خطرفة داخل حوش الاقتصاد الأزرق

على الورق.. إبراهيم الصافي

شارك الخبر

مشاريعنا الزراعية ليست فاشلة، ثروتنا المعدنية ليست منهوبة، مواردنا النفطية تؤهلنا إلى الأوبك، نجاحنا الاقتصادي والاستثماري ظاهر للعيان، وهو ليس بحاجة إلى إعداد)مصفوفة(إثبات وتأكيد، ولا إلى شهادة جماعية عليها توقيعات ممثلي كل الكيانات والكتل السياسية. وبعد النجاح الملحوظ في الاقتصاد الأخضر وكذا الأصفر، حُقَّ لنا الانتقال إلى الأزرق..
يا لهناء الشعب السوداني، ويا للبشريات، فقد تجاوز فكرنا ومنهجنا الاقتصادي كل أنواع الاقتصادات: )حُر، اشتراكي، تقليدي، مختلط، جزئي، كُلِّي، إيجابي، معياري، صدمة(، لينتقل إلى الاقتصاد الأزرق الذي لم يتخذ تعريفًا محدَّدًا حتى الآن، ويقول منظروه إنه يمنح الأولوية ركائز الاستدامة الثلاث: البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
هل تظن وزارة المالية – أثرى الله خزائنها – أن المواطن العادي يدرك ماهية الاقتصاد الأزرق أو الظَّهري أو النيلي أو السماوي؟ ويحيط بمفهوم هذا المصطلح الذي يعني ـ وفق تعريف البنك الدولي: “الاستخدام المستدام لموارد المحيط من أجل النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش والوظائف مع الحفاظ على صحة النظام الإيكولوجي للمحيط”؟ ويشير تحديدًا إلى أن المبادرة مستدامة بيئيًا وشاملة ومرنة ضد تغير المناخ؟! (من أراد الإحاطة بمفهوم الاقتصاد المعني عليه الاستعانة بأقسام الاقتصاد في الجامعات المحلية والعربية).
رغم هذه الألوان البراقة لمصادر الإنتاج والإيرادات كالزراعة والتعدين والبترول؛ هل تصدقون ـ يا سادة ـ أن ناتجنا الإجمالي مازال قيد الاقتصاد غير الملوّن، أي لم يتعدَ ناتج الاقتصاد التقليدي؟ دعونا من هذه الألوان البراقة واستردوا مدخلات الاقتصاد التقليدي: (السلوكة والجراية والطورية والكدنكة والنجامة ومحراث الثيران) فهذه ـ رغم بدائيتها ـ كانت كافية لإشباع المواطن وطمأنينته، فقد كان يملك قوت يومه، آمن في سربه، لم يتمدَّن ولم تتغيَّر أنماط حياته؛ لكنه عاش هانئًا مرتاح البال، ما شكا جوعًا ولا عجز عن دفع تذكرة الطبيب وتوفير ثمن (روشتة) الدواء، ولا غلبته مصروفات ومتطلبات أبنائه المدرسية، لم تضعف مروءته وشهامته؛ بل كان سندًا لأخيه المحتاج والمُعدم عبر فلسفة (النفير)، كما كانت الدولة حاضرة معه في مستشفياتها ومراكزها الصحية، وفي مدارسها وجامعاتها، وحارسة له في طريقه ومنزله وموقع عمله.
ولمَّا برزت الاقتصادات الملونة، انتقل معظم المواطنين إلى حافة الموت، بسبب بطء دوران عجلة الإنتاج، شُح الأسمدة وفسادها، ضعف التمويل، ضريبة إنتاج متصاعدة (قبانة)، على الطرق ورسوم عبور، ارتفاع الجنيه الجمركي، تدهور قيمة العملة.
يبدو أن أزمة السودان الاقتصادية ستنتهي بتطبيق تجربة الاقتصاد الأزرق، ويمكن بعدها الانتقال إلى النطاق البرتقالي أو الفستقي، وليسعد ساكنو النيل الأزرق ولابسو (الفنيلة الزرقاء) بعد أن اتَّصف الاقتصاد بلونهما المفضل.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.