ثقافة “المتاريس”

حسين الخليفة الحسن

كبلت أيادي شعبنا الأبي الصابر، ولثلاثة عقود من الزمان عجاف، بأغلال متينة من القهر، الظلم والعنت. ثلاثون عاماً من الاستبداد الزائف، والحقد اللئيم كممت خلالها الأفواه، ووئدت كلمة الصدق، واهتز صرح الكرامة، وأصيب بنو وطني بالجمود الفكري، والغيبوبة الوطنية، والذهول السياسي والانزلاق المجتمعي.
وضاق الشعب ذرعاً بقسوة الحياة::عوز، مسغبة، حرمان، مرض وفقر مدقع، وتفاقمت الأزمة، وسدت منافذ الحياة. وعندما بلغ السيل الزبي، هرع شباب الوطن المثابر المتحمس الثائر المظلوم في حراك مباغت ملتهب قاوم قسوة النظام. “وهب الشعب طرد جلاده “. وغرقت سفينة الإنقاذ، وتنفسنا الصعداء، وهوى الطاغية، وعلى الفور، احتمى الشباب الثائر بظل دوحتهم الوارفة”القوات المسلحة”، ساندتهم وتم العناق الثوري الحار بينهما. تدافعت حشود من الشباب من شتى مدن وقرى الوطن، وحناجرهم الغاضبة الفرحة تدوي بهتافهم الصاخب:::حرية، سلام، عدالة. ولبى الجميع نداء قيادة تجمع الحرية والتغيير بالاعتصام الفوري بتلك الساحة الرحبة واقسموا ألا يغادروا إلا بعد تحقيق مطالب الشارع السوداني.”وأنه لقسم لو تعلمون عظيم.”…قرار ألمعي ثوري.انطلق الاعتصام.. وفي بادئ الأمر انتابني حياء صامت، وإشفاق على أبنائي من المجهول الصادم، وتعثر متطلبات المعيشة في ذلك المكان القاحل. ذهلت كما ذهل غيري عندما رأيت بأم العين الاستعدادات الهائلة لتهيئةالساحة لتتناسب مع الحدث الثوري.
وانهالت المواد الغذائية للساحة من كل حدب وصوب. وتوفر الماء المسكوب والظل الممدود وتقاطرت المركبات تحمل ما لذ وطاب من الغذاء. ونصبت الخيام لتقي البشر قسوة الجو الساخن.وكونت اللجان لخدمة حجاج الساحة. ويتم استقبالك ببسمات لا تغيب عن الثغور كما تتجسد أمامك في هذا المعسكر المفتوح كل قيم values وفضائل الإنسان السوداني وتبدو هذه الخصال أمام الناظر وكأنها دونت في لوحة ذهبية زاهية:لتحكي أصالة ونقاء ونبل المواطن السوداني :إنها:السماحة، التجرد، التراحم، التكافل، طيب المعشر، السخاء الباذخ، مد يد العون والبسمة الندية. وكلها هبات من العزيز القدير نفخر ونعتزبها. والاعتصام بصورته المتفردة الحضارية هذه، هو ثقافة متفردة غير مسبوقة، صارت على كل لسان في العالم. فهاهو الرئيس الفرنسي “ماكرون”، قد طلب من المحتجين بحاضرته باريس بالاقتداء بالثورة السودانية السلمية المتحضرة. ثورة هادئة هادفة منظمة ومع الشارع. وأرى أن تجد ثقافة الاعتصام أو “المتاريس” المبتكرة مساحة بمنهج التربية الوطنيةcivics بمدارس التعليم العام المرتقب.
جلست ليلة البارحة كدأبي مصاحباً الصحفي المرموق ابن مسقط الرأس محمد عبد القادر في برنامجه الهادف التوثيقي الممتع”حوار المستقبل” بفضائية النيل الأزرق. سعدت أيما سعادة للطرح الألمعي الصادق للدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية بتجمع الحرية والتغيير تحدثت بإسهاب عن منهج وفلسفة ودور التجمع وأزالت الغموض وكشفت المدسوس. تحدثت بأسلوب السهل الممتنع. حديث ممتع وجاذب. وعلماؤنا الأجلاء في الحلقة “ماقصروا”بحديثهم الثر المفيد. التحية للكنداكة “رفقة” الشجاعة الباسلة التي رفعت رأس المرأة عالياً.. رمضان كريم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.