ونسة مع مناوي

بصائر… عبد الباسط إدريس

شارك الخبر

مما يُروى عن العلامة الراحل، د. حسن الترابي، أنه سأل أحد ولاة دارفور؛ عن ما قام به من عمل خلال سنوات تكليفه.. فأجاب الوالي: “أنشأنا جمعيات ومنظومة لخدمة الدعوة.. صمت الترابي قبل أن يباغت ضيفه بأسئلة متعاقبة.. هل أنشأت لهم طريقاً يتواصلون عبره؟، يجيب الوالي: (لا).. هل أقمت لهم مستشفى لتلقى العلاج؟.. المياه؟.. لتأتي نفس الإجابة (لا).. منح السائل المسؤول فرصة أخيرة لرفع الحرج فاشار بيديه هل أنشأت لهم نادياً ليلتقوا ويلعبوا “الكتشينة”؟، ولكنه لم يجب، فنسب إلى الترابي القول “أضعت زمن الحركة والبلد”.

تذكرت هذه الرواية، وأنا أطالع الظهور الإعلامي الكثيف لحاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، وهو يلتقي الدبلوماسيين الأجانب، ويمارس عمله السياسي تحت مظلة مجموعة التوافق الوطني، ويتحدث عن كل شيء عدا المهمة التي أوكلت إليه، وزعم أنه ناضل من أجلها خلال عودته الثانية للحكم.

مناوي يرأس حركة تحرير السودان المنضوية تحت تكتل “الجبهة الثورية” التي بنت قرارها بالمشاركة في مفاوضات جوبا والوصول إلى تسوية على قراءة واقعية، هذا التحالف العسكري كان في أضعف حالاته الميدانية، وشاركت قواتها في معارك خارج أسوار الوطن، ولكنها وجدت في ثورة ديسمبر لحظة تاريخية يجب اغتنامها، فلم تكن في وضع ميداني شبيه بحركة الحلو، أو ذات نفوذ دولي كما تحظى به حركة عبد الواحد.

بعد اتفاق سلام جوبا تسلم مناوي منصب حاكم إقليم دارفور الذي تقارب مساحته دولة فرنسا.. ترك مناوي مهته الأساسية في إدارة شؤون الإقليم، وظل موجوداً بالخرطوم، واستأجر مكتباً يدير من خلاله أنشطته كافة.. حتى نائبه حمد عيسى عليو لم تنقطع رجله هو الآخر من الخرطوم.

مناوي الذي يتحدث في كل شيء لم يخبرنا يوماً بشيء عن مهمته.. لم نسمع أنه أنشأ وحدة جديدة للإسكان لإقامة مجمعات ترتقي بمساكن الريف، وتغير من النمط العمراني السائد.. لم نشاهده يفتتح مصنعاً للطوب، أو مسلخاً لتصدير اللحوم، أو تعاقداً مع شركة كهرباء عملاقة لضمان إمداد الإقليم بتيار كهربائي مستقل يفي بحاجة السكان، ويحرك عجلة الصناعة، أو أن له نية في إقامة مهرجان سنوي للسياحة في جبل مرة  يأتي إليه الناس من داخل البلاد ومن الجوار أو حتى من إسرائيل.

لم نشاهد مناوي يفاوض وزارة الزراعة أو الري أو شركة (زادنا) على استصلاح الأراضي وإقامة مشاريع زراعية ومساحات رعوية.. لم نسمع مناوي عبر الإذاعة والتلفزيون يكلم الناس عن خطة متكاملة لإدارة مجتمعات ما بعد النزاع، وتعزيز خدمات الصحة والارتقاء بالتعليم ونشر الوعي بالبيئة والحقوق وثقافة الاحتكام للقانون أو حتى طموحه في نقل مياه النيل عبر الأنابيب لدارفور، ولا عن رغبته في فتح المجال لنمو رأسمالية جديدة وحديثة من أبناء الاقليم يستطيع بهم ومعهم قيادة التنمية.

هذا غيض من فيض مهام وواجبات الحاكم التي إن تفرغ لها لنجح في التخطيط لبعضها ولأنجز بعضها ولو (بقانون البنية).

تمتلك دارفور من الموارد البشرية والمادية ما يؤهلها لتصبح أغنى أقاليم السودان، وما يزال بمقدور مناوي أن يثبت أنه “ثائر حقيقي” وليس أمير حرب.. ثائر قادر على تقديم نموذج أفضل من إيلا في بورتسودان والجزيرة، وهارون في جنوب وشمال كردفان، وأسامة عبدالله في الكهرباء والسدود، وعوض الجاز في البترول وخطوط الأنابيب.. فهل يترك مناوي (مقابضة) الأسلاك العارية حتى لا يضيع زمن السلام والبلد؟!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.