ومضات||محمد التجاني عمر قش

من الجزائر إلى الخرطوم…الصورة واحدة!

شارك الخبر

كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة
وابعثْ لعبلــةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً
وابعـثْ لها فـي القدسِ قبلَ الغرغرة
اكتبْ لهـا مـا كنــتَ تكتبُــــه لهــا
تحتَ الظـلالِ، وفـي الليالي المقمـرة
“الشاعر مصطفى الجزار”
حيثما أدرت جهاز الضبط عبر القنوات الفضائية العربية وغير العربية، لبدت لك صورة واحدة متكررة عن واقع الأمة العربية الراهن، باستثناء بعض الدول التي تتمتع بأنظمة حكم مستقرة وراسخة؛ فما يحدث في ليبيا له مثيل في اليمن وسوريا، وحال الجزائر لا يختلف عن السودان وما أشبه العراق بكل هؤلاء، أما فلسطين فهي جرح العرب الذي لا يندمل! والمشهد المشترك هو جماهير غاضبة ومتذمرة تردد هتافات متشابهة ضد السلطة القائمة، وتنتشر في الشوارع أو تعتصم في الساحات العامة! والقاسم المشترك الأعظم في جميع هذه الحالات، للأسف الشديد، هو سوء الأوضاع السياسية بالدرجة الأولى، ومن ثم الوضع الاقتصادي الذي دفع بكثير من المحتجين إلى الشوارع! وكل ذلك ما هو إلا نتيجة حتمية لفشل النخب السياسية الحاكمة والمعارضة في إدارة الشأن السياسي بطريقة تؤدي إلى نظام حكم راشد يضع حداً لعدم الاستقرار، ويؤسس للتداول السلمي للسلطة عبر منظومة حزبية واعية وانتخابات حرة ونزيهة، بحيث يمكن الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة لتحسين الوضع الاقتصادي، بإحداث التنمية وإنشاء البنية التحتية اللازمة، وتوفير الخدمات الضرورية من تعليم وصحة وأمن، وإيجاد وظائف تؤمن العيش الكريم للمواطن. والسