الاغتيالات السياسية في السودان.. المخاوف تتمدد

الخرطوم: مهند عبادي

عادت المخاوف والتحذيرات من تمدد ظاهرة الاغتيالات غير الموجودة في السياسية السودانية إلى العلن مرة أخرى بعد محاولة اغتيال والي ولاية وسط دارفور أمس الأول الجمعة من قبل مسلحين عقب عودته من جبل مرة.. ما فتح الباب للتساؤل حول عودة الدم في السياسة السودانية، وعن مدى انعكاس حالة الاحتقان السياسي على رد الفعل العنيف خصوصًا في ظل الدوافع المبهمة وغير المعلومة للجهات المنفذة.

 

محاولة اغتيال والي وسط دارفور.. ماذا حدث؟

أمس الأول تعرض موكب والي ولاية وسط دارفور لاطلاق نار كثيف أصيب على إثره ثلاثة من مرافقيه بالقرب من منطقة جلدو شرق مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وقال أحد مرافقي موكب والي ولاية وسط دارفور إن والي وسط دارفور سعد آدم أبكر ولجنة أمن الولاية كانوا في زيارة تفقدية لمنطقة جلدو بجبل مرة، على خلفية عدة شكاوى من المواطنين بخصوص قفل الشارع الرئيسي من مجموعة مسلحة، تفرض رسومًا مالية على المركبات التي تمر بالطريق. وذكر أن الوالي اتفق مع المجموعة المسلحة على فتح الطريق وانسياب الحركة. وأضاف: وفي أثناء عودته الى مدينة زالنجي تعرض موكبه لاطلاق نار كثيف من عدة جهات، وتابع وعلى إثر ذلك أصيب اثنان من أفراد القوات الأمنية بينما أصيب أحد السائقين، وأبان المكتب الصحفي لوالي وسط دارفور في بيان بأن الوالي وأعضاء لجنة الأمن والمديرين العامين بحكومة الولاية والإدارات الأهلية كانوا في زيارة تفقدية لمحلية وسط جبل مرة للوقوف على أحوال المواطنين، وأثناء عودتهم إلى زالنجي تعرضوا لإطلاق نار عند الساعة الثانية والنصف ظهراً غربي منطقة “جلدو” بمحلية غرب جبل مرة من قبل متفلتين مما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص عسكريين بجروح متفاوتة. وذكر التصريح الصحفي بأن القوات الأمنية قامت بتمشيط واسع للمنطقة عقب الحادث، وفر مطلقو النار هاربين وسط الجبال، ببنما وعدت لجنة الأمن بملاحقة الجناة، بحسب دارفور “24”.

 

محاولات سابقة .. حمدوك على رأس القائمة

ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية فهذه تعتبر ثاني أكبر حوادث الاغتيال التي وقعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فقد سبقتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك..

وسبق أن كشفت لجنة إزالة التمكين، عن وجود قائمة مستهدفة بعمليات اغتيال تشمل سياسيين في قوى الحرية والتغيير وأعضاء من لجنة التفكيك، وأيضًا قالت أنباء آنذاك عن تلقى المستشار السياسي لرئيس الوزراء، ياسر عرمان، لتهديدات بالقتل..

وقبل عام ونصف أصدرت المجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانًا أعربت فيه عن أسفها إزاء مقتل قائد فصيل حركة تمازج الجبهة الثالثة محمد إدريس عليان زوج الناشطة الأستاذة تراجي مصطفى، وقالت إن للحادث أبعادًا خطيرة وأنه يؤسس لظاهرة الاغتيالات السياسية التي بدأت مؤشراتها تشير إلى التنامي. وقالت المجموعة: ظاهرة الاغتيال تتجلى بوضوح في حادثة اغتيال الشهيد خليل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساواة ، كما وصفت تعذيب الاستاذ أحمد الخير على النحو البشع الذي أفضى لقتله غيلة وغدرًا يعد هو الآخر مظهر ينضح بالجبن والخسة في تراث الممارسة السياسية، فضلا عن حادثة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للثورة يعد أحد أبرز الأدلة على تنامي ظاهرة الاغتيال وانتقالها من البعد الفردي إلى البعد الجماعي، وأضافت هكذا تترى حوادث الاغتيال فما يمر علينا يوم إلا ونفجع بمقتل ثائر أو رجل أمن أو صبي أثناء عمليات الحراك السياسي السلمي في مختلف أنحاء السودان وللعاصمة نصيب الأسد من فواجع القتل الغادر والاغتيال السياسي بحيث لا تكاد تسلم البلاد من حادث مأوي كلما خرجت الجماهير للتعبير عن حقها المشروع في التظاهر السلمي وكأنما الهدف من شيوع مؤامرات الاغتيال السياسي إنما هو حرمان الشعب السوداني من التمتع بأغلى سلاح أفرزته ثورة ديسمبر ألا وهو سلاح التظاهر السلمي ؟!!.

 

الاغتيالات ليست جزءًا من السياسة السودانية

ويشدد مراقبون وخبراء على أن الاغتيالات في السودان لم تكن جزءًا من الممارسة السياسية وأن السياسيين السودانيين يتقبلون الآخر والاختلاف في الرأي، وأن التسامح سيد الموقف في المجتمع السياسي، ومهما بلغت الخصومة السياسية فإنها لا ترقى إلى مرحلة التصفية والاغتيال، وفي الوقت ذاته يؤكد هؤلاء أن قيم التعدد والاختلاف، إذ يعبرون عن انسجامهم على الرغم من وجود الفوارق الطبيعية والمادية والمعنوية التي وحّدت بين أبناء المجتمع السوداني. ويرى بعضهم أن الطبيعة السودانية تعكس مدى تداخل النسيج الاجتماعي، الذي يضم في جملة مفاصله قبائل زنجية وعربية، وأنَّ ما يحدث فيها من مشاكل وخلافات، إنّما هو ممّا يحدث في المجتمع المدني، وليس له صلة بالصراع القبلي أو الديني..

