الخلاوي بين الشيخ البنداري والحاجة فاطمة أحمد عبد الحكم

حجاوى الجمعة… هشام الخليفة*

شارك الخبر

 

أسهمت الخلاوي “جمع خلوة ” بصورة كبيرة في نشر الدين الاسلامي قرآناً و فقهاُ في كل أركان السودان وكان لسماحة أهلها وتسامحهم الأثر الأكبر في تعميق مفاهيم المحبة والألفة بين الناس. و”الخلوة” هي المكان الذي يجتمع فيه المسلمون ليتدارسوا القرآن والفقه والحديث وبدايتها كانت في العهد السناري إبان “السلطنة الزرقاء” وقد شهدت ركوداً ايام المهدية ولكنها عاودت القيام بدورها الرسالي بعد ذلك. كانت “الخلوة” تسمى “مكتب” وقد جاء ذلك الاسم من المغرب العربي مع اقطاب التصوف الذين قدموا من هناك. وأشهرها ” مكتب البنداري ” الذي انشأه وأشرف عليه ” الشيخ البنداري” في “حلفاية الملوك” وهو رجل دين من قبائل الهوارة الذين قدموا إلى السودان من مصر حيث أقام خلوته هناك وبقي فيها زماناُ ينشر الدين الاسلامي والعلم الفقهي وهو يعتبر اول معلم للقطب الرباني المعروف ” الشيخ ادريس ابن الارباب ” . دفع “الشيخ محمد ابن الارباب” بابنه “الشيخ ادريس” الذي أصبح له شأن كبير في عالم التصوف وهو في عمر صغير إلى ” مكتب البنداري ” في حلفاية الملوك ليتلقى مبادئ الدين الحنيف من قرآن وفقه وكذلك اللغة العربية و ” الحساب “. بعد ان اشتد عود الطفل الصغير بعث به والده إلى” الشيخ ” حمد ود زروق” في ” الصبابي” والأخير قدم إلى المنطقة من “حضرموت” فعجمه ولجمه وافاض عليه من العلوم الدينية والدنيوية حتى بدأ صيته يعم و من هنا انطلق الفتى ليقيم مركزه الديني الخاص في ” العيلفون ” على مسافة قريبة جنوباً من ذلك المكان . كانت تلك المنطقة تحت تأثير ” مملكة علوة ” المسيحية وعاصمتها ” سوبا “فاستطاع ” الشيخ ادريس ابن الارباب ” ان يبسط نور الإسلام فأضاء الفضاء وتفقه الناس وتبحروا في علوم الدين والفقه. كان ” الشيخ ادريس ” هو المعلم والمربي وقد استطاع بما بسط الله له من العلم ان يسهم في رسوخ دعائم الدين في المنطقة ثم اعقبه في التدريس شيوخ اجلاء من ذريته أشهر هؤلاء الشيوخ هو ” الشيخ رملي ” الذي عرفت ” خلوة الشيخ ادريس ” باسمه وقد كانت في داخل ” مسيد ود الارباب ” وهو المركز الديني الذي توسط قرية العيلفون وما يزال وكذلك ” الشيخ محمد ود شنان ” الذي استقل بخلوته قريباً من ” المسيد ” اما اخوه ” ابراهيم ود شنان ” فقد ارتحل جنوباً وانشأ خلوة مستقلة جنوب غرب ” زريبة عايد ” في العيلفون وهو جد عمنا ” حسن الفكي ابراهيم ” وإخوانه. كذلك أقام مولانا ” الخليفة محمد الخليفة بركات” فرعا لمسيد ” الشيخ ادريس ابن الارباب” في المنطقة شمال العيلفون اسماه ” دار الرحمة ” يقيم ويدرس فيه المئات ايضا جزاه الله خيرا كثيرا .هنالك روايات متداولة ان اول خلوة في العيلفون انشأها الشيخ ” آدم ود اب عيون ” وهو ينحدر من التجمعات السكانية التي استقرت في المنطقة قبل ” السلطنة الزرقاء ” ومازال قبره معلما بارزا يزار في المقابر الواقعة جنوب العيلفون وما زالت ذريته تشكل كتلة سكانية معتبرة انصهرت في مجتمع العيلفون الكبير. ” مسيد الشيخ ادريس ابن الارباب” الذي اشتعلت فيه نار القرآن منذ أربعة قرون ولم تنطفئ حتى الآن ما زال حتى الآن يقوم بهذه الرسالة السامية فى نشر نور الدين والعلم والآن به ما يقارب المائة دارس من مختلف بقاع السودان يقيمون في المسيد إقامة دائمة للدراسة والتفقه تحت رعاية وإشراف خلفاء الشيخ ادريس ابن الارباب ” الخليفة علي الخليفة بركات “و ” الخليفة الصديق الخليفة محمد “جزاهم الله عنا كل خير .

