المتحدث باسم تجمع المهنيين محمد يوسف أحمد المصطفى لـ(السوداني):

لا أرى خطراً حيال الثورة إذا كانت قوى التغيير موحدة ومتماسكة

 

 

الخرطوم: عمرو شعبان

تجمع المهنيين السودانيين كلمة سر الثورة السودانية وأيقونة قوى إعلان الحرية والتغيير.. ينظر له الكثيرون باعتباره الساحر الذي استطاع تطويع حركة الملايين لصالح الحرية والانعتاق وصولا لنجاح ثورة ديسمبر المجيدة. العديد من التحديات تواجه الثورة والكثير من المواقف تعكس استفهامات مطالب في الإجابة عنها. (السوداني) التقت القيادي والمتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين د.محمد يوسف أحمد المصطفى.

 

• ما هي احتياطاتكم إزاء تلكؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة للمدنيين وتزايد المخاطر والمهددات؟
الاحتياطات الموجودة بالأصل والحاضرة دائما أن تظل هي وحدة قوى الانتفاضة والالتفاف حول البرنامج المعلن وهو إعلان الحرية والتغيير، ورفع درجة التمسك بمفرداته التي وافقت عليها كل القوى والمنظمات المجتمعية والشعبية والسياسية السودانية، واتفقت على أنه المخرج للسودان من المأزق الموجود حاليا جراء تطاول زمن الإنقاذ.
• وكيف يمكن الانعتاق من تأثيرات هذا التطاول؟
بالانتقال من حكم عسكري ديكتاتوري أُحادي متوحش إلى نظام سياسي ديمقراطي مدني متحضر، يحل مشكلات البلاد المعروفة اقتصاديا، وخلق نظام سياسي مستقر ومستدام، وحل مشكلة هوية للسودان، فضلا عن علاقتنا مع دول العالم والمجتمع الدولي.
هذه المشكلات متفق عليها وتحتاج إلى الاتفاق حول حلول عملية نحن في تجمع المهنيين ما نزال متمسكين بإعلان الحرية والتغيير بمعية القوى السياسية، ليتم حل هذه المشكلات عبر الكفاءات والعناصر المتميزة.
• وما هي صفات العناصر التي تتحدثون عنها وتصفونها بالكفاءة؟
العناصر التي تتميز بالاستقلالية كشخصيات مستقلة بذاتها، وهذا لا يعني أنها بلا ميول سياسية، بل لهم القدرة على إنتاج رأي وموقف مستقل، ولهم كفاءة عالية في أي ملف من الملفات الموكولة لهم، ولديهم قدرة ومرونة، وعرفوا بالنزاهة، وألا يشوه تاريخهم أي انزلاق، ويتحلون بالموضوعية، أي لا تدخل العاطفة والانحياز القبلي في رؤاهم لجهة معينة أو مصلحة اجتماعية معينة أو منظومة فكرية، أي أنهم متجردون مما يفقدهم الموضوعية.. هذا ما سيخرجنا من الأزمة، فالشعب حاليا أصبح موحدا خلف برنامج قوى إعلان الحرية والتغيير ولا يرى بديلا له.
• وماذا عن المخاطر التي تحيط بإنفاذ هذا البرنامج؟
لا أرى خطرا جديا حيال الثورة والانتفاضة إذا كانت هذه القوى مستطيعة وقادرة وموحدة ومتماسكة. لا يوجد أي خطر.
• تمسك المجلس العسكري بعدم تسليم السلطة للمدنيين، هل هو نابع من قيود الدولة العميقة حوله أم بفعل النظرة الكلاسيكية الوصائية للعسكريين تجاه المدنيين؟
التلكؤ أو المماطلة من جانب المجلس العسكري قد يكون سببه الثقل والنفوذ للدولة الموازية لا العميقة.
• ماذا تقصد بالدولة الموازية؟
