وثائق حرب السودان (2).. حرب الصومال: عشرة دروس

واشنطن: محمد علي صالح

 

كانت الحلقة الأولى من هذه الوثائق المقتطفة البيانات المتناقضة التي أصدرها كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. خلال سبعة شهور، منذ بداية الحرب في شهر ابريل، حتى شهر نوفمبر.

وستتوالى هذه البيانات المتناقضة في حلقات قادمة.

 

توجد في هذه الحلقة مقتطفات من وثائق حرب الصومال، ليستفيد السودان من دروسها من ناحيتين:

1. حتى في الصومال، لم تتحارب قوتان وطنيتان كانتا حليفتين. تحارب جيش مع مليشيات قبلية، ودينية كثيرة. لهذا السبب، يمكن ان تطول حرب السودان. لكن، يمكن ان لا تطول (اتفاق طرفين اسهل من اتفاق أطراف كثيرة).

 

2. عن السودان، دعا “اعلان جيبوتى” (ديسمبر 2023) إلى عودة العسكريين (الجيش، والدعم) إلى ثكناتهم، وتأسيس حكومة مدنية، تعلو فوق العسكريين. وعن الصومال، صدر “إعلان جيبوتي” الأول (سنة 1991). وركز ، ايضا، على تأسيس حكومة مدنية، تعلو فوق العسكريين.

لكن، مرت 30 سنة تقريبا حتى تأسست حكومة مدنية قوية في الصومال.

 

لهذا، في السودان، ربما لن يتحقق “إعلان جيبوتي”  قريبا. لكن، أهم شئ هو الإيمان به، والتفاؤل بتحقيقه.

في هذه الحلقة مقتطفات من وثائق حرب الصومال:

— عشرون سنة تقريبا، حكم عسكرى بقيادة الجنرال سياد برى (منذ سنة 1969).

— عشرون سنة تقريبا، فوضى حركات ومليشيات مسلحة، بدون حكومة مركزية (منذ سنة 1992).

— عشرون سنة تقريبا، حكومة مركزية مدنية ضعيفة، وتدخلات عسكرية اجنبية (منذ سنة 2000).

— ثلاث سنوات (منذ سنة 2020)، حكومة مركزية قوية. لكن تظل حركة “الشباب” الإسلامية قوية في جنوب الصومال.

————–

“اعلان جيبوتى” عن السودان:

 

هذه أهم فقرة في “إعلان جيبوتى” عن السودان (9-12-2023):

“… التزمت قمة الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيقاد) بدعم عملية سياسية شاملة، بقيادة مدنية، لتحديد طبيعة وهيكل المجتمع السوداني، وطريقة حكمة، ونقل البلاد إلى حكم ديمقراطي مدني قوى…”

 

يمكن اعتبار “إعلان جيبوتي” تاريخيا لأكثر من سبب:

1. حسم الصراع التاريخى بين حكم المدنيين وحكم العسكريين، ربما في كل العالم.

2. جاء من دول أفريقية كبيرة، توجد فيها حرية وديمقراطية.

3. غابت الدول العربية، حيث لا توجد حرية وديمقراطية.

4. أثبت البيان بالعمل، وحدد الهدف في السودان، رغم تعقيدات كثيرة.

لكن، بسبب النقطة الأخيرة، يجب عدم التفاؤل كثيرا. لكن، يجب الإيمان بحكومة مدنية تعلو فوق العسكريين. إذا ليس غدا، بعد غد.

 

—————–

ماهى “ايقاد”؟

 

في سنة 1986، تأسست “ايقاد” (هيئة الحكومات للتنمية) في أديس أبابا. وهي امتداد لهيئة التصحر والتنمية (ايقادد) التي كانت تأسست هناك قبل ذلك بعشر سنوات.

في سنة 1996، انتقلت “ايقاد” إلى جيبوتي. وأعلنت اهدافها، ومنها: “تأسيس دول ديمقراطية، يحكمها القانون، وتنفذ حقوق الإنسان.”

 

هذه هى الدول الأعضاء في “ايقاد”:

جيبوتى، السودان، اثيوبيا، اريتريا، كينيا، يوغندا، الصومال.

