لم يمت.. باق بسماحته ونُبله وإيثاره

على الورق…إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

من كان يظن أن العالمَ الجليلَ، العَلَمَ الجهبذَ بروفسير الطاهر محمد الدرديري قد مات؛ فما أوفى الراحل حقه، أبو محمد لم يمت، فهو باق بيننا ليس بكُتبِه وخُطبِه فقط؛ وإنما بحلو مسامرته ومجالسته، وبضحكته الخفيفة اللطيفة، والتي هي أقرب إلى التبسُّم منها إلى الضحك، كان عِلْمًا يمشي على قدميه، وسُنَّة قولية وفعلية وكأنه رضيع إحدى الصحابيات، أو جليس ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبدالله وأبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري، بل كأنه كان ملازمًا لابن المسيِّب وابن شهاب ونافع، لم يعرف لسانه ـ عطر الله ثراه ـ لغو حديث أو هذر؛ بل كان يقطر استشهادات بآي من قرآنٍ، أو حديث شريف، أو شعرٍ، أو لطيفة من لطائف الإرث الإسلامي الواردة على لسان التابعين وتابعي تابعيهم يستهوي بها جلساءه ويأسرهم، وظل يُقدِّم أطباقه العلمية بأسلوب شائق سلس عذب ينساب على آذان سامعيه لحنًا شجيًّا، وعلى حلوقهم ماءً قراحًا.

تنصحنا صالونات العلم والعلماء؛ بل تُلزمنا بتوقير أصحاب الحديث، المتكلمين بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في مجالسهم ومساجدهم، يستحضرون معيَّته عليه أفضل الصلاة والتسليم، ويقتدون بهديه في أقوالهم وأعمالهم، يروى ـ كما ورد في كتاب (من تلبيس إبليس) ـ أن محمد بن المغيرة يقول: سمعت يونس بن عبدالأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث؛ فكأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخبر جعفر الخلدي، قال سمعت الجنيد يقول: الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه.

ورويَ أن إسحاق بن إبراهيم المروزي، قال حدثنا أبو إسحاق الأقرع، قال: سمعت الحسن بن أبي جعفر يذكر عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهي عن البدعة؛ عبادة.

رحم الله الطاهر، ورفع درجته في أعلى عليين، فقد كان عَلَمًا من الأعلام، وصدر أي مجتمع عاش فيه أو عايشه، شهمًا برًّا نبيلاً، سبَّاق في عمل الخير، اختصه الله بقضاء حوائج كثير من الناس، واسى اليتيم ومسح على رأسه، وسعى على الأرملة والمسكين والأسير، عرفته مجتمعاته بقيم الإيثار والإنفاق على الضعفاء والبؤساء وأصحاب الحاجات، كان رحمه الله جماع قيم وصفات حميدة.. كان أُمَّة.

تخرج ـ كتب الله له الأُنس مع خاصته أهل القرآن ـ في جامعة أمدرمان الإسلامية، ونال درجة الماجستير في جامعة الأزهر، ثم الدكتوراه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وله العديد من المؤلفات والبحوث والمقالات، أشهرها: تخريج الأحاديث النبوية الواردة في مدونة الإمام مالك بن أنس، وكتاب (الماء) بمشاركة د. عصام محمد عبدالماجد.

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.