عودة السيد الميرغني.. ظلال وخفايا

صلاح جلال

شارك الخبر

 

السيد محمد عثمان الميرغني، أمد الله في أيامه، وعافاه من المرض، هو آخر جيل المخضرمين الذي برز بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤م، وتولى مقاليد مرشدية الختمية بعد وفاة والده السيد علي الميرغني في العام ١٩٦٨م.

لا خلاف على ضخامة أعداد المستقبلين والمريدين في المطار ودار أبوجلابية للسيد الميرغني، فالحضور الجماهيري وفخامة وسيادة رايات الطريقة وطبولها تقول بالسيطرة الختمية على مشهد الاستقبال، وتؤكد أن الضمير الختمي بخير وعافية، لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وأن البيت الميرغني مركز له وزنه من الأتباع والمريدين، وهو أحد ممسكات الوحدة الوطنية في البلاد، بديلاً للجهويات والاثنيات وللحركة الإسلامية الكيزانية التي تغلغلت في مناطق نفوذه التقليدية بقياداتها المؤثرة، وطرحت نفسها بديلاً للحزب الاتحادي الديمقراطي في عصر الشمولية الإنقاذية، في مرابع النفوذ التقليدي للختمية، نقول لهم لقد حضر الماء وبطل التيمم.

الحقيقة الثانية التي لا مفر من قولها، السيد محمد عثمان الميرغني ظهر في المشهد شديد الإعياء من أثر الشيخوخة وتقدم العمر، وهو بهذا الملمح لن يكون له تأثير يملأ أشرعة العاشمين والمريدين بقرارات حاسمة ونافذة فهو في حاجة للراحة أكثر من قدرته على العمل، والتأثير داخل الطريقة والحزب، ومن الأفضل على الجهات المتصارعة في الداخل الاتحادي، والساحة الوطنية الابتعاد عن تجيير لسانه واسمه لصالح مواقفها، وعليهم إدراك حقيقة أن احترامه وتقديره في إبعاد اسمه من الصراع السياسي، هي واجب أخلاقي قمين بأبناء وبنات الحركة الاتحادية والختمية، الآن الكل تحت الطاولة يحاول توظيف نفوذه لصالحه، وهذا يؤكد خروجه عن دائرة التأثير .

الحقيقة الثالثة الواضح أن الخلاف داخل البيت الميرغني كبير جداً وبعيد جداً عن التوافق على الأقل الآن، وهو خلاف له ما بعده، خاصة أن الانقسام يحمل ظلالاً تاريخية بين جماعة الإخوة المراغنة وأبناء عمومتهم في الشرق، وخؤولتهم في الشمال، واضح أن الحرس القديم للسيد الميرغني يرغب في استخدام عودته لاستعادة بعض النفوذ الذي فقدوه أمام الجيل الجديد لأسرة الميرغني والتجمع الشبابي الاتحادي. ما يجري في بيت السادة المراغنة مرشح للاتساع وسنرى منه الكثير في مقبل الأيام.

كل هذه المظاهر الخلافية تؤكد أن السيد محمد عثمان فاقد للسيطرة والتأثير على البيت الميرغني الكبير، وبالتالي التأثير على الحركة الاتحادية المنقسمة أصلاً إلى أكثر من (١٤) مجموعة. عموماً نحن أمام سطر جديد داخل السجادة والحزب، لكنه لن يكون الأسوأ فاللاعبون الجدد سيضطرون للعب على المكشوف بدل السرية التاريخية التي صبغت صراعات المراغنة في الماضي، وهذا جيد سيبرز الصراع قيادات أكثر إفصاحاً، وأكثر نضوجاً وارتباطاً بعامة الناس، وسيحدث التنافس تطوير لقدرات وآليات الصراع، خاصة بين الأخوين السيد الحسن وهو الأكبر والسيد جعفر.

في تقديري بعد اختبار كل طرف لقدراته ومعرفة حجم تأييده داخل الطريقة والحزب، وخريطة تحالفاته، سيصل الطرفان لمعادلة تعايش كسبية، توزع الأدوار بتوازن جديد في السجادة والحزب، فيه شيء من الاعتراف المتبادل والتهدئة لمواجهة الفرقاء من الاتحاديين، المتمردين على السجادة ويرغبون في إحياء تقاليد الحزب الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري والشريف حسين الهندي، في إعادة المراغنة إلى دور الرعاية الذي تجاوزه السيد محمد عثمان برئاسته للحزب الاتحادي بعد مؤتمر القناطر، ورفض إبعادهم عن العمل السياسي اليومي في الحزب والدولة.

هذه المعاني في صراع الختمية والاتحاديين لها عمق تاريخي مفهوم داخل الحركة الاتحادية، عبر عنه ظهور حزب الشعب الديمقراطي بقيادة شيخ علي عبد الرحمن، في مواجهة فطاحلة الوطني الاتحادي في الخمسينيات حتى منتصف الستينيات، وكذلك قيادة الشريف حسين لمقاومة نظام مايو في الخارج، بينما اتجهت السجادة الميرغنية لتأييد مايو، من تجليات هذه النزاعات الاتحادية مشاركة الاتحادي الديمقراطي لنظام البشير حتى سقوطه في ١١ أبريل ٢٠١٩م، ورفض التيارات الاتحادية خاصة الشبابية لهذه المشاركة، والانخراط في الأنشطة المعارضة والمشاركة في مؤسسات الانتقال السابقة، كل هذه الظلال تتجمع الآن، وتحتاج لمعالجات يضاف إليها خلافات البيت الميرغني التي ستزيد الأزمات الاتحادية ضغثاً على إبالة. كما يفرض على العقلاء وحكماء الختمية والاتحاديين جمع كل الأطراف والبحث عن التوازن الكسبي لتوحيد حزب الاستقلال.

من فكاهات هذه الخلافات بين الختمية والوطني الإتحادي في الزمن الزاهر، بعد سقوط حكومة الأزهري وتولي حكومة السيدين، قول أحد شعراء الختمية مخاطباً الزعيم الأزهري: (يا فحل أم دريقة يا الفي الكبوبات شاخر، كرسيك دردقو السيدين، وحكمك بقالنا مساخر، ساداتنا العزاز قالولونا أرجوا الآخر).

وأحد الشاعرات قالت في نفحات الستينيات: (ما دايرين حزب الطقطاقة؛ المفتوق وملاقه)، في إشارة للوطني الاتحادي، وإشارة للمرحومة المناضلة، حواء الطقطاقة، حكامة السيد إسماعيل الأزهري عليهم جميعاً رحمة الله.

خاتمة

نرحب بعودة السيد محمد عثمان الميرغني للبلاد، وهي مكانه الطبيعي، ونتمنى له تمام الصحة والعافية، وشيخوخة هادئة بلا منغصات وتوتر، وهي ما يحتاجه السيد الميرغني بالفعل والصدق من مشاهد اليوم، مع صيحات المريدين والخلفاء المحببة في الستينيات

ألحق نفسك قبل تروح الختمية سفينة نوح

ألحق نفسك يا مسكين الختمية سياسة ودين

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.