الوزغ

حجاوى الجمعة….هشام الخليفة

شارك الخبر

 

الوزغ هو فصيلة من الحيوانات الزاحفة الصغيرة يعيش في المناطق الدافئة ويسمى في بعضها “الضب” وفي البعض الآخر “البرص” ومسميات أخرى شبيهة ومناسبة هذا المقال هو ما حدث معي شخصياً في اجازتي الأخيرة مع “ضب” لازمني بالمنزل فترة من الزمان في السودان – واسميها اجازة مجازاً وتفخيماً فأنا في المعاش – وهو امر اثار في ذهني تساؤلات عن حدوث اشياء غير طبيعية يكاد لا يستوعبها العقل.

اولها ما اذكر وحدث في حينا “حي القبة” في السبعينات من القرن الماضي فقد استجلبت احدى الأسر الكريمة في الحي سلالة من الاغنام من غرب السودان . هذه الاغنام إضافة لشكلها المختلف شيئاً ما فهي قصيرة القامة وممتلئة الجسم كانت تقوم بأشياء لا يقوم بها الا الانسان . فقد – سمعت ولم ار- انها كانت عندما تعطش تتجه مباشرة نحو الحنفية فتفتحها مستخدمة قرناها ثم تشرب حتى ترتوي وتمضي في حال سبيلها ولكنها تترك مهمة قفل الماسورة على أهل المنزل!!! ظل في ذهني تساؤل بدون اجابة منذ ذلك الزمان البعيد عن مدى قدرة الحيوان على الإدراك في ظروف غير ظروف الخطر والى اي مدى يمكن ان يتصرف بـ”عقلانية” ولكنني لم أجد اجابة على هذا التساؤل ربما لانه خارج دائرة اهتماماتي المباشرة.

القصة “غير الطبيعية” الثانية حدثت معي في “مدرسة الخرطوم الثانوية القديمة” . كنا نقيم في المدرسة أربعة من المعلمين الاخوان بابكر موسى وسنهوري وفتح الرحمن والمرحوم عبدالرحمن ابو. كانت غرفنا تفتح مباشرة على “البركس” حيث يقيم طلاب جامعة الخرطوم وقد كانت هنالك كميات كبيرة من المياه الراكدة التي كانت تشكل بيئة مثالية لتوالد البعوض. كان البعوض يهاجمنا بشراسة مساء فنعجز عن النوم ونظل نتقلب في السرير “ذات اليمين وذات اليسار” طوال الليل حتى وصف لنا احد الاخوة نوعاً من المراهم له رائحة نفاذة تطرد البعوض فاراحنا ذلك من هجمات ذلك الزائر المزعج وقد كنت احتفظ في غرفتي دائما بصباع من ذلك الدواء السحري للاستخدام كل مساء. كان أحد الاصدقاء من الأساتذة والذي يقيم مع اسرته بعيداً عن المدرسة يقضي معنا في الغرفة الفترة ما بين نهاية الدوام الرسمي وبداية الفترة المسائية الخاصة بفصول اتحاد المعلمين. ذات يوم وقد خرجت لأمر ما وغبت فترة اكتشفت بعد رجوعي ان الاستاذ قد استخدم ذلك المرهم بدلا عن المعجون فـ”استاك” به. كاد قلبي ينخلع هلعاً وخوفأً فالمرهم مكتوب عليه بالعربية والإنجليزية انه سام للغاية. لم انم ليلتي تلك وقد بكرت في الصباح بزيارة الشعبة التي يعمل بها الاستاذ ولدهشتي الشديدة فقد استقبلني الاستاذ العزيز بابتسامة مشرقة “ولا احلى” ف حمدت الله في سري على سلامته وقلت ان هذا الاستاذ “مضاد للسموم “.

