نيالا بين العنف المتصاعد وعجز الوالي

أميمة عبد الله

هل من يبحثون عن الحقيقة يستطيعون إيجادها؟.. هل من يبحثون عن العدل الأرضي يستطيعون تحقيقه؟ على الأرجح لا، الحقيقة ستظل تائهة بين الأقوال وأفعال الخفاء وسوء النوايا وأهواء الدنيا وخبث النفوس.
وعاد للإقليم جرحه القديم، ها هي نيالا تعود لأصوات الرصاص من جديد وسقوط الضحايا.
ما حدث من اعتصام وانضمام محتجي معسكر عطاش ومواجهات مباشرة أدى إلى انفضاضها بالقوة ووقوع خسائر كبيرة في السوق العام، يعتبر حدثا مؤسفا لكنه متوقعا فمعسكر عطاش به حوالي سبعة عشر ألف نازح ويبعد عن المدينة ثلاثة كيلومترات ويشتكي من سوء الأوضاع كما حال كل المعسكرات هناك، إذا من المؤكد ستكون الاحتجاجات مختلفة وربما أكثر عنفا لذلك لا يمكن أن يكون المقابل أيضا من جانب الشرطة العنف والقوة والرصاص.
ذات الأسباب التي أخرجت كل مدن السودان أخرجت مدينة نيالا بيد أن لهذه المدينة وضع مختلف فهي على مدى كل السنوات المضت لم تخلُ شوارعها من الوجود العسكري الكثيف، في كل احتفالاتها ومهرجاناتها كان للدبابة وجود وتلك الحقيقة كانت تنافي تصريحات الاستقرار والسلام.
لقد تحدثنا هنا كثيرا عن سلام دارفور وعن المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت ومن دخل ومن خرج من الكيانات المسلحة ومكتب سلام دارفور وجوالاته قليلة الثمر وعدم ثقة الكثيرين في جديته.
وقلنا إن السلام في دارفور هش كما بسكويت الشاي وأنه سلام بلا طعم ومحروس بالبندقية وتمشيط قوات الدعم السريع وإرهابها المستمر للمواطنين، مدينة مثقلة بالهموم والغلاء المعيشي ومئات من الأطفال بلا أسر وعمالتهم في الأسواق وسط ظروف طاحنة مقابل اعمارهم الصغيرة، نقص في كل شيء: وقود ودقيق وكهرباء، ضعف في خدمات المستشفيات وبيع الماء بالبراميل وسوء إدارة لإيراداتها الكبيرة، مدينة نيالا من أكثر المدن حظا في المعاملات التجارية وتحصيل حكومتها مثال لذلك كل جوال يدخل عن طريق القطر مقابله يُدفع للحكومة جنيه ومئات الجوالات تدخل المدينة يوميا.
لا تنمية ولا عدالة ولا رأب لما أصابها من صدع ولا حتى معالجات اجتماعية، قرى كل أحلامها ومطالبها أن يكون ثمن جركانة الماء جنيه بدلا عن خمسة جنيهات وثلاجة لأمصال العقارب والثعابين وتوفير غرفة ولادة وداية مؤهلة.
مدينة بها إحدى وعشرون محلية ومعسكرات تحيط بها إحاطة الثوار بالمعصم، معسكرات يبتلعها الظلام ليلا وصراع العيش صباحا والناس تتكاثر وسط كل ذلك البؤس دون أي خدمات أو حياة.
معسكرات بسور من شوك وسقف من جوالات، لذلك كانت ثورتها مختلفة فالغبن المتراكم من ظلم حكامها على مدى سنوات سيخرج حارقاً عنيفا ولهم كامل الحق فالمدينة منهكة مستفرة المشاعر بالفتن والصراعات السياسية وضياع حق مواطنيها.

المصالحات التي يتحدثون عنها لا يمكن أن تحدث إن لم نعترف بالجريمة في حق من هجروا من قراهم قسرا وضاعت أراضيهم ومن كان السبب في ذلك، قطعا غير معفية الكيانات المسلحة ولا حكومة النظام السابق.
ثم الحكم ثم التعويض وجبر الضرر ثم المسامحة والتعايش وكل ذلك نختصره في ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية وتهيئة المجتمع في الإقليم الكبير لذلك والدرب طويل لكنه ليس مستحيلا.
الآن دارفور قد تعود للانفجار مرة أخرى الغبن المتراكم على النفوس المقهورة يسبب بؤس المعسكرات والحال البائس للمحليات والأحياء الفقيرة والشباب الذي فقد نضارته وعنفوانه في التسكع والعطالة.
والي ولاية جنوب دارفور الحالي والذي يعلن عدم مقدرته لإدارة الولاية وسط هذه الأحداث أمر غير مستغرب فالقادة العسكريين ليسوا للحكم وربما لا يحسنون معرفة فن إدارة الأزمات ولا كيفية التعامل مع مجتمعات مظلومة تبحث عن إنسانيتها فلكل تخصصه.
حملات كانت عبارة عن شعارات طافت بها الهليكوبتر القرى والمدن للتبشير بجمع السلاح حملات ناقصة وكأنها حدثت لأغراض في نفس أعوان النظام السابق والعطش في البوادي والقرى والماء يباع بالجركانات والبراميل دارفور لا تحتمل أوجاعا أخرى وتنتظر إدارة مختلفة لمظالمها وتطبيقا فعليا صادقا لقانون العدالة الإنتقالية لكن الأمور ليست كما نريد الغبن والغضب الآن عظيما والفرصة مواتية لكل فعل والغضب يصرع صاحبه والنفوس مهيأة لإخراج ذلك الهواء الحارق.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.