ولكن آخرين يشيرون إلى أن المتغيرات الكبيرة والمتسارعة في العمل السياسي فضلًا على الانفتاح وتدخل جهات عديدة في الأان السوداني مبرر لوجود مثل هذه الحوادث الدخيلة على الشعب السوداني.

ويرى خبراء أن محاولة اغتيال حمدوك سابقة خطيرة في السودان الذي لم يعرف طوال تاريخه السياسي أية محاولات شبيهة أو حوادث اغتيال، برغم الصراعات السياسية والجهوية والنزاعات المسلحة التي شهدها السودان في تاريخه السياسي وهذا يزيد من احتمالية ضلوع أطراف خارجية في تدبير هذه الحادثة، كما أن شخصية حمدوك كانت تمثل رمزية للثورة السودانية التي أطاحت بحكم الإسلاميين في السودان و “كثيرون يعتبرون أن النظام القديم والجماعات المتطرفة الخارجية مرتبطة بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تعد المستفيد الأول من زعزعة الاستقرار واستهداف الثورة بمحاولة اغتيال رئيس وزراء الحكومة الانتقالية”.

 

حادثة بلندية.. الدم ليس جديدًا

وقبل عشر سنوات فتحت حادثة اغتيال وفد حكومي بولاية جنوب كردفان الباب مشرعًا أمام سيل الاسئلة وقتها المتعلق بكيفية تأمين المسؤولين الحكوميين في خضم اشتعال الحرب بين الحكومة السودانية التي كان يقودها حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال.

واغتال مسلحون مسؤوليْن سودانيين وستة أشخاص آخرين في ولاية جنوب كردفان التي تفجرت فيها المعارك قبل عام. واتهمت الحكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان، قطاع الشمال المتمردة بتدبير العملية، لكن الحركة تبرأت منها، وقال الجيش السوداني في بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية (سونا) وقتها إنه “في سلوك غادر ومشين أقدمت قوات تتبع للحركة الشعبية والجيش الشعبي في جنوب كردفان على عملية الاغتيال بدم بارد لكل من الأستاذ إبراهيم بلندية رئيس المجلس التشريعي بولاية جنوب كردفان والدكتور فيصل بشير الأمين العام للتخطيط الاستراتيجي بالولاية والأستاذ علي مطر المعتمد السابق بمحلية شيكان بولاية شمال كردفان وعدد من المرافقين”وأضاف البيان أنه “بينما كان الوفد الذي يترأسه رئيس المجلس التشريعي في زيارة تفقدية للموسم الزراعي اعترضتهم مجموعات مسلحة تتبع للحركة الشعبية وهم عزل في سيارات مدنية بدون حراسة حيث قامت المجموعات بعملية التصفية الجسدية لهم جميعًا، غير أن المتحدث باسم الجيش الشعبي، أرنو غوتولو لودي، نفى أي علاقة للحركة المتمردة بهذا الكمين، مرجحًا أن يكون ما جرى نتيجة “صراعات داخل حزب المؤتمر الوطني” الحاكم في الخرطوم.

 

غرانفيل والحكيم.. تفاصيل موت مثير للاستفهام

ومن الأحداث النادرة لجرائم الاغتيال، شهدت الخرطوم اغتيال مهدي الحكيم وهو معارض عراقي شيعي من أسرة الحكيم، وصل إلى الخرطوم في منتصف يناير 1988 بدعوة من الجبهة الإسلامية القومية لحضور مؤتمرها العام..

وبعدها وقعت حادثة اغتيال أخرى في العام 2008م، ألقي القبض على مجموعة تابعة لتنظيم “القاعدة” بعد مقتل الدبلوماسي الأمريكي جون مايكل غرانفيل، المسؤول في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وسائقه السوداني عبد الرحمن عباس، لتُسجَّل بذلك كأول حادثة خلال ثلاثة عقود لمسؤول حكومي أمريكي يُقتل في الخرطوم بالرصاص في طريق عودته، مع سائقه، من احتفالات رأس السنة في وقت مبكر من أول يناير وتمكَّن الجناة، بعد الحكم عليهم بالإعدام، من الفرار من سجن كوبر شديد التحصين، في ساعة متقدّمة من إحدى ليالي يونيو 2010م.. ممّا أثار علامات استفهام عدّة باحتمال تواطؤ السلطات معهم، والقي القبض على بعضهم ومات أحدهم في ليبيا بعد التحاقه بالتنظيم هناك. وبعدما عادوا، أكَّدوا إصرارهم على فعلتهم وعدم ندمهم. فقد جاء في إحدى الصحف، على لسان عادل عبد الغني، محامي الدفاع عن المتهمين، أنَّه إزاء تعنتهم وإصرارهم على قتل غرانفيل بقولهم “لو تم بعثه ثانية لقتلناه”، اتصل المحامي بوالدة غرانفيل كي تلين قلوبهم بالندم والاعتذار ولحثِّها على العفو، فكان ردها أنّها لا تمانع من التنازل عن القصاص والإعدام ولكنها تشترط العقاب بسجنهم مدى الحياة وذلك كي لا يكرروا ما فعلوه مع آخرين، وأن يعتذروا من الشعب الأمريكي عن مقتل ابنها ومن الشعب السوداني عن مقتل السائق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.