ما بين الطالب الذكي والطالب المبتكر

همسة تربوية … د.عبدالله إبراهيم علي أحمد*

شارك الخبر

 

 

تتفاوت مستويات الطلاب ومقدراتهم، فهناك فئة الطلاب المبدعين والأذكياء، بينما هناك أمور تعيق الإبداع ويجب على المعلم مراعاتها، فهناك معلمٌ يُجبر الطلاب على الإلتزام بطريقته في التفكير والتعبير، كما توجد أيضاً فئة من المعلمين قد تعاقب الطلبة الذين يظهرون أدلة على التفكير النقدي والإبداعي فيحرجونهم ويسخرون منهم، وقد يُفضل بعض المعلمين الطالب الذكي بالمعنى التقليدي على الطالب المبتكر، كما يتضايق بعضٌ آخر بمجرد الطالب يتساءل أو يكتشف، فكل ما ورد أعلاه أمور تواجه المعلم وعليه التعامل معها بحرفية وأريحية حتى لا يموت الإبداع وحب المعرفة والإكتشاف بين الطلاب.

فقد يسأل الطالب الموهوب معلمه وهو يعرف تماماً الإجابة غير أنه ينتظر الإجابة ليضيف إليها أو يُظهر شيئاً آخر مغاير وفق فلسفتة التي يريد توضيحها والنقاش فيها، والموهوب من الطلاب غالباً ما نجده مندمجاً يفحص كل صغيرة وكبيرة ولديه أفكار غريبة وربما سخيفة في نظر المعلم أو رفاقه من الطلاب، فيُظهر أفكاراً غريبة وآراءً قوية، فالطالب الموهوب غالباً يكون مستمتعاً بالتعلم وشديد الإنتقاد.

في المقابل الطالب الذكي نجده محب للإستطلاع، يهتم للموقف ومنتبهاً دائماً، كما توجد لدية أفكار جيدة ويجيب عن الأسئلة المطروحة بشكلٍ جيد، يُصنف من الأوائل بالصف ويعمل بجد، أيضاً نجد الطالب الذكي يستمع بشغف واهتمام ويتعلم بسهولة، يفهم الأفكار ويلتقط المعاني ويستمتع بمناقشة الأقران ويكمل واجباته في الوقت المناسب، ينسخ ما يُوكل إليه من مهامٍ بدقة، الأذكياء غالباً ما يستمتعون بمدرستهم ويتذكرون المعلومات بشكلٍ جيد، دائماً في يقظة وإستعداد للأوامر وسعداء بما يتعلمونه.

أما الموهبة فلا يتميز بها إلا القليلون من الطلاب لأنها قدرةٌ إستثنائية وإستعداداً فطرياً لدى الفرد، باعتبارها ذكاءً مرتفعاً يشير إلى تطور متقدم ومتسارع لوظائف الدماغ وأنشطته، وهي نعمة من الخالق يهبها لمن يشاء، والموهبة كالنبتة الغضة لا يُستفاد منها إلا إذا سقيناها وتعهدناها بالرعاية والاهتمام، ولا يجد الآباء والمعلمون الحاذقون صعوبةً في اكتشاف مواهب أبنائهم وطلابهم، إذ تظهر آثار الموهبة على الطِفل في المنزل منذ صغره في التعليم قبل المدرسي، ومن خلال قدراته الحركية والانفعالية والتعبيرية، فالموهوبون ثروة الأمم ومستقبل إزدهارها، في المقابل يناسب الموهوبين معلمون ماهرون في أدائهم ويستخدمون طرائق التدريس المتنوعة بعيدين عن أسلوب التلقين، ويركزون على تطبيق العلم العملي الميداني والإستفادة من التقنية الحديثة والبحث عن التجديد والابتكار والتميز، وإثراء بيئة الصف الدراسي ما يفتح آفاق الإبداع أمام الموهوبين.

