(السوداني) تنشر بيان السودان في اجتماع مجلس الأمن حول الإحاطة ربع السنوية – لرئيس لجنة عقوبات دارفور

نيويورك: السوداني 

شكراً السيد الرئيس، وأود أن أبدأ بتقديم التهنئة لكم على رئاستكم لمجلس الأمن خلال شهر يونيو الحالي، ونعرب عن استعدادنا العمل معكم في كل ما من شأنه تيسير مهمتكم، وأشكركم على تقديم الإحاطة ربع السنوية حول عمل لجنة عقوبات دارفور.

السيد الرئيس، السيدات والسادة؛
في الأسبوع الماضي، تعرضت قرية ود النورة، وهي قرية زراعية هادئة في منطقة الجزيرة بوسط السودان، لهجوم وحشي وغير مبرر من قبل مليشيات الدعم السريع الإجرامية. هذه القرية التي يعيش سكانها على الزراعة والعمل الشريف، استُهدفت فجأة بهدف النهب والسلب والسرقة. وعندما حاول أهلها الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وكرامتهم، واجهوا رصاص الغدر والقسوة بلا رحمة. وكانت النتيجة مأساوية: 269 قتيلاً، من بينهم 53 طفلاً بريئاً، بالإضافة إلى عشرات المصابين والجرحى، معظمهم من النساء وكبار السن والأطفال.

إن هذا الهجوم البشع في ود النورة ليس حادثة معزولة، بل هو جزء من سلسلة متواصلة من الجرائم الممنهجة وواسعة النطاق التي ترتكبها هذه المليشيات في مناطق أخرى من الجزيرة. لقد شهدنا اعتداءات مشابهة في مناطق التكينة وفداسي والحرقة والمعيلق وغيرها، حيث تسعى هذه المليشيات إلى بث الرعب والفوضى بين السكان المدنيين الآمنين، زارعةً بذور الفتنة والانقسام.

أما في دارفور، فالوضع أكثر خطورة وتعقيداً. مدينة الفاشر، واحدة من أكبر مدن الإقليم، تواجه حالياً أخطار جسيمة وغير مسبوقة. المدينة تتعرض لحصار خانق وقصف مدفعي عنيف من المليشيا يستهدف المدنيين بشكل مباشر وبلا تمييز، مما ينذر بحدوث كارثة إنسانية. إن هذا الهجوم العنيف والمتعمد يعيد إلى الأذهان الفظائع التي ارتكبت في السابق في الجنينة وزالنجي ونيالا وغيرها من مدن وبلدات دارفور. نحن نشهد نمطاً من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، حيث يسعى المجرمون إلى تحويل الفاشر إلى مقبرة جماعية من خلال القصف المستمر، الدمار الواسع، والتجويع المتعمد عبر منع المساعدات الإنسانية الضرورية من غذاء ودواء. إن نمط استهداف المدنيين من قبل مليشيات الدعم السريع وارتكاب جرائم العنف الجنسي والاغتصاب كأحد أسلحة الحرب يعضد امتهان كرامة المرأة ويشكل تحدياً حقيقياً تتعين مواجهته بصرامة.

إن هذه الاعتداءات البشعة والمتواصلة ليست مجرد جرائم عادية، بل هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بكل ما تحمل الكلمة من توصيف قانوني. إن استمرار هذه الجرائم دون رادع يشكل تهديداً خطيراً ليس فقط للسودان، بل للأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها. لذا، فإننا نطالب مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات حازمة وواضحة لإدانة تصرفات مليشيات الدعم السريع وإرسال رسالة قوية لا لبس فيها مفادها أن المجتمع الدولي لن يتغاضى عن هذا العدوان المستمر على المدنيين، وأن مرتكبي هذه الجرائم البشعة سيواجهون العدالة وسيحاسبون على أفعالهم أمام المحاكم الوطنية والدولية. إن عنصر الإفلات من العقاب يجب محاصرته هذه المرة، لا سيما وأن السودان عمل على تطوير آليات من بينها تشكيل لجنة تُعنى بانتهاكات وجرائم حرب دارفور، وهذا يتكامل مع الدور المتوقع أن تلعبه المحكمة الجنائية الدولية عبر مبدأ التكامل القضائي، وما أعلنه مؤخراً مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في هذا الخصوص.

