أقوال “ماسورة ” ما تشيل هم في قلبك…الدنيا ملانه أكياس!!!

حجاوى الجمعة … هشام الخليفة *

شارك الخبر

 

وصلت السودان بحمد الله قبل أيام وذلك بعد غيبة امتدت لستة أشهر. كنت أسمع عن معاناة الناس وارتفاع الأسعار وعن الغلاء ولكنني وجدت الحال كما هو الحال وأهل العيلفون كما تركتهم يتبادلون الزيارات ويبتسمون في وجهك قبل السلام بل انني أحسست بالتقدم في كل شيء خصوصا في مجال ” كلو واشربوا ” فمحلات الأطعمة والمشروبات تكاثر عددها وتنوعت اطعمتها فزاد ايماني بان الدنيا بخير وكل شيء تمام وعال العال. استرجعت بعض العادات القديمة التي كنت استمتع بممارستها ايما استمتاع في الماضي ومن ضمنها التقاط العبارات المكتوبة على ” الركشات ” والحافلات ومن ضمنها العبارة التي جعلتها عنواناً لهذا المقال فقد كتبها شاب على ظهر الركشة التي يقودها ووجدت انها تنطبق تماماُ على حال كثير من الناس الآن فأثارت في ذهني ذكريات لأيام جميلة اتمنى ان تعود !!!

اولى هذه الذكريات كانت في أحد ايام رمضان الحارة وقد كانت الشمس ترسل اشعتها كشواظ من نار. كنت منهكاً جداُ وانا أعود للمنزل قبل الآذان بساعة تقريباُ وانا لا أصدق ان اليوم قد كاد ينتهي .قريباً من المنزل قابلت احد الأشخاص ولم يكن من الأهل ولا الجيران ولكنني أعرفه ” من بعيد لبعيد” . كان رجلاً رقيق الحال يعول أسرة متوسطة من ثلاثة اشخاص تقريباُ. كان يمشي على مهل وقد ارتسمت على فمه ابتسامة ازدادت اتساعاُ عندما رآني. لم يتبق من الإفطار الا ساعة تقريباً وقد تصاعدت في الجو روائح ” المشاوي والكلاوي ” فعطٌرت المكان وكانت بمثابة ” المشهيات والمقبلات ” . توجه الرجل نحوي بخطى ثابتةً وقد ازدادت ابتسامته اتساعاً وبعد السلام دخل في ” الكلام ” مباشرة فطلب مني مبلغاً من المال رأيت انه بسيط جدا ولكنه عندما شعر بحيرتي فسٌر لي هذا الطلب المتواضع بأنه يريد أن يشتري ” كيس دقيق ” ذرة وذلك لعمل عصيدة تصنع معها زوجته ” ملاح ويكة ” وبذلك تكتمل ” مائدة رمضان” لذلك اليوم !!. كدت أسقط من الاندهاش والاستغراب !!!! رجل حتى قبيل الآذان بقليل لا يعرف بماذا سيفطر هو و عياله ومع ذلك لا تبدو عليه اي علامة من علامات الانزعاج… هذا والله انسان قال لنفسه ” ما تشيل هم ” و عبأ أحزانه وهمومه في ” أكياس ” وألقى بها في القمامة.

القصة الثانية بطلها رجل من نفس ” العينة ” السابقة رب أسرة متوسطة ولم أكن اعرف له مهنة محددة ولكنني لم أره الا وهو في احسن حال. دائماً يقابلك بابتسامة عريضة قد تتحول إلى ضحكة وربما ” قهقهة ” بمجرد ان تلقي عليه السلام. اذكر اننا في مساء احد الأيام وقد كنت عائداً للمنزل برفقة احد الاصدقاء وكان القمر يرسل اشعته الفضية فيضفي على المكان جواً من الرومانسية يزيدها روعةً الهدوء الذي كان يعم المكان. كان هنالك تل صغير من الرمال قريبا من منزل ذلك الشخص اذ يبدو أن احد الجيران يقوم ببعض الإصلاحات داخل منزله. كان هنالك شخص يستلقي على الرمال وقد توسد ذراعه وراح في سبات عميق. اقتربنا منه وقد توجسنا خيفة في البداية ولكننا تبينا انه هو نفس ذلك الشخص ويبدو انهم كانوا شلة يستأنسون ويتسامرون ثم بعد فترة تسلل افرادها تباعاً وتركوه في مكانه وقد غلب عليه النعاس فنام. كنت متأكداً جدا انه لا يملك في جيبه قرشاً واحدا يستقبل به الصباح الجديد ومع ذلك نام ” ملء أجفانه ” ولم يبال فقلت في نفسي هذا رجل نزع من قلبه أحزانه وهمومه وتركها بعيداً عنه ” فالدنيا ملانه أكياس “.

