الخرطوم – سارة إبراهيم
ما فتئ أن تعهد المكون العسكري بالتزامه باتمام العملية السياسية إلا وعاد بشرط تسبب في نسف المصفوفات الزمنية التي أعلنتها العملية السياسية الخاص بمواقيت التوقيع النهائي وتشكيل الحكومة، خطوة جدولة دمج القوات تلك تجاوزتها اتفاقية سلام جوبا الموقعة في 2020م حيث لا يوجد نص يدلل على موعد زمني لإتمام الدمج، الأمر الذي أربك الوضع وأثار موجة من القلق في مصير الانتقال المنتظر، سيما أن بعض الخبراء المختصين يرون أن خطوة القوات المسلحة ما هي إلا تكتيك لشراء الزمن وضمان مكاسب أكبر، فهل تخلص الخلافات الأخيرة بين أطراف العملية السياسية بتوقيع نهائي أم أن إبريل قال كلمته.
تسخين وتيرة الخلاف
حيث قال المتحدث باسم العملية السياسية في السودان، خالد عمر، إن توقيع الاتفاق النهائي رهين بإنهاء القضايا الخلافية سواء في السادس من إبريل أو بعده، وأكد في “تصريح صحفي” له أن العملية السياسية الجارية الآن تساعد المؤسسة العسكرية في الوصول لجيش مهني وقومي واحد.
ويرى الناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي، عادل خلف الله، أنه على العكس لم يؤدِ وضع قضايا الإصلاح الأمني والعسكري في ٱخر مناقشات ورش موضوعات ما سُمي بالاتفاق الإطاري، إلى تسريع الخطى باتجاه ما يُسمى الاتفاق النهائي، وإنما تحولت جوانبه الفنية وإجراءات الدمج والتسريح وتوقيتاتها، مادة جديدة لتسخين وتيرة الخلاف بين قائد الانقلاب وقائد الدعم السريع، وبما يشبه خنق الاتفاق الإطاري قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة كتكتيك متقدم من قائد الانقلاب، لشراء المزيد من الوقت، وحصد المزيد من المكاسب السلطوية، بعد أن حصد ثمار شرعنة انقلابه وتحصينه من المساءلة وذلك باعتباره أصيلًا في الحل الإطاري.
مخزون احتياطي
تزامن هذا التصعيد باسم الناطق الرسمي للجيش بعد شروع الفلول وأطراف من الكتلة الديمقراطية، بتنفيذ ما أعلنته من تهديدات أبرزها إعادة سيناريو إغلاق طريق الشرق وإعلان إدارات أهلية عزمها (إغلاق) العاصمة الأربعاء 5 إبريل الجاري، قبل يوم من التاريخ المعدل للتوقيع فى 6 إبريل، ولا يختلف اثنان في أن هذين الحدثين ليسا معزولين وكلاهما من المخزون الاحتياطي من الأدوات التكتيكية التي يستخدمها قائد الانقلاب تعبويًا لتحقيق أهدافه السياسية، كما حدث قبيل تنفيذ الانقلاب بـ 25 أكتوبر 2021م ولكن بأسلوب (حافة الهاوية) هذه المرة.
وحتى لا يلفظ الإطاري أنفاسه الأخيرة يجد رُعاته وأطراف إعطاء قائد الانقلاب مكافأة سلطوية جديدة حتى يتراجع من حافة الهاوية مع إدراك أن المكافأة لا بد أن تشمل نائبه قائد الدعم السريع ولا تستثنى من يطلق عليهم (الممانعين).
هذه التطورات التي لا تحدث إلا في دراما أفلام العنف والإثارة.
وزاد خلف الله، أنها توضح بجلاء بأن الإطاري لا يتمخض عنه استقرار وانسجام دعك مما يعاد تكراره بإنتقال ديمقراطي يقوده مدنيون وهو ما يحفز القوى الحية السياسية والاجتماعية المقاومة للانقلاب المتمسكة بالتحول الديمقراطي الحقيقي الذي يشكل إسقاط الانقلاب مدخله عبر تصعيد الانتفاضة وتوسيع قاعدتها الجماهيرية عبر أوسع جبهة للديمقراطية والتغيير توحد وتنسق بين مكوناتها لإعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني.
تحالف مصالح
وذهب عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، في حديثه لـ”السوداني” إلى أن هذا الجدل معركة في غير معترك فالاتفاق الإطاري في جوهره هو تكريس للانقلاب العسكري، وهو تحالف مصالح ببن قوى سياسية وجنرالات الانقلاب.
وأما مسألة الدمج في حد ذاتها فتعني إدخال المليشيات في الجيش سواء كانت دعمًا سريعًا أم حركات دارفور وهذا لن يحقق هدف الجيش القومي الواحد بل على العكس ستبتلع المليشيات الجيش الوطني، عمومًا الجميع يحاول كسب نقاط إضافية في هذه المسرحية المسماة الاتفاق الإطاري ولكنها مسرحية سيئة الإخراج والشعب سيسقط المتآمرين.
