إن التحالف سيضم كل القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة المؤمنة بالتغيير الجذري، والرافضة لأفكار التسوية مع الانقلاب وبحسب الخطيب، فإن التحالف الجديد  يمثل امتداداً  طبيعياً  للمعركة ضد ما أطلق عليها قوى الهبوط الناعم، وهي المعركة  المنقولة منذ عهد سلطة الرئيس  المخلوع البشير.

لاحقاً، نشر التحالف الذي أطلق على نفسه “تحالف قوى التغيير الجذري الشامل” بيانه التأسيسي، قال فيه، إن “التحالف هو اجتماع لأبناء وبنات وتنظيمات الشعب تتعهد فيه وتلتزم بمواصلة النضال المشترك لتحقيق أهداف التغيير الثوري الجذري، الذي لا يساوم في التصدي لقضايا البناء والاستقلال الوطني والسياسي والاقتصادي”. كما جاء في التعريف “أن التحالف يهدف لتفكيك بنية الانقلابات، ولأن ينهي تدخل المؤسسات العسكرية في السياسة، ويبني ويرسخ سلطة الشعب وخياره الديمقراطي”. وبحسب البيان التأسيسي “سيضمن التحالف التوزيع العادل للثروة، ويتقاطع مع كل الممارسات المعيقة لتحقيق هذه المبادئ”.

واستعرض البيان التأسيسي “الفشل في إنجاز مهام الفترات الانتقالية بعد ثورة أكتوبر 1964، وبعد انتفاضة أبريل 1985، وبعد ثورة ديسمبر 2018 التي قطع الطريق أمامها انقلاب اللجنة الأمنية، ثم محاولة الانقضاض النهائية عليها عبر انقلاب 25 أكتوبر الماضي.

تحالف  الحزب

وترتبط الدعوة بالتغيير الجذري في السودان بشكل كبير بالحزب الشيوعي السوداني الذي يرى أن حلول  الأزمة في البلاد لا يمكن  تحصيلها إلا عبر عملية قطع كامل للماضي والذين يروجون له، كما أنه ووفقاً للشيوعي لا يمكن الجمع بين الثورة والتسوية والهبوط الناعم، وعزز الحزب موقفه من خلال آخر بيان صادر عن اللجنة المركزية  للحزب أمس تناولت فيه تطورات الوضع الراهن في البلاد، وبدأت اللجنة بيانها بالحديث عما قالت إنه استمرار القوى المعادية للثورة في تنفيذ مشروع الهبوط الناعم الذي أفسح له الطريق انقلاب 11 أبريل 2019 المدعوم بانقلاب 25 أكتوبر، وبالتالي العودة إلى المنهج السياسي والاجتماعي لنظام الإنقاذ بتأكيد سلطة تحالف البرجوازية الطفيلية مع البيروقراطية العسكرية والحركات المسلحة المنضوية في سلام جوبا والقوى المدنية داخل وخارج (قحت) المنحازة لمشروع الهبوط الناعم، وبالرغم من المسيرة الثورية لشعبنا التي قادت إلى إزاحة رأس النظام؛ إلا أن هذا التحالف الداخلي المدعوم خارجياً من أطراف مختلفة من المجتمع الدولي والإمبريالية الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، مع التدخل السافر للعديد من الحكومات العربية، كل ذلك أدى إلى تحول في ميزان القوى على مستوى السلطة وفتح الطريق لمصادرة مكتسبات شعبنا وثورته.

الطريق الشائك

ولا يحمل بيان لجنة الحزب المركزية موقفاً جديداً بقدر ما يمثل تأكيداً لموقف الحزب الحاسم في ضرورة إنجاز التغيير الجذري وتحقيق تطلعات  الثور السودانية في بناء سودان الحرية السلام والعدالة، ويقول الحزب على شعب السودان تنظيم قواه لمناهضة التسوية والمؤامرات المحاكة ضد الوطن وتجميع الثوار قواهم لدحر الانقلاب واسترداد الثورة عن طريق التحرر الوطني الجذري في أدب الثورات حقيقتان أولهما: ليس من قوة فوق الأرض مهما اكتنزت من آليات العنف أن تفرض إرادتها على الشعب كل الوقت، والثانية: أن الجماهير حين تكتسب الوعي وتوحد إرادتها تتحول إلى قوة مادية لا تقهر أبداً وحتماً تنتصر. بالنسبة للشيوعي لا خيار يمكن الوثوق به غير خيار  الثورة الجذرية.

حسناً  لا يبدو الوصول  الى إنجاز التغيير الجذري مفروشاً بالورود في وقت لا يملك فيه من يرفعونه  كشعارات، القوة التي تمكنهم من تحقيقه على أرض الواقع، وفي هذا السياق يقول القيادي بالمجلس المركزي وبحزب الأمة القومي، صديق الصادق المهدي، إن دعاة التغيير الجذري يجلسون تحت ظل شجرة في انتظار أن يهبط العسكر من دباباتهم  ويسلمونهم السلطة، وهذا الأمر لن يحدث، ويكمل المهدي أن كل تدافع مدني نهايته الحتمية حوار سياسي يقود لتسوية بين الفرقاء، وفي السياق ذاته يقول القيادي في المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان،  واصفاً الحزب الشيوعي بأنه يلبس رداء الثورة، ويغطي على أفعال المأجورين وعملاء السلطة الانقلابية لاستهداف القوى المناهضة لانقلاب ٢٥ أكتوبر، بالنسبة لحزب المؤتمر السوداني فإن  الحزب الشيوعي يمثل غطاءً للانقلاب في البلاد،   وتدور منذ فترة معركة طاحنة بين الحزب الشيوعي وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، على خلفية الصراع بين دعاة التسوية والتغيير الجذري.