كذلك في العيلفون أقام ” الشيخ محمد المقابلي ” وهو من أحفاد ” الشيخ ادريس ابن الارباب” مسيداُ عامراُ تتوسطه خلوة امها ويؤمها المئات من الدارسين ويقول احفاده ان ” الخليفة عبد الله التعايشي ” قد درس فيها قبل المهدية . يقم الآن في المسيد المئات من الدارسين من مختلف أنحاء السودان يتلقون العلوم الدينية والدنيوية بإشراف” الخليفة عبد الله” خليفة الشيخ المقابلي الذي ورث الخلافة من والده الخليفة محمد والذي ورثها بدوره من والده الخليفة احمد وهو اخ غير شقيق ” للشيخ الطيب المقابلي ” الذي أنشأ خلوة مستقلة . تفرعت من خلوة ” المقابلي ” خلاوي اقامها ابناؤة واحدة في “قوز الرميلة” انشأها ابناء” عركي المقابلي ” و أنشأ ابناء “الشيخ محمد نور المقابلي” خلوة ايضا في العسيلات.

اما ” الشيخ محمد ود الازيرق ” وهو من ذرية ” الشيخ ادريس ابن الارباب ” فقد أقام خلوة كبيرة في ” ام قحف ” جنوب العيلفون اسهمت ايضا بصورة كبيرة في نشر نور القرآن والحديث ومن أشهر شيوخها ” سيدنا عبد القادر ” المعروف ب ” سيدنا قديم ” وما زال أحفاد ” الشيخ ود الازيرق ” يقومون على أمر المسيد والخلوة واذكر ان الوالدة ” رحمها الله ” كانت ترسلني إليها وانا طفل صغير برغم بعد المسافة وذلك نسبة لأنها تنتمي لآل الازيرق من جهة الاب. من الطرائف ان احد الأبناء الذين ولدوا وترعرعوا في الغرب جاء مع والديه في زيارة لوطنه الام. ذهب مع الأطفال إلى الخلوة وعندما رجع إلى المنزل كان فرحا جدا. سألته والدته عن سبب فرحه فاجابها قائلا : ( We had free lunch ) اي ” اعطونا غداء مجاني ” وهو يقصد ” البليلة “التي توزع يوم الأربعاء من كل أسبوع وطبعا هو لم يعتد على ” الغداء المجاني ” في الغرب !!!!

كذلك ” خلوة الملك سعد ” التي توسعت الآن وضمت مسجداً كبيراً وقد انشأها ” الملك سعد ” وجلس للتدريس فيها ” الشيخ محمد ود خوجلي ” ثم بعده ” الفكي احمد ودبله ” وكذلك ” الفكي محمد ود الطيب ” .

في وسط العيلفون والى الجنوب من ” مسيد الشيخ ادريس ابن الارباب ” أنشأ الشيخ ” ود طمبل ” خلوة خلف منزل ” بابكر صالح بُنُنَه” وشرق ” حوش عربي” و قام بالتدريس فيها وهو خال ابناء ” حمد عربي ” . من آخر الخلاوي في العيلفون ” خلوة الحاجة فاطمة احمد عبد الحكم ” وتقع في مربع ٦ غرب ” فريق الشوك ” مباشرة. كان حلم ” الحاجة فاطمة احمد عبد الحكم ان تقيم مركزاً دينياً باسمها يضم مسجداً وخلاوي لتحفيظ القرآن الكريم و روضة للأطفال. تقدمت ” الحاجة فاطمة ” بطلب لـ “وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ” لمنحها قطعة أرض لاقامة هذا الصرح الديني المبارك وقد تصدق لها بذلك وتم تحويل التصديق إلى ” وزارة البنى التحتية والتخطيط العمراني” في عهد الوزير “عبدالوهاب محمد عثمان ” الذي قام بدوره بالتصديق على انشاء المجمع الاسلامي على ان يكون باسم ” حكومة جمهورية السودان ” وهذا ما حدث. قامت الحاجة فاطمة و من مالها الخاص بالشروع في بناء الخلاوي كبداية للمشروع ثم واصل ابنها هشام ادريس الخليفة الإنشاءات حتى تكللت مجهوداته بالنجاح وتم افتتاحه في الاسبوع المنصرم. وقف على هذا المشروع المبارك نساء ورجال اكارم منهم اخوها محمد احمد عبد الحكم وجيران الخلوة وعلى رأسهم سلمى عمسيب وزوجها الزبير والأستاذ خالدة محمد حامد وزوجها الصديق الطيب وابن الحاجة فاطمة الاستاذ هشام ادريس الخليفة وبنتها البارة الاستاذة سلمى الشيخ ادريس الخليفة وكذلك الجيران الذين وقفوا داعمين ومشجعين . رحم الله الحاجة فاطمة وأحسن إليها بقدر ما اسهمت في نشر نور الإسلام والقرآن في تلك البقعة النائية من العيلفون وبارك الله في من تعلم القرآن وعلمه وسلامتكم .

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.