طلب موضوعي
ويعتقد المحلل السياسي محمد محي الدين أن الموقف المعلن للقوات المسلحة أعلنت عنه في أكثر من مرة، وأكدت التزامها في البيان الشهير أواخر الشهر الماضي وأكدت فيه التزامها بالعملية السياسية وما يصدر عنها من مخرجات الورش المختلفة، ويرى أن ربط التوقيع النهائي بوضع جدول للدمج حتى لا تثور مشكلة مشيرًا إلى أن استقرار فترة الانتقال بانضباط التوصيات ووضوح القضايا التي سيتم التعامل معها قضية دمج الحركات المسلحة والدعم السريع في الجيش إحدى القضايا المهمة وثم أن حسم الجداول والمواعيد سيحسم الجدل حول مدى الفترة الانتقالية ومدتها، وزاد أن الحديث عن أكثر من سنتين يعني أن الفترة الانتقالية لن تنتهي في الوقت المحدد وهي إحدى النقاط التي أكدت عليها القوات المسلحة وهي سرعة الانتقال وإيصال العملية السياسية لانتخابات شفافة ونزيهة، وأعتقد أن حديث القوات المسلحة وإصرارها على ربط التوقيع النهائي بجدولة عملية الدمج موضوعي من ناحية استقرار المؤسسة العسكرية ومعالجة الاختلالات الناجمة عن وجود عدد من الجيوش، واتساقًا مع موقفها المبدئي مع الشعب السوداني بسرعة إنجاز التحول الديمقراطي وتسليم الحكم لحكومة منتخبة، وهو ما يُقرأ في أكثر من تصريح لرئيس مجلس السيادة الذي أكد أن الجيش سيخضع لحكومة منتخبة من الشعب، وأن الوصول لهذا الأمر لا يأتي إذا تأخر موعد الانتخابات بسبب عدم استكمال بعض الموضوعات والقضايا الواجب تنفيذها قبل بدء الانتخابات.
مفروض بالضغط الدولي
ويقول الخبير العسكري عمر أرباب يبدو أن عملية التفاوض مفروضة على الطرفين لذا فأنهما ملزمان بالوصول إلى حل عبر العملية التفاوضية، وزاد أن كل ما يحدث الآن هو محاولة لتحقيق أكبر مكاسب من عملية التفاوض، مستبعدًا أن تؤدي هذه المسألة إلى مواجهات لأنها عملية غير معلومة العواقب ولا المآلات ولا إلى أي مدى يمكن أن تتطور الأوضاع، ولا أحد يستطيع أن يتكهن بذلك، ويمضي أرباب في أن الخيار الأفضل لكل الأطراف الآن هو الوصول إلى علاج إضافة للضغط الدولي الممارس على كل الأطراف من أجل الوصول إلى تسوية أو حل مقبول.
وقال هناك ثمة تساؤلات تطرح نفسها وهي إذا كانت القوات المسلحة إذا لم تظهر العملية السياسية في المشهد السياسي ماهي رؤية القوات المسلحة للدمج بدون العملية السياسية وهل السبب موقف الدعم السريع من العملية السياسية أم أنها إرادة حقيقية أو أن القيادة تريد أن تكسب دعمًا شعبيًا وتريد أن تكسب رضا داخل القوات المسلحة وسط الأصوات التي بدأت تتعالى وحالة الرفض والاستياء والململة التي بدت داخل القوات المسلحة.
تعقد الحسابات
ومن جانبه يرى القيادي بالتجمع الاتحادي معز حضرة، أن ما حاولت توقت به العملية السياسية وتأخير التوقيع النهائي القوات المسلحة بحجة تحديد فترة زمنية لدمج القوات، أعتقد أنه نوع من “التلكك” وربما إن العسكر في آخر محاولتهم بعد كثير من الضغوطات الدولية والشارع اضطروا إن يصرحوا تصريحات بأنهم سوف يذهبون للثكنات ويسلمون الحكم للمدنيين ويبدو أن حساباتهم الآن تعقدت ويريدون أن ينقضوا العهود والمواثيق كما ظل البرهان ومجموعته يفعلونها منذ 11 إبريل تاريخ سقوط المخلوع على حد قوله.
وزاد أن مسألة الدمج من ناحية موضوعية أنه ليس أمرًا يمكن أن يوقف أو يؤخر الاتفاق النهائي، عملية الدمج والفترات الزمنية هي أمور فنية يجب أن يشترك فيها العسكريون أنفسهم وفقا لظروف كل واقع، وأعتقد أن ما صدر من الجيش لا يعبر عن أن هذا موقف حقيقي وإنما القصد هو نوع من المماطلة ووضع المتاريس لتأخير الأمور، وقال إنه أمر فني لا يمكن أن يكون منصوصًا عليه في اتفاق نهائي مبررًا أنه من الأمور الفنية التي سبق ورفضها المكون العسكري أثناء التفاوض باعتبارها أمورًا عسكرية بحتة يناقشها العسكريون فيما بينهم، واستعجب من الموقف.