الرواية الثالثة في “مسلسل اللامعقول” هذا رواها لي احد الاصدقاء فقد ذكر لي ان شقيقته تستلذ بأكل اشياء اقل ما يقال عنها انه “غير مستساغة” وهي ما يسميه الخواجات بال ” un- edible ” اي الأشياء “الغير قابلة للأكل” فهي مثلاً تعشق “الدمعة” ولكنها تستمتع بها جدا بعد ان تخلطها بـ”المربة”!!!! نعم المربة الواحدة دي وهي “خلطة” لم اسمع بها حتى في “الخلطات السرية” التي نراها في برامج الطبخ التلفزيونية وللتغيير تخلطها احياناً بالزبادي!!!! وهذه خلطة أغرب من الأولى. يقول صديقى ان هذه أمثلة فقط للاطعمة الغريبة والخلطات المريبة التي ابتكرتها شقيقته وتستمتع بها ايما متعة هذا خلاف الابداعات الاخرى التي تخفيها عنهم خوفاً على مشاعرهم الرقيقة.!!!

نأتي لقصة الوزغ التي نوهت لها في بداية المقال. اعتدت ان اصحو مبكرا جدا منذ ايام عملي في ارامكو اخد دش واصلي ثم استمتع بالشاي اللذيذ مع بعض البسكويت وظلت هذه العادة تلازمني حتى الآن. في أحد الأيام لاحظت ان هنالك “ضب” برز فجأة من اللامكان والتصق بالحائط المواجه لي تماماً . ظل الضب فترة يراقبني في حذر خوفاً من ان ابطش به ولكنني لم اشأ ان ابدأ يومي بإيذاء مخلوق من مخلوقات الله. يبدو أن الضب قد اطمأن بانني لن أقرب منه فقد وجدته فجأة بين قدمي وهو ينظر في حذر شديد .كنت في حالة اندهاش وحيرة جعلتني اجلس مثل الصنم دون حركة .ما لبث الضب ان تسلق نازلاً في حذر ثم استقر فوق الطاولة امامي وادخل رأسه في صندوق البسكويت وبدأ يقضم قطع البسكويت اللذيذة بنهم شديد واستمتاع وبعد أن فرغ من تلك الوجبة المجانية الفاخرة نزل بنفس الطريقة ثم تسلل عائداً لـ”ملاذه الآمن” . كانت تلك اول مرة أرى فيها ضباً يتناول الطعام . والأغرب من ذلك هو ما حدث من صديق عزيز كان يغشاني في الصباح في طريقه لشراء احتياجاته اليومية من سوق العيلفون فبينما انشغلت انا بأمور أخرى التهم صديقي بقية وجبة الضب الصباحية ثم غادر مصحوبا بالسلامة ! اشفقت على الصديق العزيز فقد كانت حبوبتي المرحومة “الرقاعة” تحذرني من تناول اي طعام من إناء مكشوف خوفاً من سم الضب ولكنني قابلت صديقي بعد ذلك وابتسامة تضيء ظلمة المساء وبراءة الأطفال في عينيه فكانت دهشتي مزدوجة ضب يأكل بسكويتأ وانسان يلتهم بقايا طعام الضب دون أن يسبب له ضرراً فأيقنت انه ثاني شخص “مضاد للسموم” اقابله في حياتي.

لم يترك ابن اختي خالد مضوي الضب يستمتع بهذه الوجبات المجانية فقد اصطاده بكراس الغراء ومعه ضب آخر يبدو أنه من نفس العائلة ووجدنا معهما فأرا صغيرا ساقه حظه العاثر للمصيدة فقضى نحبه دون ذنب جناه.

انتهت قصة الوجبة الصباحية التي كنت اكرم بها الضب كل صباح وهو كرم لا يماثل بأية حال كرم احد شيوخ البطانة الذي وصفه الشاعر قائلاً :

وريث كرم الجدود الفضلو ماشي عديل

يضيف في الفاقة مهما تزيد بشوفه قليل

قال للراح يوزع للعلوق لا تكيل

يأت من سيد جمل يدخل براهو يشيل

وهذا كرم فات حد الكرم بي غادي

عزيزي القارئ هذه ايام غريبة تحدث فيها اشياء عجيبة فلا تستغرب ابدا فهذا زمن المتناقضات . تفاءل بما يحدث مهما كان غريباً لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..

وسلامتكم

 

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.