التزامات البرهان.. التجديد هل ينقذ الموقف؟

الخرطوم: سارة إبراهيم

جدد القائد العام للقوات المسلحة مؤخراً التزامه بالعملية السياسية بعد المصالحة التي تمت بينه وبين قائد قوات الدعم السريع بقصر الضيافة، الأمر الذي بات مربكاً للشارع العام، والشواهد على ذلك ازدياد الانسداد في الوضع السياسي المعقد، رغم العملية السياسية التي شارفت على الانتهاء بإعلان حكومة انتقالية جديدة، ثمة مخاوف أفرزها إعلان الجنرال حول التزامه بالعملية السياسية، فهل تصدق هذه المرة؟

 

رغبة “الجيش”

المحلل السياسي، محمد محي الدين، يذهب في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن الالتزام بالعملية السياسية ظل البرهان يؤكده أكثر من مرة، لكن العملية السياسية بتفسيراتها بمعنى القوات المسلحة في بيانها الأخير أكدت التزامها بالاتفاق، وهي نقطة تستحق أن نقف عندها، خاصة أن البيان صادر من “الجيش” وهو لا يحدث تضارب حول موقف رئيس مجلس السيادة وقرار الجيش السوداني، وموقف الجيش هو الاستمرارية في العملية السياسية في ظلت تأكيدات تصدر عن قائد الجيش في كل مرة تقول إن العملية السياسية لابد أن تكون فيها مشاركة أوسع لتكون هناك حكومة لها سند جماهيري أكبر، تدير ما تبقى من فترة الانتقال. واعتبر محي الدين أن هذه تعد نقطة محورية وجوهرية، وأن التسوية السياسية أو الاتفاق الإطاري بشكله الحالي يعطي الحكم لمجموعة صغيرة في ظل وجود معارضة كبيرة، وبالتالي هذا لن يؤدي إلى استقرار السودان، وأضاف: “إذا فهمنا مقتضيات رغبة “الجيش” في أن يكون هناك حوار بناء بين أكبر طيف من القوى السياسية الوطنية نستطيع أن ندرك أن هذا الالتزام لا تشوبه شائبة مراوغة، أو رغبة في كسب الوقت، بل هو التزام ينبني على اشتراط أن تقبل القوى السياسية في الحرية والتغيير مشاركة أوسع لبقية الأطراف، ليكون هناك توازن في المشهد السياسي يضمن استقرار الفترة الانتقالية القادمة”.

وتابع: “أعتقد أن “الجيش” جادٌّ في هذا الأمر؛ لأن ما تعرض له من شيطنة كان بسبب وجوده في المشهد السياسي، وقرار الخروج عن المشاركة السياسية صدر في بيان للقائد العام للقوات المسلحة، في 4 يوليو 2022م، عندما أكد أن القوات المسلحة تريد الخروج من المعادلة السياسية، وأنه يفسح المجال للقوى السياسية أن تتقدم لاستلام السلطة”، واستدرك: لكن اقتصار القوى السياسية على قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي فيه ابتسار للحقيقة، وبالتالي لا يسهم في إحداث القرار المنشود، فإذا عملت القوى السياسية بانتهاز هذه السانحة بتوسيع الإطار السياسي ليسمح أو يسع لقوى سياسية أخرى يكون أسهم في إعادة “الجيش” لثكناته، وتأكيد المضي نحو التحول الديمقراطي في السودان.

تكتيك وتَكسُب

من جانبه يمضي الخبير العسكري، عمر أرباب، في حديثه لـ(السوداني)، أمس، الى أن البرهان يتعامل مع العملية السياسية كخطوة تكتيكية للتخلص من الدعم السريع، وهذا ما ذكره صراحةً، وما أكده البيان الأخير الصادر من “الجيش” إذ قدم عملية توحيد الجيوش على عملية تشكيل الحكومة المدنية، وأردف أرباب: “بالتأكيد أن البرهان لا يؤمن بالدولة المدنية ولا بالتداول السلمي للسلطة، ولا بالممارسة الديمقراطية، لأنه قام بتنفيذ المجزرة، وأصدر بيانه بتشكيل حكومة، وأعاد الكرة مرة أخرى بتنفيذ انقلاب 25 أكتوبر، البرهان يريد من العملية السياسية تحقيق مكاسب التخلص من هاجس الدعم السريع كقوة عسكرية، ومن ثم تهيئة المشهد للسيطرة من جديد طالما يزال يحتفظ بكل الكروت التي يستطيع من خلالها الانقلاب على العملية السياسية، وعلى الحكومة التي تُشكل أو لا تُشكل”.

ضرورة الإسقاط

وزاد عمر: “لا أرى للوضع الحالي حلاً إلا بإسقاط الانقلاب، فعملية التفاوض لا يمكن أن تقود إلى تشكيل حكومة مدنية قوية تستطيع أن تحقق مطالب الثورة، فالانقلاب نفسه جاء لإجهاض الثورة ومطالبها، وبالتالي لا يمكن أن يقوم الشخص ذاته بالسماح بتكوين حكومة مدنية قوية تحقق قيم الحرية والسلام والعدالة، وقال في تقديري أن كل الذي يحدث هو موقف تكتيكي، وكل الأطراف لا ترى في الاتفاق الإطاري إلا مطالبها ومكاسبها التي تضمنت جميعاً داخل الاتفاق، وكل منهم يعتقد أن الأولوية لتحقيق مطالبه، فالدعم السريع يرى أن الأولوية بإصلاح الجيش وإجراء جراحة عميقة، والقوى المدنية ترى بأن الأولوية هي تشكيل حكومة مدنية، وإخراج الجيش من العملية السياسية، وهو موجود أيضاً في الاتفاق الإطاري، القوات المسلحة وعلى رأسها البرهان ترى أن تفكيك الدعم السريع هو هدفها من العملية السياسية وموجود في الاتفاق الإطاري كذلك، يبقى التحدي هو الجمع بين الرؤى المتناقضة والمتخالفة التي يسعى كل طرف فيها للتخلص من الآخر، فأزمة الثقة من خلال التصريحات والبيانات ما زالت حاضرة، وكل جهة تصدر بيان أو تقوم بتصريح تبرز موقفها من العملية السياسية وفق أولوياتها هي، هذا يعكس لنا أزمة الثقة والتباين في الرؤى بين الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري.