 

كانت الصومال أول دولة تتدخل فيها “ايقادد”، ثم “ايقاد” (من جيبوتى). لكن، لم يكن التدخل ناجحا في مرات كثيرة.

 

لهذا، رغم الترحيب  ب “اعلان جيبوتي”، في بداية شهر ديسمبر، بالتدخل ضد العسكريين في السودان (جيش، ودعم سريع)، لابد من دراسة أسباب فشل كثير من “اعلانات جيبوتى” عن الصومال. بداية بأول “إعلان” (سنة 1991).

 

————

الدرس الأول: برى ونميري:

 

في ذلك الوقت، كانت الصومال تعيش حربا اهلية، بدأت بانقلاب عسكرى (سنة 1969)، قاده الفريق سياد برى، قائد الجيش. وصاحب مقتل الرئيس المدنى عبد الرشيد شيرماركى (الذي خلف الرئيس المدنى أدم عبد الله دعر، الذى حكم الصومال منذ استقلالها سنة 1960).

حكم اللواء برى الصومال عشرين سنة تقريبا.

من المفارقات ان حكم اللواء بري في الصومال صادف حكم المشير نميرى في السودان:

 

1. وقع انقلاب كل واحد سنة 1969.

2. انقلب كل واحد على حكومة مدنية ديمقراطية.

3. تعاون كل واحد مع الشيوعيين.

4. تحالف كل واحد مع روسيا (الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت).

5. اسس نميرى “الاتحاد الاشتراكى”، واسس برى “الحزب الاشتراكي الثوري.”

 

لكن، كان برى يساريا اكثر من نميرى. ثم ان نميرى اختلف مع الشيوعيين، واعدم زعيمهم عبد الخالق محجوب (سنة 1971). وابتعد عن روسيا، وصار صديقا لأمريكا.

 

في الجانب الآخر، واصل برى تحالفه مع روسيا. وعادى اثيوبيا التى كانت صديقة لأمريكا، وغزا منطقة أوغادين (كانت أرضا صومالية).

 

لكن، بسبب المساعدات الأمريكية لاثيوبيا، انهزم برى. وزاد حكمه الدكتاتوري التعسفي، وانتشرت الحروب بين القبائل والمنظمات.

 

في سنة 1992، سقط انقلاب عسكرى برى، بعد ان حكم الصومال 22 سنة. هرب إلى نيجيريا (وتوفي هناك)، بعد ان سرق 27 مليون دولار من البنك المركزي الصومالي. وترك وطنه في حرب أهلية طاحنة.

 

هكذا، صدر “إعلان جيبوتى” الأول (سنة 1991).

————-

 

الدرس الثانى: حرب الخرطوم وحرب مقديشو:

من المفارقات ان “إعلان جيبوتي” الأول جاء في ظروف تشبه ظروف اليوم في السودان. حيث كان جنرالان يتحاربان للاستيلاء على العاصمة مقديشو:

الأول، الجنرال محمد فرح عيديد. أختلف مع الرئيس برى، وقضى سنوات في السجن. ثم عفى برى عنه. ثم أسس حزب “التحالف الوطنى”. ثم اشترك في الانقلاب العسكري الذي عزل الرئيس برى.

 

الثانى، على مهدى محمد.  رجل أعمال، شكل قوات خاصة، وأسس حزب “المؤتمر المتحد”. وتحالف مع عيديد في الانقلاب الذي عزل الرئيس برى.

 

ربما مثل تحالف الفريق أول البرهان مع الفريق أول حميدتي. عزلا المشير البشير، ثم اختلفا. وأعلنا الحرب ضد بعضهما البعض.

 

وربما مثل الخرطوم اليوم، نشبت الحرب في شوارع مقديشو. وقتلت الناس، ودمرت المباني والمؤسسات. وهرب منها الدبلوماسيون ورجال الأعمال الأجانب.

 

رغم ان سكان الصومال ربع سكان السودان، من بين عشرة ملايين، لجا ثلاثة ملايين صومالي إلى دول مجاورة. وعانى مليونان من مجاعة رسمية. وقتل ربع مليون شخص (حتى ذلك الوقت).