وزاد حضرة، أن العسكر يريدون أن “يتلكلكوا” وهو تلكلك غير حميد وواضح أن الشعب ثائر في طريقه والثورة السودانية مهما طال أمدها سوف تنتصر والتاريخ يقول ذلك، ويبدو أن عسكر الانقلابيين لم يقرأوا التاريخ وحتى لو قرأوه لم يفهموه، في النهاية لا بد من الديمقراطية وإن طال السفر.
تبيان عمق الخلاف
ويرى المحلل السياسي محمد الأسباط، أن موضوع دمج القوات الذي آثار غبارًا كثيفًا حول الحديث الدائر عن العملية السياسية في السودان هو في الأساس أن قادة الانقلاب البرهان ومن معه يريدون ضرب عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول تجاه الدعم السريع وهو ما يؤكد عمق الخلافات بين قائد الانقلاب وقائد الدعم السريع وبالتالي يوصل رسالة لكل الفرقاء في المشهد السياسي ورعاة العملية السياسية بأن للجيش موقف واضح من قوات الدعم السريع.
ويذهب الأسباط إلى أن الهدف الآخر فهو استراتيجي ويُدلل بل يؤكد بأن قادة الانقلاب ليسوا حريصين على الخروج من العملية السياسية وإنما هم يقومون بعمليات والاعيب لكسب الوقت للبقاء في إدارة البلاد لأطول فترة ممكنة وشراء الوقت في انتظار ما قد تسفر عنه الأيام المقبلة في ظل تقلبات إقليمية ودولية غير معروفة المآلات، وزاد الأسباط أن الحديث حول جدولة الدمج لا يبدو أن لديها أي قيمة مهنية فيما يتعلق بالجيش ومهنيته والمنتمين إليه والعاملين فيه وقادته بقدر ما هي محاولة لتصفية حسابات وصراعات بين قادة الانقلاب فيما بينهم وأيضا لكسب مزيد من الوقت وكما هو معلوم إذا لم يتم حسم هذا الأمر سيتم تأجيل عملية التوقيع النهائي وما يترتب عليه من إعلان سياسي ودستوري وتشكيل مؤسسات السلطة المدنية التي ستفضي في نهايتها كما هو معلن إلى خروج الجيش من العملية السياسية وهذا ما لا يرغب فيه قادة الانقلاب مضيفًا إلى أنها لعبة مكشوفة لكل زي عقل وعين.
صراع مصالح
وفي ذات السياق يقول القيادي أحمد الدفينة، إن بنود اتفاقية سلام جوبا لم تشمل مدة زمنية واضحة للدمج ولم تتطرق لتحديد زمني معين، وأشار إلى بند التجميع وإيقاف العدائيات وغيره من البنود، مؤكدًا أن الاتفاقية لم تضع نصًا فيما يتعلق بفترات الدمج ولم تضع آلية لتنفيذ الدمج بصورة واضحة بل حددت الغرض من الدمج وموعد بدء التنفيذ.
فيما يخص الدعم السريع والجيش ومطالباتهما بمدة زمنية حددها الجيش بعامين والدعم السريع بعشرة اعوام للدمج، قال إنه يفسر المشكلة بأنها صراع مصالح بين الطرفين وإن توافرت الإرادة ستتم عملية الدمج وبدون إرادة لن تتم عملية الدمج لو مرت لخمسين عامًا على حد وصفه.
وكشف الدفينة أن الطرفين يحتاجان لضمانات ويتوقف الأمر على حسب ما يريدان أن يفعل، وقال إن قوات الدعم السريع تقارب الـ “160”ألف جندي بدلًا عن “18” ألف جندي في عام 2018م، وذهب إلى أن معايير الجيش للدمج ستستبعد عددًا كبيرًا من القوات وما يجري للدعم السريع له ظلال على الحركات المسلحة التي هي جزء من التفاوض.
إيجاد مجلس تشريعي
ويرى الدفينة، أن المسألة معقدة جدًا وتحتاج إلى تطمينات لقائد الجيش وقائد الدعم السريع وتحتاج إلى التسرع في إيجاد مجلس تشريعي منتخب حتى يكون رقيبًا وحاميًا وذهب إلى أن الوضع الحالي حله يكمن في الانتخابات المبكرة، مشيرًا لأن الوضع متعلق بالأمن القومي وقانون القوات المسلحة والعقيدة، وذكر أن قادة الجيش لن يقبلوا بعملية الدمج وكشف أن هناك التفافًا حولها وتسمى بالقوات المشتركة وتوقع فشل الدمج لأنه لا يتم تأصيل الجنود المدمجين
مصلحة وطنية
فيما أكد الناطق الرسمي للقوات المسلحة العقيد نبيل عبدالله، أن التوقيع النهائي مقرون بتوفر الإرادة وقال خلال حديثه لـ”السوداني” إذا كان الغرض المصلحة الوطنية، دون أجندة ذاتية لا توجد تعقيدات ولا غموض في الأمر.
Comments are closed.