دافع شخصي

وفي سياق متصل يقول المحلل السياسي، أحمد خليل، في حديثه لـ(السوداني)، بخصوص التزامات القائد العام للقوات المسلحة، وقبل الحديث عن تصديقها وعدمه، البرهان ظل يرواغ طوال الفترة الماضية، وعمل على إجهاض الفترة الانتقالية الأولى والانقلاب عليها تحت مبررات واهية وأكاذيب، حيث كان “يتبجح” وينتقد المدنيين بأنهم “فاشلون” غير قادرين على إدارة البلاد والأزمات، ولديه دافع شخصي بأن يحكم السودان، ولكن بطرق غير شرعية ودموية، وشاهدنا ذلك بأنه منذ انقلابه على الوثيقة الدستورية، فموضوع الصدق وعدمه مجرد قياس، الرجل ظل يخون العهود، فهو وقع أمام العالم، وكل الوكالات التلفزيونية نقلت التزامه بالوثيقة الدستورية، ولكنه قام بخرقها وركلها، بالتالي هو غير جدير بالثقة ــ على حد قوله، وحول الاتفاق الإطاري هو وقع، ولكن رأينا أنه يحاول أن يجد مبرراً للنكوص بهذه الوثيقة، وحتى الفاعلين والعاملين معه في العمل السياسي من القوى المدنية التي وقعت على الاتفاق الإطاري تعرف أنه رجل غير صدوق، بالتالي هم يتعاملون معه ويعرفون صفاته، ويعرفون توجهاته ويتعاملون معه، وهم يضغطونه حتى آخر لحظة، وسيوقع على الاتفاق النهائي مجبراً ليس لأنه صادق.

من أجل التبييض

وفيما يتعلق بالعملية السياسية قال الناطق الرسمي باسم حركة وجيش تحرير السودان – بقيادة عبد الواحد- محمد الناير “بوتشر” لـ(السوداني) أمس، هي اسم “الدلع” للتسوية بين قحت المركزي وجنرالات البشير، يمكن النظر إليها من زوايا متعددة، ولكن في مجملها هي محاولة يائسة لإعادة الشراكة بين هذين الطرفين، وبعد أن فقدت قحت دعم الشارع الثوري الذي كانت تخادعه عبر تحقيق أهداف ثورة ديسمبر، وبما أنها ليس لديها سند شعبي وجماهيري لم يعد أمامها سوى الاستقواء بالعسكر، فانقسم تحالف قحت بين حميدتي والبرهان حتى يمكنوهم من السلطة مرة أخرى، وبالمقابل جنرالات البشير ليسوا أغبياء لهذه الدرجة التي يمكن أن تستغلهم قحت هكذا، فالجنرالات يستخدمون قحت من أجل تبييضهم وتقديمهم للمجتمع الإقليمي والدولي كشركاء في الانتقال الديمقراطي، وبعد أن يحققوا هدفهم سوف يرمون قحت في مزبلة التاريخ كما فعلوا بهم في انقلاب 25 أكتوبر 2021م، وحينها قحت ستكون في وضع لا تحسد عليه، بعد أن فقدت الشارع الثوري وأهداف الثورة وليست لها قوة شعبية وجماهيرية يمكن أن تضغط بها.

وزاد محمد الناير، ما يطلقه العسكريون من تصريحات يزعمون فيها بدعم التحول الديمقراطي لم تكن سوى خداع وانحناء للعواصف، ريثما يرتبون أوضاعهم ويتمكنون من السلطة، فليس من عاقل يمكن أن يصدق بأن العسكر سوف يخرجون من السلطة، ومن يواجهون مصيرهم من محاكمات وملاحقات قانونية على الجرائم التي ارتكبوها منذ عهد النظام البائد وبعد الثورة ولا يزالون.

استنفاذ الوسائل

وزاد الناطق الرسمي، أن العضلة الحالية هي الصراع الذي بدا واضحاً بين حميدتي والبرهان ومحاولة كل طرف الانفراد بترتيب المشهد السياسي بما يخدم مصالحه، والتهديد بالحرب لفرض شروط كل طرف رغم محاولات التهدئة، ولكن هذا الصراع سيتطور، ولابد من تغلب أحدهما على الآخر في نهاية المطاف، ولا أعتقد أن الحرب بينهما مضمونة العواقب، فأي طرف منهما يمكن أن يبدأ الحرب، ولكنه لن يحدد نهايتها، ويبدو أن هذه الفرضية هي الطريق الوحيد المتاح أمامهما، بعد أن استنفدا كل الوسائل الأخرى من الاستهبال والخداع والالتفاف على الاتفاقيات بينهما، وكل طرف مدفوع بحلفاء داخليين وخارجيين، وعامة الشعب ليست له مصلحة في هذا الصراع، لأن طرفي عملية التسوية هما اللذان أجهضا حلم التغيير وحرفا الثورة عن مسارها وخلقا الأزمة الراهنة، وللخروج من عنق الزجاجة وتحقيق أهداف الثورة كاملة لابد من إسقاط هذه التحالفات الانتهازية والعبور بالسودان إلى المستقبل.

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.