 

هذه ما كتب مراسل صحيفة “واشنطن بوست” عندما زار مقديشو في ذلك الوقت (6-12-1992)، وكأنه يكتب عن الخرطوم اليوم:

“تأكد تاجر الأسلحة عثمان آتو، حليف أمير الحرب محمد فرح عيديد، من مسدسه في حزام وسط بطنه. وقال انه يعيش في حالة دفاع عن النفس، في فيلا راقية، خلف أسوار عالية، يحرسها رجال مسلحون..

أخذني إلى “المصنع”، بجوار الفيلا، حيث توجد عشرات من سيارات “تويوتا” و “لاندروفر”، وحيث يوجد عمال يقطعون سطح كل سيارة، ويضعون فيه مدفعا ثقيلا. يسمونها “تكنيكال”، وتجوب شوارع مقديشو، حيث يتصارع حليفه عيديد مع أمراء حرب من قبائل اخرى…

 

قال اتو ان “المصنع” أنتج أكثر من مائة سيارة “تكنيكال”. ويوجد في مقديشو أكثر من مائة من هذا النوع من المصانع…”

 

————

الدرس الثالث: التناقضات:

 

1. تناقض ان المرحلتين (وقف اطلاق النار، والوساطة) كانتا تتبادلان، احتاج وقف اطلاق النار إلى وساطة، واحتاجت الوساطة إلى وقف اطلاق النار.

 

2. تناقض ان القوات الدولية التى ارسلت إلى الصومال احتاجت إلى موافقة القوات المتحاربة، وبهذا فقدت مصداقيتها، ثم فعاليتها.

 

في سنة 1991، صدر “اعلان جيبوتي الأول” الذي دعا الى وقف اطلاق النار بين قوات الرجلين المتقاتلين: فرح عيديد وعلى محمد. والى وساطة بينهما. لكن، قاطع عيديد المؤتمر بحجة انه انحاز الى جانب على محمد ليكون رئيسا للجمهورية.

 

في سنة 1992، صدر “إعلان جيبوتى الثاني”. هذه المرة، تبنته منظمة الوحدة الأفريقية (الآن: الإتحاد الأفريقي). ثم تبناه مجلس الأمن، الذي أسس “عمليات الأمم المتحدة في الصومال” (يونوسوم).

 

هذه مقتطفات من قرار مجلس الأمن (رقم 751) في سنة 1992:

 

“يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة فورا استخدام 50 (500 في وقت لاحق) مراقبا دوليا، لمراقبة وقف إطلاق النار في مقديشو… والمحافظة على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، بهدف تشجيع المصالحة، والتسوية السياسية…”

 

—————

الدرس الرابع: حروب  شخصية:

 

فشلت الأمم المتحدة في حل الجزء الأول من مشكلة الصومال (وقف إطلاق النار)، ثم في حل الجزء الثاني (المصالحة السياسية)، لأسباب كثيرة، منها:

1. زاد القتال بين الجنرالين المتحاربين: عيديد (قائد التحالف الوطنى)، وعلى محمد (قائد المؤتمر المتحد). خاصة بعد ان عين الأول نفسه رئيسا للجمهورية. في وقت لاحق، عين عيديد نفسه رئيسا للجمهورية ايضا.

2. خرق الرجلان قرارات كثيرة لوقف اطلاق النار، حتى قبل وصول مراقبي الأمم المتحدة.

3. صار مراقبو الأمم المتحدة تحت رحمة الرجلين الذين، رغم الحرب بينهما، اتفقا ضمنيا على عرقلة مراقبي الأمم المتحدة.

 

4. نشبت حرب شخصية بين عيديد والمصرى بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة. كان عيديد اتهمه (وهو المسيحي) بمساعدة إثيوبيا (المسيحية) ضد الصومال (المسلم).

5. نشبت حرب شخصية بين بطرس غالي ومادلين اولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا. وطالبت أولبرايت استقالة غالي. وعندما جاء وقت تجديد الأمانة العامة لبطرس غالي، كانت أمريكا الدولة الوحيدة التي عارضت (استعملت حق الفيتو).