بالإضافة إلى ذلك، ندعو مجلس الأمن إلى تحديد ومحاسبة تلك الدول التي تدعم وتسلح هذه المليشيات الإجرامية. إن دعم بعض الدول لهذه المليشيات يسهم بشكل مباشر في استمرار العنف والدمار في السودان. ونحن نخص بالذكر الراعي الرسمي والإقليمي للمليشيا الإجرامية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يؤدي دعمها وإمداداتها من الأسلحة إلى تفاقم معاناة وبؤس المدنيين المستهدفين في السودان.

إن استمرار هذا الدعم الإماراتي السالب يطيل أمد النزاع ويزيد من حدة الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين الأبرياء، فضلاً عن انه يشكّل احتقاراً فاضحاً لقرارات مجلسكم الموقر التي نجتمع اليوم بسببها، إذ ليس ثمة ما يدعو للإبقاء على عقوبات دارفور إذا لم تشمل الدول الضالعة في انتهاك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهي على وجه الخصوص الإمارات وتشاد. بالأمس فقط، كشف معمل الدراسات الانسانية بجامعة ييل، عبر صور للأقمار الصناعية تم التقاطها اول أمس (١١ يونيو ٢٠٢٤)، عن تحليق طائرة شحن من طراز (IL-76) فوق مناطق وجود مليشيا الدعم السريع جنوب شرقي الفاشر، وهي كما تعلمون منطقة عمليات عسكرية نشطة منذ العاشر من مايو الماضي. لقد تم رصد تحليق الطائرة عدة مرات، ويُرجّح انها إحدى الطائرات الطائرة التي تستخدمها الامارات لإيصال الأسلحة والعتاد العسكري للمليشيا.

إن ‏الامارات، أيها السيدات والسادة، ليست مجرد دولة داعمة وراعية لحرب المليشيا في السودان، بل هي شريك مباشر في الحرب وفي الاجرام والانتهاكات التي ترتكب ضد المدنيين في السودان.

السيد الرئيس،،،
نطلب من مجلس الأمن مراعاة الديناميات المتبدلة في إقليم دارفور، فالقرار 1591 والقرارات اللاحقة هي أحد أهم مسببات الإخلال بحفظ الأمن وحماية المدنيين في دارفور لأنه يحرم القوات المسلحة من نقل المعدات والأسلحة إلى الإقليم منذ 2004م، كما أن انتهاك بعض الدول والرعاة المساندين للدعم السريع لتلك القرارات مكّن المليشيات من ضرب الأمن والنظام في دارفور. إن الإقليم أصبح معبراً خطراً لمرور المرتزقة والمقاتلين من الساحل، مما ينذر ببروز نمط جديد من الإرهاب المتعدّي، وهذا يجعل تصنيف المليشيات الإجرامية بالإرهاب العابر للحدود مطلباً يدعم حفظ الأمن والسلم الدوليين.

إن غض الطرف عن الأبعاد الجديدة للنزاع، السيد الرئيس، لن يمكّن من صنع السلام المستدام في السودان، نظراً لاستمرار عوامل استدراج الإقليم إلى الدخول في مرحلة فوضى هدامة توفر للإرهابيين وجحافل المرتزقة سرقة الموارد الطبيعية والمعادن النفسية بدلاً من تسخيرها لرفاه المواطنين في دارفور خاصةً والسودان أجمع.

