كابر أهلوها فخرَّ عليهم السقف

على الورق …إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

 

 

نجحت الثورة في الإطاحة بالإنقاذ بعدما نخر السوس نظامها، وأصاب جسدها الإنهاك، واكتنف أفقها الظلام، وخرَّت صريعة حين تشاكس أقطابها وتضاربت رؤاهم حول مستقبلها بين مُتبصِّرٍ ومُتقعِّر، بين مُتجرِّد ومُتحجِّر، ولقد بذل المتبصرون، الحريصون منهم على ابتغاء مرضاة الله محاولات جادة لاستدراك الهنَّات والعثرات، وقالوا لرصفائهم وإخوانهم الذين أخذتهم العزَّة بالسلطة، رويدكم، لنراجع ممارستنا، تطبيقاتنا، لنتعرف على أخطائنا، انحرافاتنا، على ملاحظات الشارع وانتقاداته لنا كي نتمكَّن من تصويب مسيرتنا؛ لكن – للأسف – لم يجدوا آذانًا صاغية، بل قوبلت رؤاهم بالتجاهل، وربما بالتسفيه، فصمت من صمت، وتبرَّم من تبرَّم، وخرج من الصف من خرج، وأما من صدع بالحق، وجاهر بالمعارضة، وأصرَّ على ترميم الشروخ والصدوع الداخلية؛ ما كان في استطاعته إلا أن يُمسك حتى لا يُتَّهم بعداوة نفسه ومعاداة سِربِه، وأن يكتم غيظه مرغمًا ومؤمِّلًا لعل الله يُحدِث بعد ذلك أمرًا.

سقطت الإنقاذ ونعاها أهلوها قبل مؤيديها ومناصريها لمَّا رأوها تتآكل وينحسر بريقها، بينما كان يُكابر آخرون في أنها باقية ما بقي في الجسد رمق، ظلوا يُجادلون مكابرين بالباطل إلى أن خرَّ عليهم السقف من فوقهم جزاء عنادهم ومكابرتهم وعُتوِّهم، ودفعوا الثمن غاليًا حبسًا وإذلالًا وامتهانًا، ودفع معهم المواطن ذاتيته وعزَّته ومروءته وكرامته حين استسلم (للخمِّ) وصدَّق (الجماعة إياهم).

نعم، نجحت الثورة؛ فاختطفتها ثلَّة أحزاب مستحدثة ومصنوعة، وجاءتنا برئيس وزراء وحاشية هجين، ومع تسلُّمه إدارة الوطن انتفى الوطن، نقض وحدته من بعد قوة أنكاثًا حينما انتفضت القبلية والإثنية والعنصرية والجهوية، وانتعشت لتُحدث عراكًا أخرق أزهق الأرواح، وشقوقًا متسعة في جدار وحدة البلاد تُهدِّد كيانه ووجوده.

قُبرَت الإنقاذ، لم تدمع عينا مواطن عليها حين اشتدَّت وطأة دمغها بكل سُبَّة ومستهجن ومُنكر.

ثم جاءتنا الانتقالية (تقدل) مختالة مزهوة بسرقتها لإنجازات الشارع، وجاء معها الجوع، وأدبر الأمن، وشحَّ الدواء والغذاء، وارتفع نحيب المدارس والجامعات، وتمنَّعت الإرض عن العطاء، و(تعملق) السوق، فأحسَّ المُصفقون بأن ليس في الإمكان أحسن مما كان، وما فات خير من الآن، ولسان حالهم مازال يُردُّد بحسرة:

رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمَّا

صرتُ في غيره بكيتُ عليه

قيا شتيت (قحت) تفكَّروا في مقولة بروف عبدالرحمن بدوي التي نوردها هنا بتصرُّف: “واهم كل (سياسي) أو (حزب) أو (تجمع) يدَّعي الشعبية، أو يُصدِّق ما تتصيَّح به الجماهير وهو في عنفوان (مناوراته مع العسكر)! إن هذه الجماهير نفسها التي (سبق أن تجاوبت مع مواكبه) هي التي ستصب عليه – أو على ذكراه – أبشع اللعنات حتى يزول (ضجيجه) و (تلفظه الساحة السياسية) .

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.