 

————–

الدرس الخامس: “أسماء ما انزل الله بها من سلطان”:

أوضح تغيير اسماء البعثات الدولية في السودان انها، في المدى البعيد، لم تكن متاكدة مما تفعل. وطبعاً، عرقلت حل المشكلة.

في السودان، حتى قبل حرب الخرطوم، تغيرت أسماء التدخلات الدولية في حرب دارفور، وحرب جنوب السودان:

 

1. “اميس” (بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان).

2. “يونميس” (بعثة الأمم المتحدة في السودان).

3. “يونيسفا” (القوة الأمنية الدولية المؤقتة لمنطقة أبيي)

3. “يوناميد” (العملية المختلطة للاتحاد الافريقي والامم المتحدة فى دارفور).

4.  “يونيتامس” (بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان).

 

لم تتغير فقط اسماء القوات العسكرية الدولية، بل لم تحقق النجاح المطلوب منها. ومرات كثيرة، اضطر مجلس الأمن إلى إلغاء هذه القوات الدولية، بعد ان كلفت أرواحاً كثيرة، وأموالاً كثيرة.

 

— مثلا: “يوناميد”، ألغاها مجلس الأمن بعد 13 سنة، وكانت بقوات وصلت إلى 15 الف جندي ومدني. وكلفت 200 مليون دولار سنويا.

 

— مثلا، “يونيتامس”، ألغاها مجلس الأمن بعد ثلاث سنوات، وكانت بقوة وصلت إلى 300 مدنيا، بتكلفة 30 مليون دولار سنويا تقريبا.

 

لا الأولى حققت السلام في دارفور. ولا الثانية حققت الديمقراطية في السودان.

 

————–

الدرس السادس: التدخل الأمريكى:

مثلما حدث في السودان، أوضح تغيير اسماء البعثات الدولية فى الصومال عدم التأكد مما تفعل. وطبعا، عرقل حل المشكلة:

1. “يونوسوم 1” (عملية الأمم المتحدة في الصومال، الأولى).

2. “يونيتاف” (فرقة العمل الموحدة).

3. “يونوسوم 2” (عملية الأمم المتحدة في الصومال، الثانية).

4. “بروفايد ريليف” (توفير الاغاثة) الامريكية

5. “رستور هوب” (إعادة الأمل) الأمريكية.

كان هذان الأخيران رمزا التدخل الأمريكى. ومرة اخرى، صاحبت التدخل تناقضات:

1. تناقض حصول الأمريكيين على ضمانات مسبقة من عيديد وعلى محمد. وفقد التدخل مصداقيته، وفعاليته.

2. تناقض توزيع المدنيين للمساعدات الانسانية. ثم ارسال قوات عسكرية لحماية المدنيين. ثم اصطدام القوات العسكرية مع قوات عيديد وعلي محمد.

 

هذه مقتطفات من خطاب الرئيس بوش الأب عن التدخل الانسانى (4-12-1992):

“هذا عمل من الله. لكن قدر الولايات المتحدة ان تتدخل لانقاذ الجوعى والمرضى والمحتاجين … أنا أعرف جيدا أن الولايات المتحدة وحدها لا تستطيع تصحيح أخطاء العالم. لكني أعرف، اولا، ان بعض مشاكل العالم لا يمكن حلها دون مشاركة أمريكية. واعرف، ثانيا، ان المساهمة الأمريكية ضرورية كحافز لمشاركات دول أخرى…”

لكن، سريعا، تحول التدخل الإنساني إلى تدخل عسكرى. وأرسلت الولايات المتحدة 25,000 جنديا (وأرسلت دول اخرى 10,000 جنديا).

