السُّودان أرض البعثات.. (يونيتامس) نهاية بعثة أخرى!

القاهرة – تقرير: سوسن محجوب

أمس الأول الجمعة، أنهى أعضاء مجلس الأمن الدولي مهمة بعثة يونيتامس في السُّودان، وواجهت البعثة ومنذ تسريب خطاب طلب تكوينها انقساماً بين القوى السياسية، بعضها يؤيد وآخر يرى أنها خصمٌ على سيادة السودان، كل فريق يعضد مواقفه بما يراه؛ لاحقاً انضمت الحكومة لرافضي البعثة وترى أن أداءها كان مخيباً للآمال – وفق رسالتها إلى الأمم المتحدة طالبت فيها إنهاء تفويضها.


بعثة بالطلب

في يناير من العام 2020، دفع رئيس الوزراء وقتذاك د. عبد الله حمدوك بخطاب طلب فيه من الأمم المتحدة، الموافقة على تكوين بعثة سياسية تحت الفصل السادس، لمساعدة الحكومة الانتقالية في عملية التحول الديمقراطي ودعم عملية السلام، مع الجماعات المسلحة وإعادة توطين النازحين، وافق مجلس الأمن الدولي في ذات العام 2020 وأسندت رئاستها إلى الألماني فولكر بيرتس. وباشرت البعثة، نشاطها فعلياً فى نوفمبر 2021، حيث انخرطت في نشاطها، وقادت جهوداً، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والأوروبية لنزع فتيل الأزمة نتيجة تداعيات قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

أرض البعثات
وللسودان تاريخٌ طويلٌ مع البعثات الأممية، أبرزها بعثة يونيتامس التي تكونت بعد اتفاق الخرطوم وحركة جون قرنق، بعثة يوناميد في دارفور، بعثة يونيسفا في مدينة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان.

ويتكون طاقم يونيتامس من (245) شخصاً، بينهم 88 في بورتسودان بالإضافة لآخرين يتوزعون بين نيروبي وأديس أبابا بعد اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل.

نهاية العلاقة
طلبت الحكومة رسمياً عبر خطاب لها في 17 نوفمبر إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، الإنهاء الفوري لولاية البعثة وعدم التجديد لها.
وقال سفير السُّودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، إن البعثة “لم تعد تلبي احتياجات وأولويات بلاده”. وتدهورت العلاقة بين الحكومة والبعثة واعتبرت رئيسها، الألماني فولكر بيرتس، شخصاً غير مرغوب فيه، مما اضطر إلى إعلان استقالته من منصبه في سبتمبر الماضي.
ومؤخراً عين غوتيريش ـ الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة مبعوثاً شخصياً له إلى السودان.

طلب حمدوك
وقدم رئيس الوزراء السوداني السابق د. عبد الله حمدوك، خطاباً لكل من مجلس الأمن والأمم المتحدة دعا فيه تمديد تفويض “يونيتامس”، وأضاف فى حسابه على منصة x “أضحت الحاجة إليها اليوم أكثر إلحاحا في ظل انقلاب أكتوبر 2021 وحرب الخامس عشر من أبريل التي قضت على الأخضر واليابس فى البلاد. الشعب السوداني المنكوب في حاجة إلى الأمم المتحدة أكثر من أي وقت مضى”.

بدل بعثة
ويرى الباحث في قضايا القرن الأفريقي محمد تورشين إلى أنّ البعثة أتت أصلاً بطلب حكومي وبديلاـ للبعثة المشتركة (يوناميد) في دارفور.
وقال فى حديثه لـ(السُّوداني)، إنّ العلاقة بين الحكومة والبعثة تدهور عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، حيث ترى الحكومة أنّ البعثة منحازة إلى أحد طرفي الصراع ـ تحديداً المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والتي بدورها تتهم قوى الكتلة الديمقراطية بأنها مهندسة الانقلاب، وبصورة عامة أخذ العداء بين الحكومة في التنامي ووصل ذروته بعد لندلاع الحرب، ولاحقت اتهامات رئيس البعثة فولكر بأنه يقف إلى جانب زعيم قوات الدعم السريع (حميدتي)، ولاحقاً اعتبرته الخرطوم شخصاً ـ غير مرغوب فيه ليقدم استقالته في سبتمبر الماضي.

هل انتصرت الدبلوماسية؟

ويواصل تورشين إلى أن ما تمّ في مجلس الأمن يوم الجمعة وأنهى بموجبه أعضاء المجلس تفويض البعثة، أمرٌ متوقعٌ، لأن الحكومة طلبت ذلك وهي بعثة تعمل تحت البند السادس، وما حدث تعتبره دوائر حكومية أنّه انتصارٌ للدبلوماسية السُّودانية، ويضيف، (أرجِّح أنّه في حال تم تعاون بين الحكومة والأطراف السياسية الأخرى مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، وإذا تعامل العمامرة نفسه بمستوى واحد من كل الأطراف، يمكنه وقتها أن يقدم دعماً في ملف الأزمة وربما يكون أفضل من البعثة باعتبار تاريخه في الإقليم ومعرفته بتفاصيل أزماته ومعرفته بالمنظمات الإقليمية خاصّةً الاتحاد الأفريقي).

القرار 2579
أكد مجلس الأمن الدولي، في قراره إنهاء تفويض البعثة، التزامه القوي بسيادة السُّودان ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، حيث أشار فى بيان له “إنهاء مُهمّة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السُّودان بمُوجب القرار 2579 لعام 2021 اعتباراً من 3 ديسمبر 2023، وعلى (يونيتامس) الشروع فوراً بتاريخ 4 ديسمبر 2023 في وقف عملياتها وعملية نقل وظائفها، حيثما كان ذلك مُناسباً وإلى الحد المُمكن، إلى وكالات الأمم المتحدة، وصناديقها وبرامجها، بهدف إكمال ذلك بحلول 29 فبراير 2024، ويُقرِّر كذلك تصفية (يونيتامس) التي ستبدأ في 1 مارس 2024، وندعو (يونيتامس) إلى إنشاء مع فريق الأمم المتحدة في البلاد، بحسب الاقتضاء، ترتيبات مالية تمكن الأمم المتحدة من الإشراف على الأنشطة المتبقية للتعاون البرامجي التي بدأتها (يونيتامس) في السابق.

تصفية بعثة
وأضاف القرار: “وإذ يعترف بأهمية وكالات الأمم المتحدة، وصناديقها وبرامجها، ويُشدِّد القرار على ضرورة انتقال (يونيتامس) وتصفيتها بشكل منتظم من أجل ضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة والعمل الفاعل لكل عمليات الأمم المتحدة، بما في ذلك المُساعدة التنموية والإنسانية، ويُقرِّر كذلك أن يأذن خلال مدة الانتقال من (يونيتامس) وتصفيتها، بإبقاء العناصر الأمنية الضرورية الموجودة في السُّودان لحماية العاملين في (يونيتامس) ومرافقها وأصولها، ويدعو جميع الأطراف السُّودانيّة المعنية ذات الصلة بالتعاون التام مع الأمم المتحدة خلال فترة عملية انتقال وتصفية (يونيتامس)، ويطلب من الأمين العام إبقاء مجلس الأمن على علمٍ بانتظام بشأن عملية الانتقال والتّصفية”.

حق السُّودان
وبحسب بيان مجلس الأمن، “نُشير إلى أهمية الالتزامات القانونية على جمهورية السُّودان بمُوجب مُعاهدة الأمم المتحدة للامتيازات والحصانات لعام 1946، وكذلك اتفاق وضع البعثة في 4 يوليو 2021 حتى مُغادرة العُنصر الأخير لـ(يونيتامس) من السُّودان، ويدعو كل الأطراف إلى التصرُّف وفقاً لالتزامات جمهورية السُّودان بمُوجب هذه الاتّفاقات”.

كما تَمّ التّرحيب بتعيين المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة، لاستخدام مساعيه الحميدة مع الطرفين والدول المُجاورة، لاستكمال جُهود السَّلام الإقليمية، بما في ذلك جهود الاتحاد الأفريقي والإيقاد، ودعا جميع الأطراف إلى التعاون معه، تعزيزاً لمهامه.

مهامٌ قديمةٌ

وطالب مجلس الأمن، الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير مكتوب خلال (90) يوماً، ثُمّ إحاطة مجلس الأمن كل (120) يوماً بجُهُود الأمم المتحدة لدعم السودان في طريقه نحو السلام والاستقرار، وإبقاء هذا التقرير قَيد المُراجعة.
وأعرب مجلس الأمن، عن جزعه إزاء استمرار العُنف والوضع الإنساني في السودان، لا سيّما انتهاكات القانون الإنساني الدولي والانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويُسلِّط الضوء على التأثير الخطير على المدنيين، ودعا جميع أطراف النزاع إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، وتسهيل وصول المُساعدات الإنسانيّة من خلال الوفاء بالتزاماتهم في جدة، والسعي إلى حلٍّ تفاوضي للصِّـراع.

ترحيبٌ
ورحّب مجلس الأمن بالجهود الدبلوماسية التي تُبذل في إطار الإيقاد وقيادة الاتحاد الأفريقي، ورحّب بالالتزام الثابت للبلدان المجاورة بدعم المدنيين الذين فروا من السودان، داعياً المنظمات الدولية والإقليمية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة للاستجابة بسُـرعة للاحتياجات الإنسانية المُتزايدة في السودان وجيرانه، بما في ذلك الاحتياجات الإنسانية المُحَدّدَة في خُطة الاستجابة الإنسانية المنقحة للسودان، والخُطة الإقليمية للاستجابة للاجئين، ومواصلة تشجيع زيادة المساهمات في خُطط الاستجابة والجهات المانحة لضمان الوفاء بجميع التعهُّدات بالكامل وفي الوقت المُناسب.

من يهمّهم الأمر

ودعا مجلس الأمن، جميع أصحاب المصلحة إلى مواصلة العمل من أجل التوصُّل إلى تسوية سياسية شاملة ومستدامة، من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوداني إلى مستقبل سلمي ومستقر وديمقراطي ومزدهر، بما يتوافق تماماً مع مبادئ الملكية الوطنية، مضيفاً: “وإذ نُؤكِّد من جديد أنّ اتّفاق جوبا للسلام المُوقّع في 3 أكتوبر 2020 يظل ملزماً لجميع المُوقِّعين عليه، ولا سيما أحكامه المتعلقة بوقف دائم لإطلاق النار في دارفور”.

لصالح المواطن

في المُقابل، يرى وزير الخارجية الأسبق، السفير طه أيوب، أن قرار مجلس الأمن تبنته في الأساس، الدول المهتمة بالأوضاع في السودان، والمهتمة بمعاناة شعبه، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لكن كان الأفضل أن يجمد مجلس الأمن عمل البعثة في الوقت الراهن إلى أن تقف الحرب ويعود الأمن، ويتمكّن النازحون والفارون من العودة وبناء حياتهم مُجَدّدَاً.

 

نقل مهام

ولفت أيوب في حديثه لـ(السوداني)، لافتاً إلى ما يعتقد أنه أمرٌ جديرٌ بالملاحظة في مشروع القرار الذي أعدته بريطانيا وتبناه المجلس وهو أنّه يشير إلى بقاء مهام البعثة كما هي، ولكن يتم تنفيذها وتطويرها لدى منظمات الأمم المتحدة الأخرى المعنية بالتنمية والإغاثة وحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية الأخرى، وأضاف: “وهذا يعني بالضرورة أنّ يونيتامس (غائبة بروحها، باقية بجسدها) يرعاها ويقوم عليها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، تقديري أنّ أي تدهور بالأوضاع في البلاد قد يضطر المجلس إلى وضع السودان تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. الأمر الآخر الذي أثار الانتباه هو ما أشارت إليه ممثلة روسيا بطريقة خفية أن بلادها “توجس بعض الشكوك” من مشروع القرار دون أن تفصح عن ماهية هذه الشكوك، وفي رأيي ليس أمراً خطيراً وإلا لاستخدمت روسيا حق النقض لإفشال عملية الوصول إلى تبنيه”.

 

من أجل السُّودان

وبحسب أيوب، فإن الأمر المهم وراء موقف مجلس الأمن لإنهاء مهمة البعثة هو أنّ من صاغ المشروع وعرضه على الدول المختلفة، ركز على أهمية حل النزاع الدائر في السودان وفق مبادرة السلام بجدة وضرورة الالتزام بالدور المحوري للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، وهما الجهازان الذي ظل النظام في الخرطوم يتوجس منهما خيفة حقيقية.
ويضيف: ومن الجانب الآخر يلاحظ أن مقدم ومعد مشروع القرار ساوى بين القوتين المتحاربتين في السودان، وهذه رسالة لن تجد الترحيب من العسكريين.

شارك الخبر

Comments are closed.