(7) جرائم قتل خلال أسبوعين.. احترس أنت في الخرطوم !!

 

الخرطوم: ياسر الكُردي

“حسام الدين حسن”، مواطن سوداني أباً عن جد، ميسور الحال، يسكن بأحد اﻷحياء الراقية بالخرطوم، قال لـ(السوداني) إنه وبمعية أسرته، على بُعدِ خطوات من الهجرة النهائية إلى جمهورية مصر، بعد أن رتَّب كل أوضاعه هُنا وهناك، وبرَّر الخطوة بأنه – وربما كثيرون- رضوا بالعيش في وطن الجدود، رغم ضنك العيش وتردِّي الخدمات من تعليمٍ وصحةٍ وغيرهما، لكن أن تصل اﻷمور لدرجة ألَّا يضمن المرء أمن وأمان (أولاده)، فهنا فقط يجب الضغط بأعلى صوت على جرس إنذار (الهجرة) – حسبما قال “حسام الدين”-  الذي أضاف بأنَّ البقاء في السودان أصبح أشبه بـ(التَّهلُكة)، بدليل أنه لا يمُر يومان إلا وحدثت جريمة قتل هزَّت الوجدان، وأصابت الناس بالذهول، وأشار إلى إنه إذا استمر الحال بتلك الوتيرة فإنَّ المجتمع سيتعايش مع هذه السيولة اﻷمنية، وحينها لا ولن يرفع حاجب الدهشة حتى لو حدثت مائة جريمة قتل في يومٍ واحد.

 

شلَّال دماء

ويبدو أن “حسام الدين” وغيره ممن تحدّثوا لـ(السوداني)، لهم من مُبرِّرات (الهجرة) ما يكفي بسبب السيولة اﻷمنية التي جعلت سكان العاصمة الخرطوم يعيشون في قلقٍ أكثر من المتواجدين بمناطق النزاعات والحروب.. بدليل أنه قبل اكتمال تفاصيل قصة قتل، يُفاجأ الناس بأخرى أكثر بشاعةً، حيث شهدت الخرطوم خلال أقل من أسبوعين فقط، (7) جرائم قتل، بدأت يوم 26 نوفمبر بحادثة شقة بُرِّي التي راحت ضحيتها أم وأبناؤها الثلاثة، وقد فشلت جهات الاختصاص في فكِّ طلاسم هذه الجريمة – حتى كتابة هذه السطور… ثم تلتها يوم 5 ديسمبر جريمة حي الجامعة، حيث اغتيلت الطبيبة الاستشارية دكتورة “إيمان”، على يد صبي لم يتجاوز عمره (14) عاماً، مما يدُلُّ على أن (عُدوانية) المجتمع لم يسلم منها حتى اﻷطفال…!!!

وبعد يومين فقط من وقوع تلك الجريمة، تحديداً في 7 ديسمبر  وُجد الشُرطي “عبد الله الهادي” الذي يعمل بجامعة الرباط مقتولاً، بل وموثقاً بالحبال في الشارع العام بالحارة 78 بعد نهبه وأخذ سيارته و(مسدسه) الشخصي…

وفي اليوم التالي مباشرة 8 ديسمبر، وقبل أن يسمع الكثيرون بفاجعة (الشُرطي)، اهتزت المدينة بنبأ رجل سبعيني هو الحاج/ عثمان الشيخ، الذي قُتل في وضح النهار بثلاث طلقات نهارية من مسدس جاره؛ بسبب خلاف حول وضع (بقايا نفايات) ــ حسبما جاء في اﻷخبار…

أما جرائم الاغتصاب والنهب والخطف، بالعاصمة الخرطوم، فتلك لم تُصبِح الجرائم التي يلتفت لها أحد، أو تتناولها مجالس المدينة؛ ﻷنها أضحت أمراً عادياً، بل أهون من تناول الزبادي..!!

بين عهدين

وبالعودة إلى الوراء، نجد أن بعض قادة (النظام البائد) كانوا يرددون باستمرار أن الخرطوم تُعدُّ واحدة من أكثر العواصم أمناً في أفريقيا.. وقد أثبتت اﻷيام صحة حديثهم.