 

—————-

الدرس السابع: الحل السلمي:

 

هذه مقتطفات من خطاب الرئيس كلينتون عندما أعلن الإنسحاب من الصومال (7-10-1993):

“منذ البداية، ما كان يجب حل مشاكل الصومال عسكريا، بل كان يجب ان يكون الحل سلميا. لحسن الحظ، تحمست دول مجاورة، مثل إثيوبيا واريتريا، للمساهمة في الجهود السلمية، اولا، لوقف إطلاق النار نهائيا. وثانيا، للتوسط بين الأطراف المتقاتلة … لقد امرت كبار المسئولين بدعم الحل السلمي. ولقد أمرت السفير بوب اوكلى بالسفر إلى المنطقة لدعم الحل السلمي…”

 

بالنسبة للسودان في الوقت الحاضر، لا يتوقع شخص ان تتدخل أمريكا، كما تدخلت في الصومال. لكن، منذ قبل الحرب، ركزت أمريكا على حكومة مدنية، تعلو فوق العسكريين. وبعد بداية الحرب، ركزت على الحل السلمي بفرعيه:

أولا، وقف إطلاق النار نهائيا.

ثانيا، التوسط بين الأطراف المتقاتلة.

——————-

 

الدرس الثامن: تعارك السياسيين:

منذ الانقلاب العسكري فى الصومال ضد الجنرال سياد برى (1992)، دخلت الصومال حربا اهلية استمرت اكثر من عشرين سنة.  ووضعت في قائمة “روغ ستيتز” (دول فوضوية).

لم تتوقف “اعلانات جيبوتى” عن التركيز على حكم المدنيين (لا حكم العسكريين).

 

لكن، عندما انتهى القتال بين القادة العسكريين، وجاء السياسيون المدنيون إلى الحكم، تعاركوا مع بعضهم البعض:

— سنة 2000، أجاز “اعلان جيبوتي” حكومة انتقالية برئاسة عبدى قاسم حسن.

— سنة 2004، أجاز “اعلان جيبوتي” حكومة انتقالية برئاسة عبد الله يوسف أحمد.

— سنة 2009، أجاز “اعلان جيبوتى” حكومة انتقالية برئاسة شريف شيخ أحمد.

— سنة 2012، أجاز “اعلان جيبوتي” دستورا، وحكومة فيدرالية مستقرة، ونتائج انتخابات برلمانية ورئاسية، فاز فيها حسن شيخ محمد.

— سنة 2017، أجاز “اعلان جيبوتي” حكومة فدرالية  برئاسة محمد عبد الله محمد.

— سنة 2022، أجاز “اعلان جيبوتى” حكومة فدرالية برئاسة حسن شيخ محمد، مرة أخرى.

 

—————

الدرس التاسع: الاسلاميون:

لم يشهد الصومال انقلابا عسكريا اسلاميا مثلما شهد السودان. لكن، مرتين، اسس صوماليون اسلاميون مليشيات للسيطرة على الحكم. وفشلوا.

 

هذه مقتطفات من كتاب “الصومال: انهيار دولة” لبروفسير كيدينيث منكاوس (2004):

“لان 99 في المائة من سكان الصومال مسلمون، استغل سياسيون اسلاميون الاسلام للوصول إلى الحكم. لكنهم لم ينجحوا، رغم مساعدات جاءتهم من الإسلاميين في السودان، ومن الشيعة في إيران…

 

“بدون تقليل من قيم الصوماليين الإسلامية، الإسلام هناك مثل “نصف حجاب”. تغطى الصوماليات اجسادهن باثواب براقة، بدون اخفاء وجوههن وشعورهن. وتعلو قوانين القبائل على قوانين الشريعة. ولا يخفى المثقفون ميولهم الغربية التاريخية (حكمت الصومال ثلاث دول غربية: بريطانيا، ايطاليا، فرنسا).”

 

لكن، أضاف الكتاب:

“زاد دور الإسلام في أربع حالات: ضد الدول الغربية التي استعمرت الصومال، بأنهم كفار. وضد الحكم شبه الشيوعى الذى أسسه الجنرال زياد برى، بأنه ملحد. وضد العلمانيين الصوماليين، بأنهم مقلدون للغرب. وضد إثيوبيا المجاورة بأنها مسيحية، وتحتل جزءا تاريخيا من الصومال (منطقة اوغادين)”.

