هلا بالخميس .. في ” أم الدنيا “

حجاوى الجمعة…. هشام الخليفة

شارك الخبر

الخميس هو بداية العطلة الأسبوعية ونهاية الرهق ومتاعب العمل الشاقة وعادة ما  يقيم الناس أفراحهم من زيجات وخلافه فى تلك الفترة لذلك ارتبط الخميس  فى اذهان الناس بذكريات سعيدة غير أنه كان بالنسبة لي في نهاية إقامتي الأخيرة في السودان يومًا شاقًا للغاية.
جئت السودان وفي ذهنيأمر واحد وهو أن أكمل الحلم الذي طالما حلمت به الوالدة فاطمة احمد عبد الحكم – رحمها الله-  وهو مجمع اسلامي صغير يشتمل على خلاوي لتدريس القرآن الكريم ومسجد وروضة للأطفال اليتامى . بدأت الحاجة الخلاوي بجهدها الخاص ولكن القدر لم يمهلها لاكمالها فقمت بتحمل هذه المسؤولية من بعدها. برغم الحرارة المرتفعة والظروف غير المواتية فانني لم افتر ولم اتوقف اطلاقا فقد كنت أراها امامي بوجهها المضيء وابتسامتها المشرقة وهي تحثني على المضي قدما في هذا المشروع المبارك   يشجعني ويقف إلى جانبيأهل وأقارب كرام  الخال محمد احمد عبد الحكم والاخت العزيزة سلمى الشيخ ادريس الخليفة والأخ خالد مضوي والأخت سلمى عمسيب جارة المجمع والتيأمدتنا بالماء من منزلها منذ بداية المشروع جزاها الله عنا كل خير  والأخت الاستاذه خالدة محمد حامد التي وقفت إلى جانبنا مشجعة ومباركة وآخرون من أهل الحي كانوا يرون في المجمع راحة لهم من إرهاق الذهاب لأقرب مسجد وهو يبعد عنهم مسافة ويفصله منهم شارع الإسفلت وعبوره يشكل خطرًا خصوصًا لكبار السن . كانت فترة برغم ما فيها من صعوبات ومشقة مريحة نفسيًا وأنا أكمل حلم  “الحاجة” الذي وهبت له مالها ووقتها غير أن أشق مافيه كان توصيل الكهرباء بعد أن فرغنا من كل شيء فقد اكتشفت أنه كان عليأن أنتظر ضمن قائمة طويلة من المتقدمين لإدخال الكهرباء قد تستغرق شهورًا.  فمكتب العيلفون يشمل دائرة واسعة تمتد من سوبا حتى أم ضوا بان وما بينهما من قرى فلم أجد بدًا من الدخول لمدير المكتب وشرح الأمر له فالمستهدف هو مركز ديني في منطقة ليس فيها مسجد لإقامة الصلوات وكان السكان يكابدون من أجل الوصول لأقرب مسجد خصوصًا ورمضان كان على الأبواب  وصلاة التراويح جزء مكمل للصيام  غير أن مدير مكتب كهرباء العيلفون  – جزاه الله خيرًا-  تفهم الموقف وقام بتجاوز النظم واللوائح وأصدر أوامره للتيم العامل بتوصيل الكهرباء فورًا جزاه الله خير الجزاء وبذلك انحلت عقبة كأداء كان يمكن أن تؤخر المشروع. كان ذلك نهاية متاعب ولكنه كان أيضًا بداية متاعب أخرى لم أضعها في الحسبان كما سنرى لاحقاً.
انتهت مهمتي وبدأت استعد للرجوع لارض الكنانة- اعزها الله- فذهبت لمكتب الخطوط لعمل إجراءات الحجز فوجدت ازدحامًا غير مسبوق إذ إن الكثيرين كانوا فى طريقهم لقضاء فترة رمضان في القاهرة . بعد لأي وجهد استطاعت الموظفة أن تجد لي مقعدًا يوم الخميس التالي فوافقت على الفور ولكن بعد أن أتمت الموظفة الإجراءات واستخرجت التذكرة اكتشفنا أن يوم الخميس هو أول أيام شهر رمضان المعظم  وأن الحضور للمطار يجب أن يكون فى الثالثة عصرًا بينما المغادرة الساعة السادسة مساءً وهو موعد الإفطار تمامًا !!!. لم يكن بالإمكان التراجع فقد تم استخراج التذكرة وإلغاؤها تترتب عليه غرامة مالية كبيرة. قلت في نفسي هذا امتحان رباني فقد اراد الله ان اكمل الأجر فاحتمل مشقة السفر في ذلك التوقيت العصيب . توكلت على الله وبدأت الرحلة  بالذهاب لاداء واجب العزاء في عمنا المرحوم الطيب يوسف شضوان الذي تصادفت وفاته في نفس اليوم وهو رجل فاضل وانسانا نبيلا للغاية لم اره الا والابتسامة على شفتيه منذ أن تزوج الخالةأم الخير الشيخ إدريس الحبر رحمه الله رحمة واسعة والهم أبناءه وبناته الصبر والسلوان. كان نهارًا قائظًا على غير العادة حينما وصلنا مطار الخرطوم وبدأت سلسلة المتاعب غير أن ما خففها هو الاحساس بان