القصة الثالثة عن شخص من نفس الفئة. هو قريب لاحد الأصدقاء وقد كان شخصاُ صعد وهبط ” السلالم” كثيرا فمرة تجده وقد تقلد منصباً مرموقاً في الدولة او خارجها ثم لا يمضي زمان حتى تسمع انه قد ترك المنصب او أبعد عنه لسبب او لآخر. بعد فترة من الزمان تسمع انه قد تحصل على عمل في احدى دول الخليج يدر عليه مبلغاُ كبيراً يسيل له اللعاب ثم فجأة تصادفه في احدى المناسبات وقد تلفح بالشال والعمة ” المقنطرة” والكريز الابنوسي فتعرف انه قد شرٌف البلد غير ان القاسم المشترك في كل ذلك هو انه دائماُ مبتسم وفي احسن حال . لم أره غاضباّ ابداً او متكدراً كأنما أيامه كلها أعياد حتى التي يكون فيها ” خارج الخدمة ” وهذه من نعم الله على العبد …القلب خالي من الهموم والأحزان لان ” الدنيا ملانه أكياس ” فلماذا ينشغل الإنسان إذا؟

أعجب هذه القصص عن صديق ” اتمنى له الصحة وطول العمر ” عمل معي لفترة في وظيفة يسيل لها اللعاب كانت تدر عليه مبلغاً محترماُ بالريال والدولار ابوصلعة. كان هذا الرجل يمتاز بخاصية عجيبة يحسده عليها الكثيرون وهي الهدوء الشديد الذي يصل لدرجة البرود. لم أره منزعجاً ابدا حتى في اكثر الفترات توتراً فقد كان يفصل نفسه تماماً عن محيطه ويعيش في عالم من الهدوء والسكينة يخلقه لنفسه. كانت الإشاعات تتطاير في بعض الأحيان عن عزم الشركة التي يعمل بها على الاستغناء عن خدمات بعض الموظفين فيسري التوتر والقلق بين الجميع الا هو فلم يكن يبالي باي شيئا كأنما الأمر لا يعنيه ابداً!!!.

اذكر انه في إحدى المرات جاء متأخراً للعمل وهذه تعتبر في الجهة التي كان يعمل بها من ” الكبائر “. كان التوتر قد بلغ مداه عند زملائه وقد بلغ ذروته عندما أطل بطلعته البهية فعم المكان صمت ثقيل. كان رئيس القسم يروح ويجيء ويسأل عنه في توتر وعصبية وكان الجميع يشعر بان هذا سيكون يوما ” عبوساً قمطريراً ” لهذا الرجل ” الطيب ” . اخبروه ان ” الريس ” في انتظاره فتوجه فوراً لمكتبه .لم يستغرق الامر طويلاً حتى خرج تسبقه ابتسامة عريضه ثم علمنا منه انه قد تلقى “dismissal warning ” وهو الإنذار الاخير قبل الفصل ولكن ذلك لم يحرك شعرة من رأسه بل كان يبتسم !!!!

هذا رجل ايضا أبعد عن قلبه الهموم والأحزان وتركها في مكان ” آمن “.

في احدى زياراتي للأهل والأقارب للسلام والكلام والتحايا جلست مع اسرة صديقة للمسامرة والونسة. لاحظت ان احدى فتيات الأسرة وهي جميلة ومهذبة تجلس بعيدة عن الجميع وقد غابت في عالمها الخاص الذي يبدو أنه لم يكن ” على ما يرام في هذه الأيام” .أحببت ان أخرجها من هذا الجو القاتم فخاطبتها قائلا: ( يا بنية ان الحياة لا تستحق كل هذا الحزن والأسى وعلى الانسان ان يعيشها بحلوها ومرها وان يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا وان يعمل لآخرته كأنه يموت غدا .. اترك قلبك خالياً من الهموم لأن الدنيا مليانه أكياس ) وسلامتكم

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.