الطريق  المستحيل

وترى رئيسة تحرير صحيفة (التغيير)، رشا عوض،  في الدعوة للتغيير الجذري أشبه بالطريق المستحيل  حين  تكتب “تغيير جذري يعني جيشك يفتح الخرطوم ويحررها من الجيش ومن الدعم السريع، أو على الأقل يضرب هاتين المؤسسين ضربات موجعة وتجبرهم على الاستسلام، ومن ثم فتح صفحة جديدة يملي شروطها المنتصر، والخيار الآخر هو انحياز المؤسسة العسكرية للتغيير الجذري، وفي هذا الإطار تطيح بالبرهان وتتخذ قراراً بحل الدعم السريع وتنفذه بالقوة، في السياق السوداني لو فعلت المؤسسة العسكرية ذلك فلن تفعله إلا لصالح الكيزان؛ نظراً لأن قوامها على مستوى القيادات والرتب الكبيرة والمواقع الحيوية للنفوذ هو قوام كيزاني بامتياز للأسف الشديد!

أما المظاهرات والإضرابات والعصيان المدني وكل أدوات النضال السلمي فإن سقفها في التغيير هو التسوية التي تتحدد شروطها ارتفاعاً أو انخفاضاً تبعاً لمدى قوة وتماسك وقدرات الشارع، وحنكة الجبهة المدنية التي تقوده.

لو كان هناك أصحاب تغيير جذري حقيقيين، فعليهم أن يفتحوا باب التجنيد للقتال، ويستعدون للمفاصلة الحقيقية بين (الجذريين) و(التسونجية)، إذا كان فعلاً هذا هو شكل الانقسام في الساحة السياسية!

 

تعزيز  الإنقسام

بالنسبة لرشا عوض والكثيرين فإن السياسات التي يتبناها الحزب الآن تعمل وبشكل كبير من أجل زيادة حدة الخلافات بين قوى الثورة، مما يسمح لسلطة الانقلاب بالاستمرار  في الحكم ليس انطلاقاً من قوتها  بل استناداً على ضعف القوى المقاومة لها، ومنذ   فترة تطارد الحزب الشيوعي اتهامات كونه مساهماً وبشكل كبير في زيادة حدة هذه الخلافات وتغذيتها   في ظل  رفضه المتكرر الجلوس مع القوى المناهضة للانقلاب من أجل التنسيق  المشترك، وفي الأسبوع الفائت أعلن الشيوعي رفضه الجلوس مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بناء على مبادرة من الشيخ الجعلي بغية توحيد قوى الثورة، مؤكداً على ذات رؤيته القديمة، وهي الجلوس مع الأحزاب كأحزاب وليس تحالفاً، وأن تحالف الحرية والتغيير المجلس المركزي استنزف فرص استمراريته وفقاً لتحليلات  الشيوعي للمشهد العام في البلاد  الذي ينفي عنه تهمة  العمل على  الانقسام، ويؤكد على أن موقفه المعلن كان وما زال دعم خيارات الشارع السوداني، والعمل بجد على تحقيق تطلعات ثورته.

رفض القديم

ويحلل الشيوعي ما يحدث الآن من لهث وراء عملية التسويات التي تقترب بأنها مجرد إعادة لسيناريوهات  الأمس، وأن دعاة التخذيل والاستسلام، وهجر المقاومة تحت مسميات الواقعية والعقلانية والحكمة ليسوا جدداً و لا بدعة في  المشهد  السوداني،  في عام ٢٠١٨ وقبل ثورة ديسمبر انتشرت حملة كبيرة للتمهيد النفسي والسياسي والأيديولوجي للقبول بالتسوية مع نظام الإنقاذ تحت مسمى منازلة خوض الانتخابات، جوهر فكرتها تقوم على أنه لن تحدث ثورة جماهيرية، وأن أوانها قد فات، المفارقة  وبحسب ما كتب عضو الحزب الشيوعي، عصام جبر  الله،  أن د. النور حمد الذي قنع من ثورة جماهيرية وبعد حدوث الثورة بدون اعتذار أصبح أحد منظري ومفكري، بل ومستشاري الثورة.  ويمضي الحزب في تأكيده على الاستمرار في المقاومة حتى تحقيق  التغيير الجذري المنشود.

متاريس  الجذرية

لكن مع تأكيد  البعض ودعمهم  لخيار التغيير الجذري  في السودان إلا أن الأمر تعترضه مجموعة من التحديات  ربما على رأسها تحدي  “السلمية”  الذي ميز الثورة السودانية في نضالها الطويل، حيث يقول  القيادي بالمجلس المركزي، صديق الصادق المهدي،  إن أي عملية تدافع سياسي سلمي تنتهي في آخر المطاف بتفاوض وتسوية سياسية، وهو الخيار الذي يجد دعماً من مكونات المجتمع الدولي، وطالب السفير الأمريكي بتسريع الخطوات من أجل إنجازه قبل حلول الذكرى  الأولى للانقلاب،      وطالب رئيس  مجلس السيادة  بالعودة للمسار الديمقراطي، داعياً  بريطانيا للضغط على القوى السياسية في سبيل إنجاز هذا الهدف.

هذه  العوامل وعوامل أخرى تجعل من طريق التغيير  الجذري  صعباً لكنه ليس مستحيلاً إذا ما وضعنا في الاعتبار إعلان لجان المقاومة على توحيد ميثاقها  على هدي ثلاثية الرفض للتفاوض وللشرعية والشراكة .

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.