كل ذلك بأجره وأجر الصيام عند الله كبير. تصور عزيزي القارئأنه عندما رفع الأذان لصلاة المغرب كنا نصطف في صالة المغادرة لركوب البصات التي ستوصلنا للطائرة  فلم يتسنَ لنا تحليل الصيام الا بعد ان دخلنا جوف الطائرة فتكرمت علينا المضيفة بثلاث تمرات لكل راكب وذلك بعد أن استقررنا في مقاعدنا. فات على أن اتزود بقارورة من الماء ولكن الله قيض لنا جارًا من أهلنا الطيبين علمت في ما بعد أنه رجل بسيط من بارا تكرم علينا بالماء والعصير وقطعة من ” السامبوكسا ” فكانت تلك أحلى وجبة أتذوقها في حياتي فقد ” سندتنا” حتى تم توزيع الطعام بعد أن توهطت الطائرة في كبد السماء وهنا أود أن انبه الجهات المسؤولة في شركات الطيران أن توقٌت الرحلات في وقت مناسب للركاب  سواء أكان ذلك في رمضان أو خلافه. وصلنا مطار القاهرة بالسلامة وما أن انفتح باب الطائرة حتى دخلنا في ” العالم الآخر ”  فقد كانت درجة الحرارة ١٧ درجة مئوية  بينما كانت في الخرطوم تربو على الثلاثين وهكذا وفي يوم واحد انقلب الجو من صيف إلى شتاء وقد قيض الله لنا في الرحلة من المطار الى القاهرة ” رفقة مامونة ” اخ من ود رملي” يعمل وكيلا للنيابة تعارفنا وتآنسنا في الطريق وهكذا هم السودانيون شعب بسيط طيب القلب. بذلك عدت لحياتي السابقة فقد استقبلنيأصدقائي من الجيران المصريين بالترحاب والتهاني بسلامة الوصول بداية من أخونا ” رجب” بواب العمارة و بقية الإخوة الأعزاء في الشارع. كانت أجواء رمضان ظاهرة للعيان فالأنوار المبهرة تغمر الشارع والابتسامات والضحكات والقفشات تنسيك أنك قد انتقلت من بلد إلى بلد آخر ولم افتقد إلا ” بائعة العيش” التي تحتل ركنا ركينا في الشارع ولي معها ممازحات و مفاكهات فقد كانت تستقبلني دائمًا بعبارة واحدة هي ” أهلا ابن النيل ” فقد  علمت أنها متوعكة منذ أيام فحز ذلك في نفسي فهى امرأة طيبة حنونة مثلها مثل أي ” حبوبة سودانية” ولم ارتح الا بعد أطلت علينا بعد أيام في ” كامل زينتها ” ولله الحمد والمنة. غير أن أسعد خبر أسمعه كان بعد مرور أسبوع على وصولي. كان يوم الخميس يودعنا متثاقلًا ونستقبل الجمعة ” العند الله جامعة ” حينما رن جرس التليفون وكان المتحدث هو الصديق الأخ البروفسور المقداد أحمد علي خالد ليزف لي البشرى بان التحاليل والفحوصات قد اثبتت ان الاخت العزيزة البروفسور فدوى عبد الرحمن علي طه قد تمالكت تمام الصحة والعافية وانها قد استطاعت بعون الله تعالى  وبعزيمتها القوية وإيمانها بالقضاء والقدر أن تتغلب على ذلك الداء اللعين الذي ادخلنا كلنا في حالة من الحزن والقلق ولكن بإرادة الله وبدعاء الآلاف المؤلفة من الأهل والأصدقاء قد ” عبرنا ” تلك المرحلة المزعجة و ستصلنا بعد أيام إن شاء الله أختنا بروفسور  انتصار صغيرون بعد غادرتنا للسودان لتلقي واجب  العزاء في وفاة زوجة ابنها ” رحمها الله” اقول ستصلنا وقد تبدل الحال من حال إلى حال ولله الفضل والمنة فنستقبل العيد السعيد إن شاء الله بالفرحة والبهجة والسعادة.
الشاعر والمغني السوري المقيم في المملكة العربية  “معن برغوث ” كتب أغنية باللهجة السعودية وبنغمة سهلة التذكر هيأغنية ” ليلة خميس ” . هذه الأغنية أصبح لها رواج واسع منذ إذاعتها في العام ٢٠١٦م في السعودية ثم اتسع رواجها عربيًا وأصبح عنوان الأغنية تعبيرًا عن ظاهرة شائعة تحمل معنى الاستبشار. تقول بعض كلمات الأغنية:
هلا والله بعدهم     هلا والله بالونيس
وانا من يوم الأحد    وانا اهوجس  بالخميس
*****
انس همك لا تضايق    خلك مفرفش وفايق
يا حلاتك وانت رايق    لاتفكر باى شيئ
*****
خل امورك فى السليم    فلها وربك كريم
هلا والله بالخميس
وفعلا ان الله كريم مع خلقه وكان كريما معنا ومع اختنا فدوى  فقد خرجت من المحنة ” صاغ سليم ” وسلامتكم.

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.