لأنَّ الجرائم في عهدهم لم تتعدَّ السرقات والخطف في أسوأ اﻷحوال، تلك جرائم حُقَّ للمواطن اﻵن أن (يحِنّ) إلى عهدها، بعد أن تحوّلت الجرائم إلى (حمَّامات دماء)…

الفريق شرطة/ صلاح الدين الشيخ، قال لـ(السوداني) حتى العام 2014م، كان اﻷمن والطمأنينة هما سيدا الموقف، لدرجة ربما تضع الخرطوم في المراتب اﻷولى (أمنياً) على مستوى القارة، لكن بعد ذلك بدأت الجرائم (تتسلّل) إلى العاصمة الخرطوم من أطرافها، حيث بدأت بؤر العصابات تتشكِّل في منطقة (مايو) جنوبي الخرطوم، (العزبة) بمنطقة بحري، وكذلك غرب الحارات بأم درمان، لكنها كانت جرائم بسيطة لم ترقَ لدرجة العنف المؤدي للقتل.. ونوَّه الفريق الشيخ إلى أن العملية الأمنية مُكلِّفة جداً فيما يتعلق بتوفير السيارات ووقودها، الدوريات، نثريات التسيير … إلخ، ولذا قد لا تسمح الميزانية لقيام مراكز لبسط الأمن الشامل بالمناطق المذكورة؛ نسبة للتوسع الذي طرأ على العاصمة وامتدادها في الفترة الأخيرة.

تركيبة ديموغرافية

من ناحيته قال الخبير القانوني مولانا “صلاح عثمان أبو زيد” لـ(السوداني): “قبل الحديث عن القوانين وضرورة تفعيلها، لابُدّ من اﻹشارة إلى أن الموضوع له جوانب اجتماعية ذات صلة بتغيُّر التركيبة الديموغرافية للمدن الرئيسية خلال العقود الأربعة الماضية، خاصة العاصمة المثلثة التي ظهرت تجلياتها في بداية فترة الديمقراطية الثالثة، وازدهرت ونمت وتفاقمت في عهد الإنقاذ المباد، إلى أن بلغت ذروتها مؤخراً في السنوات الثلاث الماضية من عمر الفترة التي أعقبت ثورة ديسمبر، التي اصطُلح على تسميتها مجازاً بالفترة الانتقالية، وخلالها نجد أن الوضع الأمني بصفة خاصة قد تدهور بشكل مريع، بل أصبح الناس يشعرون وكأنما المحافظة على أمنهم هو آخر اهتمام الجهات المسؤولة عنه، وصار انتشار السلاح غير المعروف عدده ونوعه وتفاصيله في أيدي الكثيرين ممن جاؤوا إلى الخرطوم عقب اتفاق جوبا، مغرياً وعاملاً مساعداً على ارتكاب الجريمة، وله أيضاً جوانب اقتصادية تتمثل في التدهور الاقتصادي الذي ظل السمة الأساسية والغالبة على الاقتصاد الوطني، وانعكس على الحياة والمعيشة وارتفاع تكاليف السكن والعلاج والتعليم، فضلاً عن جموع الذين تقذف بهم ظروفهم إلى سوق البطالة وتعاطي المخدرات المتداولة علناً، حيث يصبح العاطل المحتاج تُربة خصبة للولوج إلى عالم الجريمة التي تأخذ أشكالاً مختلفة، وتطورت أدواتها وطرقها. وأضاف مولانا أبو زيد أن الموضوع له أيضاً جوانب سياسية تتمثل في تهاون السلطات الحاكمة في بسط الأمن، وترك أغلب الجرائم الكبيرة دون تعقب أو تحقيق جاد يصل بها إلى نهاياتها المنطقية، وهي الكشف عن مرتكبي الجرائم التي حدثت من قبل ومنذ عام 2013 أثناء انتفاضة سبتمبر، وأخذت تتوالى سواء في جرائم جماعية أو فردية، وتقديمهم للعدالة؛ مما أغرى الكثيرين للولوغ في عالم الجريمة بكل أشكالها من خطف ونهب مسلح وابتزاز؛ حتى وصلت إلى عدد من حالات القتل المتعددة والمروعة.

براءة القانون

مولانا صلاح أبو زيد، مضى بالقول إن حوادث القتل كانت حتى الماضي القريب شحيحة، وفي المدن الرئيسية كالعاصمة المثلثة، وكانت عبارة عن حوادث تجري في الأطراف، وفي فترات متباعدة؛ ولأسباب تتعلق بخلافات بين الجاني والمجني عليه، وكانت معظم القضايا التي تنظرها المحاكم قضايا مدنية تندر فيها قضايا جنائية تصل إلى درجة القتل، إذ تنحصر معظم الجرائم التي تنظرها المحاكم في قضايا جنائية مالية مثل قضايا الشيكات المرتدة بدون رصيد، وخيانة الأمانة، والتملك الجنائي، والأذى البسيط أو الجسيم في بعض الحالات القليلة غير المرتبطة بقضايا المرور، وذلك لطبيعة المجتمع الحضري في المدن الرئيسية ومنها العاصمة المثلثة. أما جرائم القتل المتلاحقة التي أطلت برأسها في الآونة الأخيرة، فإن الدوافع لارتكابها معظمهما السرقة والنهب  خاصة في المنازل والطرقات من قبل بعض المتفلتين الذين أصبح شعارهم أخذ ما غلا ثمنه وخفَّ حمله من موبايلات وأموال نقدية ومصوغات وغيرها، ولا يمكن أن نعزو زيادة معدلات جرائم القتل لغياب القانون، فالقانون موجود على الورق، ولكن شجع عليها أو إليها وتراكمها البطء في الكشف عنها، أو إجراء التحقيقات اللازمة بشأنها وتقديمها إلى المحاكمة وإنزال أقصى العقوبة على مرتكبيها في وقت وجيز من تاريخ ارتكابها؛ حتى تحقق الردع المطلوب لمرتكبيها، ولمن يفكر في ارتكابها. وفي هذا الجانب تنحصر المسؤولية بين الأطراف الثلاثة التي تختص بالتعامل مع جرائم القتل، ألا وهي الشرطة ومدى كفاءتها في الكشف عن الجريمة وتجميع الأدلة والقبض على المتهمين ومباشرة إجراءات التحري، تحت إشراف نيابة مؤهلة ومواكبة للتحريات والعمل على استكمالها بجميع أدلة الاتهام، ورفعها إلى المحكمة المختصة بسرعة لتتولى النظر في القضية وتوفير مقومات المحاكمة العادلة غير البطيئة لهذا النوع من الجرائم؛ حتى يتحقق الغرض من العقوبة كأحد عوامل الردع في المجتمع.

