جهاز الأمن والمخابرات

عبد الرحمن أبو القاسم محمد

منذ الأربعينات من القرن الماضي، أَُنشأ جسم أُطلق عليه (البوليس السِّرِّي) واستمر بهذا الاسم حتى بعد الاستقلال.
وشهد البوليس السري تَطوُّراً كبيراً في فترة حكم الفريق إبراهيم عبود, وجهوده لم تكن تتعدّى مُحاولاته في الحفاظ علي أمن البلاد من أيِّ محاولة لزعزعته.
إبان قيام سلطة مايو، تمّ إنشاء أول جهاز للأمن القومي بإمكانات وإدارات توسّعت قليلاً عن ما كانت عليه، ليمضي جهاز الأمن القومي في فترة حكومة مايو ليشهد مزيداً من التطوُّر في جوانب الأمن الداخلي والخارجي معاً (جهاز أمن الدولة).
ثُمّ جاءت انتفاضة أبريل التي أطاحت بالرئيس النميري وكانت الدعوة لتصفية جهاز أمن الدولة، حيث كانت تلك الخطوة من أكبر أخطاء الانتفاضة, لأنّ جهاز أمن الدولة السُّوداني في ذلك الوقت شَهِدَ تطوُّراً كبيراً جعل منه أحد أقوى الأجهزة الأمنية في المنطقة، هذا فَضْلاً عن الملفات التي كان مُمسكاً بها وكان مُستودعاً للأسرار.
وهَكَذا تَوالَت الأحداث، وأكثر الفترات التي شَهِدَت صراعاً داخلياً ونشاطاً استخباراتياً عالمياً وإقليمياً في بداية التسعينيات.
بعد توقيع اتفاقية السلام (نيفاشا) في العام 2005م، أصبح جهاز الأمن تحت مُسمّى (جهاز الأمن والمخابرات الوطني). هذه اللمحة لتوضيح أهمية جهاز الأمن كمُؤسّسة من مُؤسّسات الدولة مثله مثل الشرطة والقُوّات المُسلّحة.
كفاءة وفاعلية الأجهزة الأمنية تُقاس بقُوة المعلومة وبمدى حُصُولها على المعلومة وتَحليلها واتّخاذ ما يلزم من قراراتٍ ودعم القرارات الرشيدة للدولة والأمن الوقائي. المهام المعلوماتية تتكوّن من ثالوث متمثل في جمع وتحليل المعلومة وتشغيلها, فهذه المهام الثلاث لا تنفصل عن بعضها وتحتاج إلى خبرات ومهارات، وبعض السمات الشخصية التي يكتسبها البعض من المُمارسة في ظل توجُّه رسالي.
إبان الهبة الديسمبرية وقبلها، نجد أنّ جهاز الأمن والمخابرات رغم مهامه الكثيرة، ولكن التّصرُّف غير الرشيد في قمع التظاهرات والاعتقالات العشوائية (التي طَالَت كَاتب هذه السُّطور رغم دَعوتنا للإصـلاح) والصّلاحيات الواسعة, ألهبت مَشاعر الثُّوّار وتَحَوّل الجهاز إلى عدوٍّ لهم لأنّه كان يُدافع بكل ما أُوتي من قُوة عن النظام المخلوع ورموزه وما زاد الطين بلّه، دخول ما يُعرف بالأمن الشعبي التابع للنظام المخلوع كطرفٍ في قمع المُتظاهرين تحت رعاية جهاز الأمن، وتحت مسمع ونظر القوات النظامية الأخرى والمؤسسات القانونية. فهذا السيناريو هو ما جعل البعض يُطالبون بحل الجهاز بعد أن تصرّف بعض منسوبيه بقساوة مُفرطة مع الثُّوّار مِمّا جعله في مرمى النيران (ربما كانت فتوى قتل الثلث حاضرة).
من التجربة السَّابقة التي أدخلت جهاز الأمن في نَفقٍ مُحرجٍ, ينبغي أن يهيكل جهاز الأمن والمُخابرات، ولا سيما أنّ الشرطة معنية بالأمن الداخلي، والقوات المسلحة معنية بالدفاع عن البلد من أيِّ مخاطر خارجية، وهيئة الاستخبارات والاستطلاع العسكري تقوم بالمهام الاستخباراتية والمعلومات الحربية. أما دور جهاز الأمن ضروريٌّ ومُهمٌ في المعلومات وتحليلها ودعم القرارات الرشيدة والتّنسيق الفَعّال بين المُؤسّسات الشرطية والقانونية والاقتصادية, ولذلك ينبغي أن تتم هيكلة الجهاز وفق المهام المُوكلة إليه وخروجه وخروج منسوبيه من أي مُحاباة لحزب سياسي، ويكونوا على مَسافةٍ وَاحدةٍ من كل القوى السياسية, هذا فَضْلاً عن خروج جهاز الأمن والمخابرات من أي عملية استثمارية واقتصاديات الحجم الكبير، وأن تكون وزارة المالية هي الرقيبة على كل استثمار أو شراكة استثمارية بين القطاعيْن العام والخاص, ويتفرّغ الجهاز لمهامه في دعم وصناعة القرارات عبر المعلومات.
فيما يتعلّق بتجاوزات منسوبي جهاز الأمن، ينبغي أن يُحاسب كل من ارتكب جُرماً على جريرته ولا أحدٌ فوق القانون, مع إعادة دمج بعض منسوبي الجهاز في الشُّرطة والقوات المُسلحة حسب الهيكلة والوصف الوظيفي والمواصفات الوظيفية والأنشطة والمهام.. ولا بُدّ من النظر في قانون جهاز الأمن وصلاحياته وتطهيره من أيِّ أيديولوجية غير الوطنية والقومية.
كسرة:
أين كانت معلومات جهاز الأمن والمخابرات وإجراءاته فيما يتعلّق بفساد النظام المخلوع والمال المنهوب والمال المُجنّب والمُضاربة في الدولار ونشاط الشركات الحكومية..؟!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.