د. جلال الدقير يكتب: عوض دعوب.. وارتحل جبل المآثر والفضائل

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الفاتح الخاتم الصادق الأمين وعلى آله الأطهار اجمعين،
(إنا لله وإنا إليه راجعون)، جمله قدوسية مفرداتها من نفس الرحمن تسرى في الكائنات تكسر فيها صولة النفس وفورة الغريزة لا ننفك نرددها كلما حلّت بسوحنا البلايا والمصائب وعلى رأسها رزء المنايا. لكن عند وقوعها على الأحبة يكون وقعها على النفس مُرّاً كطعم السقام تتردّد في دواخلنا زفرات حرى بين الصدر واللهاة.
فجر اليوم جاءني صادماً خبر رحيل رجل من أنبل الرجال وأجملهم سِيرةً وعُشرةً ومَسيرةً. وأثارت فاجعة رحيله المفاجئ غُصةً في الحلق وانحساراً لمدد رفقة طويلة امتدت عقوداً على دروب المدافعة المترعة بالآمال والآلام والشجون والأحلام لا من أجل وطن نعيش فيه، بل من أجل وطن يعيش في دواخلنا حلماً كبيراً وحضناً دافئاً عريضاً لكل قيم العزة والكرامة. عوض كان من قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي المرموقة. حجز لنفسه بعطائه وإخلاصه ووفائه لمبادئ الحزب مقعداً متقدماً في المكتب السياسي واللجنة المركزية. كان مُستودعاً للحكمة ومثالاً للثبات والمثابرة وطيِّب الخصال. كان بعيداً عن الخصومة السياسية ولم يجد الكيد السياسي منفذاً إلى منهجه وسلوكه.

نشهد أن الشقيق عوض سار على نهج الالتزام بالرسالة التي حملناها، ديدنه الثبات والأمانة والإخلاص ولم يبدل تبديلا.

برحيله المرير ارتحل جبلٌ من المآثر والفضائل. رحلت معه تلك الابتسامة العفية المُوحية، ورحلت معه تلك السخرية اللاذعة المُتّشحة بالحكمة والمُعتقة بتجاربه الثرّة الوفيرة. له قُدرةٌ هائلةٌ على إدارة الأزمات وتدوير الزوايا الحادة وإزالة الاحتقانات.
عوض كان مُعتداً بانتمائه الجغرافي لشرق النيل، حفياً بأهله العسيلات سلالة الدوحة الشريفة، فخوراً ومفاخراً بهم.
اتصل بي قبل أسبوع مُعزياً في رحيل القامة السامقة والرجل الأمة عز العرب خالي وابن عمي والذي تقاصر مدادي إلى الآن في الكتابة عنه، فهو بحر من المعاني لا شط له. واتصل بي قبل ليلة من رحيله يخطرني بفرحة لم يخفها بزواج كريمته بعد أسبوعين ويصر على دعوتي لهذه المناسبه العزيزة. ثم عرج كعادته لشؤون الحزب والوطن الذي حمل همّهما بجدٍ ووفاءٍ إلى أن أغمض عينيه فجر هذا اليوم الحزين. رَحَلَ عنّا اليوم عوض بلا استئذان لتطل علينا من جديد حقيقة الموت لا نعتادها مهما عبر منا الأحبة في مركب الردى صوب شاطئ البقاء الفسيح. خاصّةً عندما ينسرب خِلسةً مصوباً نحو قامة مثل عوض تنضح بجمال النفس وصفاء الروح. عزاؤنا فيه إنه نزل بساحة أكرم الأكرمين وفي جاه صاحب الشفاعة العظمى والحوض المورود. اسأل الله تعالى أن ينزله الغرف العلية ويحفه بالتحف السنية وأن يبدله حياته بالنعيم المقيم وأن يلهم خاصة أهله وزوجتيه وأبناءه وبناته وعامة أهله وأحبابه وكل جماهير الحزب وقياداته على امتداد الوطن صبراً جميلاً. وعزاءً خاصاً للشقيقة الزهو التي اسأل الله أن يتنزل عليها باسمه اللطيف ويلهمها صبراً وسلواناً.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.