فماذا نحن فاعلون أمام هؤلاء الطلاب؟ لنتعهدهم بالنصح والإرشاد والحب والإستماع إليهم والجلوس معهم، ولنشجهم ونهتم بهم، كالمزارع الذي يهتم بالأغصان الغضة فتستقيم ويزيل الحشائش الضارة بالزرع ليشتد عود النبتة، ويفلح الأراضي اليابسة ويسقيها لتعود نضارتها من جديد.

إذاً استخدام أساليب متنوعة في تدريس هؤلاء الموهوبين يجدي كثيراً وينفع معهم في تحقيق الأهداف في سهولةٍ ويسر، وتميز المدرس ليس بمادته الأكاديمية وحدها فحسب، بل بإستخدام إستراتيجيات تدريس متنوعة.

أما الطلاب المبدعين فلهم قدرات مميزة تظهر سلوكهم الإبداعي، مثل الاختراع والتصميم والاستنباط والتأليف والتخطيط، والإبداع ليس تفكيراً مزاجياً، وإنما هو النظر للمألوف بطريقةٍ مختلفة، كالتفوق في المجالات العلمية والأدبية والفنية وغيرها من المجالات الأخرى، فالطالب الموهوب قد لا يكون متفوقاً، ولكنه أقرب إلى كونه مبدعاً، والطالب المبدع قد لا يكون متفوقاً، ولكنه أقرب إلى أن يكون موهوباً، في المقابل الطالب المتفوق دراسياً ليس بالضرورة أن يكون موهوباً أو مبدعاً، وعلى سبيل المثال لنا في موهبة ذكاء الصحابي الجليل علي بن أبي طالب عبرة، وفي مجال التفكير المبدع، في مخيلتنا الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حين أشار على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، وقد نلاحظ المقدرة القيادية التي تتجلى في قوة شخصية بعض الطلاب وقُدرتهم على التأثير على زملائهم، والإمساك بزمام الأمور، فكثيراً ما نلاحظ أن طالباً في الصف الدراسي يُحظى بشعبيةٍ كبيرة، وتكون كلمته مسموعة، ويظهر ذلك أيضاً في تجمعات الأطفال في الحدائق وأماكن الألعاب، فبعضهم قادة لا يعترضهم أحد، ففي ذات المجال نجد من الصحابة الموهوبين خالد بن الوليد، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

بعض الطلاب نجدهم بارعين في الفنون البصرية والتمثيلية من خلال تفاعُلهم مع الأراجيز والأناشيد، وقُدرتهم على تقليد أصوات المنشدين، وممن تميزوا في هذا الجانب حسان بن ثابت؛ حيثُ كان شاعراً ملهماً، وأبو موسى الأشعري الذي تميز بحسن قراءة القرآن، وبلال بن رباح صاحب الصوت الجميل.

والطلاب الموهوبين يتميزون بالتفوق اللغوي ويعرفون ما لا يعرفه أقرانهم في القراءة ومهارات الكتابة، والتفوق في الذاكرة ومرونة الفكر والخيال الإبداعي وحب الإستطلاع والقدرة على التكيف، ويعطون عدداً من الحلول لمشكلةٍ واحدة.

أخيراً علينا كمعلمين تنمية الموهبة ورعايتها ومنح الفرص للطلاب لإظهار قدراتهم وإمكاناتهم والتواصل مع أولياء أُمورهم من أجل الوصول إلى نتائج أفضل تُسهم في تنمية مهارات التفكير، ولا شك من أن الموهوبين يختصرون الأزمنة والمسافات، ويُوفِرون الجهود من خلال الاستنتاجات العلمية والابتكارات، التي تتوصل إليها عقولهم المبدعة، وتحضرني مقولة نيوتن حيث قال:-

(إذا كنتُ قد استطعتُ أنْ أرى أبعدَ من غيري، فلأنني وقفتُ على أكتافِ عددٍ كبير من العمالقة).

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.