نعم دولة موازية، تلك التي بناها الإنقاذيون، فهم دمروا الدولة العادية لذا لم يكن لديها عمق، أي أن الدولة العميقة تتأسس على دولة موجودة ودولة أخرى بـ(تحت) تعمل أيضا، فهم حطموا الدولة وأنتجوا دولة موازية لا علاقة لها بالدولة التي نعرفها. بالتالي المجلس يعلم أنه لا توجد دولة يستند عليها أو خدمة مدنية أو شرطة أو أمن يستند عليه، بل دولة موازية وهذا ربما سبب تأني المجلس في اتخاذ قرار تسليم السلطة للمدنيين.
• وكيف يمكن معالجة ذلك؟
هذا الموضوع يُعالج بأن يستند المجلس على الشعب والشرعية الثورية التي جعلته حاكما الآن، وأن يضرب الدولة الموازية ويصفيها مما يجعل الأشياء سهلة. لكننا لا نرى مجهودات فعلية وجادة في تصفية الدولة الموازية، فما يزال الأمن الشعبي والدفاع الشعبي والإلزامية والمعتمدون موجودين كدولة موازية، بالإضافة إلى الشركات الحكومية غير الخاضعة للدولة ووزارة المالية ومستمرة في العمل.
إن عدم اتخاذ قرارات واضحة في إيقاف هذه المؤسسات تجعل أي شخص في موقع سلطة لا يستطيع العمل بسبب توفر المعلومات عند الأجهزة الأكثر كفاءة في الدولة الموازية، وليست الدولة العادية التي أضحت كسيحة وهياكل بلا جدوى.
• قلت إن واحدا من أسباب عدم تسليم المجلس للسلطة هو الدولة الموازية؟
بالإضافة إلى الاستثمار في الدولة الموازية وسدنة الأنظمة الديكتاتورية العسكرية، ورؤيتهم بأن آراء (الملكية) مختلفة ومتعددة وغير منضبطين ويمكنهم تغيير آرائهم ولا يطيعون الكبار، بعكس المؤسسة العسكرية رأيها موحد ولا يوجد شخص يمكنه الاختلاف مع قائده، ويرون أن ذلك أقصر وأضمن الطرق لتنفيذ الأفكار بخلاف المدنيين.
• وهل الاختلاف محمدة؟
نحن نرى أن للجميع الحق في الاختلاف وتغيير الآراء، وأن هذه الطريقة تبني الأمم.. نحن جربنا لأكثر من 50 عاما الحكم العسكري والعمل بأسلوبه وعقليته، صحيح ربما له أجندة قوى سياسية أخرى لكنه يريد تنفيذ أجندته بالطريقة العسكرية التي لم تورثنا سوى المآسي والفشل والدمار، فالثلاث تجارب العسكرية لم تكن مشرفة وقادت لتدمير البلاد والجيش نفسه، باعتبار أن القوات المسلحة أكثر خسارة بقيام حكم عسكري باسمها، لذا نحن نمانع ونرفض هيمنة القوى العسكرية على نظام الحكم وتجربتنا مريرة، على عكس تجارب الحكم المدني في بلدان عديدة توضح قصص نجاح للحكم المدني الديمقراطي في رواندا سنغافورة ماليزيا، بالتالي أي مكان فيه حكم عسكري لا يوجد نجاح.
• أشرت إلى الدولة الموازية، هل لكم التصدي لمخاطرها؟
عندما أتحدث عن الدولة المدنية أضع في حسباني أن الجيش له دوره المقدس ومكانته المحترمة في هذه الدولة المدنية بحمايتها، فالإنقاذ عمدت ببرامج محددة إلى إضعاف قدرة الجيش إلى أقصى درجة ممكنة، حتى لا يتصدى للدولة الموازية، بالتالي من مصلحتي وجود جيش قوي ومدرب ولديه قدرات مهنية عالية جدا لتأدية دوره المقدس في حماية البلاد والعباد. في إدارة بلدهم بالطريقة التي يريدونها وبالحكومة التي يختارونها أي حماية خيارات الشعب.. إذا كان الجيش التفت إلى القيام بدروه في حماية البلد والتجربة المدنية لن يكون هناك خوف من الدولة الموازية. لكن إذا لم يتفرغ وانشغل بالسياسة، حقيقة سأكون خائفا على البلاد.
• ماذا عن النقابات، إذ تغيب أدبيات التجمع في هذا السياق؟