تأجيج الفتن..!!

ويؤكد الباحث اﻻجتماعي والصحفي المعروف “نور الدين مدني” أن عوامل مختلفة تضافرت وأدَّت لتنامي جرائم القتل، أهمها تأجيج الفتن المجتمعية واستغلالها للكسب السياسي والمُحاصصة، وعدم تطبيق قرار مجلس الأمن والدفاع بجمع السلاح من كل القوات غير النظامية، وعدم حسم التفلتات الأمنية وافتعال معارك مصنوعة بين المدنيين والعسكريين، مؤكداً في حديثه لـ(السوداني) أن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاختناقات المعيشية، زادت الطين بِلّة، وجعلت البعض يجنحُ إلى العدوانية المؤدّية إلى القتل لأتفه اﻷسباب… وبحسب “مدني” فإنَّ مُحاصرة هذه الجرائم يتطلّبُ تفعيلاً عاجلاً للقوانين ومحاكماتٍ حاسمة للمجرمين والفاسدين والمتفلتين؛ حتى يتسنّى للدولة استردادُ هيبتها، وحمايةُ الأمن المجتمعي، والتعايش الإيجابي السلمي بين المواطنين.

بين الفقر والجريمة

من جهتهِ رجَّح الخبير الاقتصادي، البروفيسير إبراهيم أو نور، في حديثه لـ(السوداني)، أن ظاهرة تنامي الجريمة ووصولها لدرجة القتل يرجع إلى عوامل منها الضغط المعيشي، وتزايد أعداد الأجانب بالبلاد، وأغلبهم يتواجدون بشكل غير قانوني؛ مما يدُل على ضعف الجانب الرقابي، مؤكداً ازدياد ظاهرة الانفلات الأمني بعد سقوط النظام البائد، وهذا يتطلب من الحكومة الحالية خصوصاً وزارة الداخلية تفعيل القوانين، ومنع تدفق الأعداد المهولة من دول مجاورة تستغل تقارب السحنات بيننا.

مصدر شرطي يشرح الحاصل

مصدر شرطي – طلب حجب اسمه لأنه غير مخوّل له الحديث للإعلام- قال لـ(السوداني) إن الكثيرين يجعلون من الشرطة (شمّاعة) يعلِّقون عليها كل ما يصيب أمن الوطن والمواطن، وفي ذلك ظلمٌ كبير، ﻷن الأمن مسؤولية الجميع وليس الشرطة وحدها، مشيراً إلى أن فترات الانتقال التي تعقُب الثورات غالباً ما تشهد نوعاً من الحرية غير المسيطر عليها، وهذا يحدث في جُل دول العالم، إن لم نقُل كلها، وبالتالي فالسودان غير معصوم من ذلك.

واعترف المصدر بوجود سيولة أمنية حالية في البلاد، مشيراً إلى أن المجتمع السوداني الآن يعاني من مشاكل نزوح ولجوء لا حصر لها من مناطق النزاعات للمدن الحضرية، وما عقَّد اﻷمور الوجود الأجنبي الكبير وغير المنضبط، مع ضرورة اﻹشارة إلى الفراغ السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد.

وقال المصدر: “إنَّ الذي لا يعرفه الكثيرون أن هنالك خطة ممنهجة لتغييب الشباب السوداني وجعل الدولة مشلولة ومشغولة بمناهضة مظاهرات ﻻ نهائية، وصولاً إلى مرحلة الدولة الفاشلة”.. وقال: (للأسف، هذه الخطة يقوم بتفيذها وطنيون مع شركاء أجانب).

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.