عاميات فصيحة… صاحب الثوب المكرمش.. أراه يبرطم، فماذا يقول؟

مللنا السياسة، قتلتنا السياسة، مجَّها عامة شعب السودان، فهي تُسرع بهم إلى المجهول، فوضى تتبعها فوضى، والسياسة هي فن الكذب، فن (الحفر) والتعمية والتضليل، والتصريحات المتضاربة إذًا لندع طائرتنا تهبط من المجهول إلى المعلوم، من قاموس السياسة ومفرداته السقيمة المكرورة، إلى فصيح العامية السودانية في قواميس اللغة، حيث يمكن ان يتوفر قسط من الاسترواح والتسلية تحت فيء عاميات فصيحة.

سأل معلم اللغة العربية تلاميذه: زميلكم هذا، ذو الثوب المكرمش ـ وأشار إلى أحدهم ـ اسمعه (يبرطم) فماذا يقول؟ والذي بجانبه لماذا يدنقس رأسه؟ صمتوا جميعًا؛ لأنهم يجهلون الإجابة بالفعل، ولا يدرون لماذا يهمهم زميلهم المشار إليه؟ رفع أحدهم يده منبِّهًا أستاذه: لقد سبق أن منعتنا يا أستاذ منعًا باتًّا من استخدام اللهجة العامية في حصة اللغة العربية؛ فلماذا تستخدمها أنت؟ تبسَّم المعلم وشكر تلميذه، ثم قال: يا بُّني العامية السودانية تحوي كثيرًا من المفردات الفصيحة، ولو اطلعت على كتاب بروفسير عون الشريف ـ رحمه الله ـ (قاموس العامية في السودان) لأحطْتَّ بنصيب وافر منها، فكلمتا: (كرمش، وبرطم) فصيحتان بنسبة مئة في المئة، تقول المعاجم العربية: كرمش يكرمش، كرْمشه فهو مُكرمش: كرمش الجلد: أي تقبَّض وانضم بعضه إلى بعض. وإذا بحثنا عن كلمة (برطم) في المعاجم نجد أن البرطَم هو: العيي اللسان، وبرطمة يبرطم، برطمة فهو مُبرطِم، وبرطم الشخص: كشَّر وعبَس وقلَب شَفَتَيْه غيظًا أو غضبًا، ورطن: تكلم بما لا يُفهم، والبُرْطام الضخم الشفة، والبرطمة الانتفاخ غضبًا، وتبرطم تغضَّب من كلام، وبرطمه: غاظه، وبرطم فلان: اغتاظ، وتبرطم الليل: اسودَّ، وبرطم الطفل أمام طعام لا يحبه، وبرطم: كشر وغبس وغضب، ومُبَرْطِمٌ بَرْطَمة الغَضْبانِ أي بِشَفةٍ ليستْ عَلَى أَسْنانِ. أما كلمة: دنقس، فالدَّنْقَسَةُ تعني تَطَأْطؤُ الرأْس وخَفْضُ البَصَر ذُلاًّ، ودَنْقَسَ: نظر وكَسَرَ عينيه… وهكذا يا بني نجد أن العامية السودانية تغرف من بحر الفصيحة، وثمة مفردات كثيرة نستخدمها تدخل في صلب الفصيح، مثل: (تلتلة) التي تعني التحريك والإقلاق، والزعزعة والزلزلة: أي السير الشديد والسَّوْق العنيف، و(لَزَّ)، كأن تقول لأحدهم لِزْ البَابَ أي أَغْلِقْهُ، ولزَّ الشيء بالشيء، أي لزِمه ولصق به، ولزَّهُ: شدهُ وألصقه، وكلمة (بَسْ): وفيها يقول فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن علي الحربي في كتابه: (لحن القول): إن (بَس) بمعنى حَسْب، كقولنا: فقط، عربية فصيحة في الأرجح، وقال المجدُ في القاموس: بَسْ: بمعنى حَسْب، أو هو مسترذل.