العمل في النقابات لدينا فيه تجربة كبيرة منذ الأربعينيات، وعبر المراحل للعمل المعارض الجميع كانوا يبنون قدرات العمل النقابي والشعبي عموما لتمكين السودانيين من إدارة شؤون أنفسهم. فالدخول في مرحلة الـ120 يوما الحالية لم يأت فجأة أو عمل يوم واحد، وإنما تراكم خبرات تنظيمية وسياسية وفكرية، أدت إلى قيادة وتنفيذ ومواجهة ترسانة ضخمة من الكبت والقمع وانتصر عليها، بالتالي العمل الذي يؤهل الشعب لإدارة شؤون نفسه بواسطة عناصر شعبية ليس بالبندقية أو (الرجالة) موجود، بدليل معركة الاحتجاجات التي واجهت قوة متوفر لها كل أدوات قمع الدولة وأموالها، ورغم ذلك انتصرنا عليهم لذا لا خوف.
• الثورة تعني إحداث نقلة وتغيير على مستوى المفاهيم والقيم، فهل استطاعت الثورة السودانية تحقيق ذلك؟
هذا واضح جدا، فالجميع من ناحية مفاهيمية وقيمية حدثت لهم نقلة مدهشة، فالذهنية التي كانت سائدة واستثمرتها الإنقاذ هي التفكير العنصري والتمييزي بين مكونات الشعب السوداني، حيث كنا ننظر لبعضنا البعض كأعداء ومن منظور عنصري. اليوم حدث تحول كبير وسط الشباب ووقطاعات واسعة بفعل العمل الثوري، فالجميع ينظر لبعضه باحترام وقبول، وكشركاء.. وانحسرت العنصرية رغم ما استثمرته الإنقاذ في تغذية العنصرية والقبلية التي تفككت الآن وأصبح الناس يتحدثون عن مفتاهيم جديدة (يا عنصري ومغرور وكلنا دارفور)، وكذلك عندما يأتي الحديث عن النوبة فالناس كلها نوبة. قبل ذلك كان من السهل أن تتسوق أفكار أن هؤلاء غرابة أو غيرهم أو تخويف الناس منهم، كل ذلك لم يعد يلتفت إليه أحد، هناك نوع من المفاهيم والمساواة والهم المشترك لبناء السودان لنعيش فيه.
• والقيم؟
على مستوى المنظومة القيمية، استطاعت الثورة أن تفجر قيما جديدة لم تكن موجودة خلال الـ30 عاما، فقيم الإنقاذ هي شح النفس والخلاص الذاتي، والأنانية والنهب والسلب والاختلاسات. ففشلوا في أول سنة في مشروعهم المشترك المسمى المشروع الحضاري، فاستعاضوا عنه بأن يعمل كل واحد منهم مشروعه الخاص، فكان ذلك مصدر القيم وهو ما حاولت الإنقاذ أن تمكن له.
هنا في ساحة الاعتصام تجد المغاير تماما لهذه المنظومة القيمية، فظهر معدن الشخصية السودانية وروعتها، فلم يعد أحد يقول (نفسي نفسي). وثبت أن الشعب السوداني قيمه راسخة في هزيمة جديدة للنظام.
• لماذا لا يوجد خطاب مركزي موحد تجاه تيارات الإسلام السياسي؟
الجهود الفكرية والسياسية التي بذلت في مواجهة الإسلام السياسي في السودان ليست بسيطة كتب وآلاف الورق ومئات الورش لتشريح فكر حركات الإسلام السياسي وفضحها وتعريتها. نحن نتحدث حاليا عن كيفية التعامل معه، فالشعب وقع على تاريخ وفاتهم وليس لديهم معنا وجه. ولو كان الأمر بيدنا لعقدنا الانتخابات الشهر القادم لأن الإسلام السياسي في محنة ولن يجد صوتا واحدا، نحن نريد أن نمنحهم فرصة لإعادة التأهيل خلال الأربع سنوات، فالشعب يتهمهم كلهم بأنهم حرامية وقاتلون بالفيهم والما فيهم.. لذا نطالب بعدم أخذ أحد بجريرة آخر، وإذا لم تثبت التهمة يجب أن لا يحاكم بالإعلام أو التظاهر، ويجب أن نثبت أنه حرامي أو قاتل.. إذا استوعبوا ذلك سيكون ذلك في صالحهم. فالسيئ سيظهر بمحكمة والبريء سيظهر ومن ثم يأتون للمشاركة في العملية السياسية في السودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.