الأشهر العِجَاف.. السودانيون وصفوف (الأواني) للحصول على الطعام

كتبت: محاسن أحمد عبد الله

المكان: عدد من مدن السودان وولايته المختلفة.. الزمان: الآن والحرب التي مازالت تدور على رؤوس الأبرياء الذين لم يبرحوا أماكنهم ومساكنهم غصباً عن إرادتهم.. المشهد؛ يدمي القلوب ويدمع العيون، منظر لم يألفه السودانيون لصفوف الأواني مثل (بستلة، حلة، جك، جردل …إلخ) في انتظار حظهم للحصول على وجبة غذائية قد لا تسمن ولا تُغني من جوع، بعد أن فرضت ميليشيا الدعم السريع الحصار على العديد من المدن والقرى وقامت بعمليات سلب ونهب واسعة لجميع الأسواق والأحياء ولم تترك حتى الطعام للمواطنين العزل في منازلهم.

 

صفوف الغذاء

مشاهد إنسانية مُحزنة ومؤثرة للغاية لم تدر في الخلد أو البال، ليصبح الأمر أقرب للخيال، بأن يحمل أحد أفراد الأسرة ماعونه ليضعه في الصف الطويل في انتظار دوره للحصول على نصيبه من الوجبة، بعد أن أصبحت المنازل خاوية على عروشها من الغذاء.

بعد أن كان يطلق على دولة السودان (سلة غذاء العالم) الآن يحمل مواطنوها (بستلة) بحثاً عن غذاء بسبب الحرب وفشل الموسم الزراعي.

 

إذلال الكرماء

المشاهد والصور لعدد من الأحياء بمنطقة أم درمان، والبعض الأخر من منطقة الوادي الأخضر بشرق النيل، جميعهم تضرروا من الحرب التي طالت قرى ومدن السودان جميعها وقضت على الأخضر واليابس وأذلت كرامة قوم كانوا أعزاء، يكرمون الضيف ويساندون المحتاج، الآن يبحثون عن جهات تقدم لهم الطعام.

بالرغم من أن السودان يمتلك أراضٍ زراعية كبيرة خصبة ومساحات شاسعة وثروة حيوانية ضخمة وجبالاً من الذهب، ومعادن تحت الأرض وآبار البترول، كان هدفاً لأطماع كثير من الدول، لما يمتلك وينتج من موارد كانت كافية للاكتفاء الذاتي والتصدير للخارج.

 

نزوح ومجاعة

تسببّت الحرب في إفقار الموسم الزراعي هذا العام بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع في حربها مع الجيش السوداني كثيراً من ولايات شرق وغرب وجنوب دارفور التي كان يمارس أهلها مهنة الزراعة، حرقت قراهم وقتلت الأهالي ونزح من سلم من شر تلك القوات، الأمر الذي تسبب في أزمة الغذاء، مما ضاعف من معاناة المواطنين في تلك الولايات، الذين أكدوا لـ(السوداني) أن الأمر أصبح أشبه بالمجاعة لانعدام المحاصيل والمواد الغذائية، خاصةً القرى البعيدة التي كانت تعتمد على المدن الكبيرة لعدم القدرة على الزراعة بسبب زعزعة الأمن وإحراق وسرقة المحاصيل، بجانب احتراق عدد من المتاجر الإجمالي وأن هناك منظمات دولية كانت تقدم لهم بعض المساعدات الغذائية، مؤكدين نزوح عدد كبير منهم إلى دولة تشاد ودول أخري حدودية – حسب قولهم.

 

 تضاعف المعاناة

في الخرطوم، شكا عددٌ من المواطنين بمنطقة شرق النيل (الوادي الأخضر) لـ(السوداني) عن معاناتهم مع الغذاء التي مازالت قائمة بقولهم: “هناك عدد من المنظمات وفاعلي الخير لم يقصروا بتوفير بعض المواد الغذائية، ولكن العدد كبير والحاجة أكبر، وكلما زاد أمد الحرب زادت معاناتنا، ومع شهر رمضان أصبحت حاجتنا أكبر للسكر والدقيق والزيت مع انعدام السلع من الأسواق بسبب نهب وحرق المخازن وشح المال”.

 

أزمة مستمرة

في الوقت الذي قال فيه عدد من المواطنين بأحياء مختلفة من مدينة أم درمان: “أزمتنا مع الغذاء مُستمرّة، أصبحنا ننتظر كل صباح في صفوف طويلة أخذ حصتنا من الغذاء من بعض الجهات الإنسانية أو فاعلي الخير.. كان هناك ما يُسمى بالتكايا في مناطق مختلفة تقدم الغذاء ولكن بسبب قطع الاتصالات في الفترة الماضية توقفت، نتمنى أن تعود مرة أخرى ولكن الأمنية الأكبر أن تتوقّف الحرب اللعينة التي أرهقتنا كمواطنين”.

 

منظمة “الفاو”

الجدير بالذكر أن منظمة “الفاو” كانت قد أصدرت الثلاثاء الماضي، تقريرها السنوي الذي يعمل على تقييم المحاصيل والإمدادات الغذائية في البلاد، فحص التقرير إنتاج الغذاء في العام المنصرم، وقيم الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء ولايات السودان والمكونة من (18) ولاية، وأوضحت نتائج التقرير الأضرار التي سببها النزاع للإنتاج الزراعي، ومن بينها أن أداء موسم إنتاج الحبوب الرئيسي للعام 2023 كان سيئاً للغاية بسبب تأثير الصراع، حيث انخفض بنسبة 46% عن محصول العام السابق. ووصف نائب مدير منظمة الأغذية الزراعية “الفاو” ماوريتسيو مارتينا، آفاق إنتاج الغذاء في العام 2024 بـ”القاتمة”.

 

خطر المجاعة

وقال نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للسودان، طوبى هارورد، اليوم، إنّ تقييم شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة أظهر وجود خطر المجاعة في أجزاء من غرب دارفور والخرطوم ومناطق في دارفور الكبرى التي تُوجد بها أعداد كبيرة من النازحين.

وأضاف المسؤول الأممي في حسابه على منصة اكس: “نتيجة لذلك التقييم، فإنّ هناك خطراً واضحاً من ارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية الحاد ومعدلات الوفيات ستعادل معايير المجاعة إذا منعت الأطراف المسلحة الأشخاص من الهجرة إلى مناطق أكثر أماناً بحثاً عن الغذاء والدخل”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.