 

لم يقدر الإسلاميون على التغلغل داخل جيش الصومال، وأسسوا مليشيات “مجاهدين”، احتلت العاصمة مقديشيو مرتين:

المليشيا الاسلامية الأولى:

توحدت المحاكم الشرعية فى الصومال تحت اسم “اتحاد المحاكم الإسلامية” (سنة 2000). ثم أسست مليشيا “مجاهدين”، تمركزوا في جنوب الصومال. ثم احتلوا العاصمة مقديشيو (سنة 2004).

 

في ذلك الوقت، كانت امريكا أعلنت الحرب ضد الإرهاب. وغزت أفغانستان والعراق. واستهدفت حكم الإسلاميين في مقديشيو. تحالفت ضدهم مع حكومة الصومال المدنية (الضعيفة)، ومليشيات صومالية، وقوات إثيوبية (50,000 جندي)، القوات الأمريكية الخاصة المنسقة مع وكالة الاستخبارات المركزية (سى آى ايه).

 

زحفوا كلهم نحو مقديشيو، واسقطوا حكم الإسلاميين فيها، وفي جنوب الصومال (سنة 2006).

 

المليشيا الإسلامية الثانية:

أسس الجيل الثاني من الإسلاميين “حركة الشباب المجاهدين” (سنة 2007). مثل الإسلاميين قبلهم، انطلقوا من جنوب الصومال. واعلنوا الحرب ضد امريكا، وضد قوات الاحتلال الاثيوبية، وضد حكومة الصومال المدنية (الضعيفة) المتحالفة معها.

 

واعلنوا تعاونهم مع منظمات “القاعدة”، و “بوكوحرام”، و “داعش.”

 

وأعلن البنتاغون حربا مباشرة ضد “الشباب”. وصارت طائرات امريكية تضربهم من قواعد امريكية في اثيوبيا، وفي كينيا. ومن داخل أمريكا، سافر شباب امريكيون صوماليون إلى الصومال  للانضمام إلى “الجهاد ضد أمريكا.”

 

—————–

الدرس العاشر: حكومة مدنية قوية:

مع استمرار الحرب في الصومال (وسط الصوماليين، وتدخل قوات أجنبية)، استمرت حلقات “إعلان جيبوتي” تركز على دعم الحكومات المدنية المتعاقبة (والمتعاركة)، خوفا من عودة حكم العسكريين.

 

في سنة 2007، مع انهيار حكم الإسلاميين فى مقديشو، وظهور منظمة “الشباب” الإسلامية، صدر “اعلان جيبوتي” السابع. ودعا إلى قوات أفريقية لدعم الحكومة المدنية (الضعيفة) فى مواجهة ميليشيا “الشباب”.

 

تبنى الإتحاد الأفريقي الإعلان. ثم تبناه مجلس الأمن. وتأسست “البعثة الأفريقية في الصومال” (اميصوم). تكونت من عشرة دول أفريقية. واستمرت 16 سنة، حتى هذه السنة.

 

رغم استمرار هجمات منظمة “الشباب” الإسلامية، نجحت قوات “اميصوم” في دعم الحكومة المدنية.

 

مؤخرا، بعد نصف قرن من الحروب الأهلية، والانقلابات العسكرية، والحكومات المدنية الضعيفة، جاءت اخبار سارة من الصومال:

 

1. أعلن مجلس الأمن ان القوات الأفريقية (ميصوم) ستسلم مهامها إلى حكومة الصومال المدنية، تدريجيا.

2. في انتخابات حرة ونزيهة، عاد حسن شيخ محمد رئيسا للجمهورية مرة ثانية (أستاذ جامعي، سياسي معتدل).

3. في الأسبوع الماضى، أعفى البنك الدولي وصندوق النقد العالمي ديون الصومال (خمسة بليون دولار).

واخيرا، درس الصومال الأهم للسودان هو التركيز على تأسيس حكومة مدنية، تعلو فوق العسكريين.

يجب ان يؤمن السودانيون بالحرية (وعلو المدنيين على العسكريين). يجب ان يكون هذا ايمانا مقدسا، بعد الإيمان بالله، واهب الحرية المقدس الأول.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.