فيما يتعلق بمضامين ومحتويات القرار الذي اعتمده مجلسكم الموقر اليوم، أودُّ أن أؤكد على النقاط الثلاث التالي:
أولاً: ما من شك في أن هذه الحرب واقعاً إنسانياً معقداً، حيث عمدت مليشيا الدعم السريع إلى الاستهداف المنهجي وواسع النطاق للسكان المدنيين واستهداف أساليب حياتهم وكرامتهم وأمنهم واستقرارهم وسبل كسب عيشهم. ونتيجة لذلك، أصبحت هناك حاجة إنسانية نعمل على التخفيف منها بالتعاون مع شركاء العمل الإنساني المحليين، الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. وفي هذا الصدد، قامت حكومة بلادي بفتح العديد من معابر إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وعبر خطوط القتال. نحن ملتزمون بالعمل البنّاء مع شركاء العمل من أجل تسهيل وصول المساعدات بما يتوافق مع موجهاتنا الوطنية حول العمل الإنساني ومبادئ العمل الإنساني التوجيهية التي حددتها قرارات الجمعية العامة ذات الصلة. نحن نعتقد أن السودان والأمم المتحدة يشتركان في هدف واحد سنعمل من أجله بروح بناءة وإيجابية تسهّل انسياب المساعدات وتضمن للعاملين في الحقل الإنساني سهولة الوصول للبلاد والتحرك لإيصال المساعدات. ولعله من المهم الإشارة إلى أن نقل الإغاثة من مدينة بورتسودان إلى بقية مناطق السودان أقل تكلفة بثلاث مرات من نقلها عبر دول الجوار، كما أن تقديراتنا تشير إلى أن كمية الغذاء الموجودة في السودان كافية لتغطية حاجة المواطنين. لذا، نرى أنه من الأفضل أن تشتري الأمم المتحدة الاحتياجات من السوق المحلي لتقليل التكلفة والمساهمة في دعم المزارعين بطريقة غير مباشرة في ظل التحديات الحالية.
إن التزاماتنا الداخلية بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين يجب أن تترافق مع وفاء العاملين بتعهداتهم الإنسانية. يقلقنا أن مستوى الوفاء بتلك التعهدات يقل كثيراً عن المأمول في الوقت الراهن، وبسبب ذلك لم تصل المساعدات إلى بعض المحتاجين داخل السودان، كما أن بعض اللاجئين السودانيين في دول الجوار لا يتلقون الحصص المقررة. ونغتنم هذه الفرصة لتقديم شكرنا للدول التي ساهمت في تمويل العمل الإنساني للسودان.

ثانياً: إن حماية مواطنينا أثناء هذا النزاع المسلح لا تقتصر على تقديم الدعم الإنساني فحسب، بل لابد من تجنيبهم مخاطر الآثار الجانبية للقتال على المدنيين. في هذا الصدد، نؤكد أن السودان ملتزم بواجبه في حماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي الإنساني ومبادئه والقانون الدولي لحقوق الإنسان. تعمل قواتنا المسلحة وفق قواعد للاشتباك تضع في أولوياتها حماية المدنيين والأعيان والمنشآت المدنية والبنى التحتية في ظل حرب مدن لا تخلو من التعقيد. وقد دأبت قواتنا المسلحة السودانية على إصدار تنبيهات عبر وسائل الإعلام ومنصاته المتنوعة تحث من خلالها المواطنين على عدم التواجد في نطاق الأهداف العسكرية المشروعة، وذلك ضمن تدابير أخرى متواصلة نستهدف بها المزيد من تقليل الضرر على المدنيين والأعيان المدنية. نشير هنا إلى أن مليشيا الدعم السريع المتمردة، وضمن خططها الدعائية، تروّج لمزاعم باستهداف الطيران الحربي للمدنيين والبنية التحتية، وذلك لحرف الأنظار عن جرائمها المروعة التي شهدت بها تقارير الجهات المحلية والدولية عالية الموثوقية. وقد أثبتت تحقيقاتنا في الكثير من الحالات أن المليشيا تعمد إلى قصف المناطق المدنيّة بالتزامن مع الطلعات الجوية للقوات المسلحة السودانية لإعطاء الانطباع بأن القصف ناجم عن تلك الطلعات.

ثالثاً: بينما ظلت حكومة بلادي ملتزمة بالتعهدات الواردة في إعلان جدة المؤرخ في 11 مايو 2023م، فإن مليشيا الدعم السريع لم تتجاهله فقط بل اتخذت الهدن الإنسانية التي توصلنا إليها في جدة لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية الإجرامية. تتمسك الحكومة السودانية بما التزمت به في جدة شريطة تقيد الطرف الآخر بتلك الالتزامات نصاً وروحاً. كما أننا مستعدون للمشاركة بإيجابية في منبر جدة حال قرر المسهلان استئنافه، إذ أن غايتنا هي الوصول إلى سلام عادل يحفظ كيان الدولة السودانية ومؤسساتها الدستورية ويضمن لمواطنينا الكرامة والحرية والسلام.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.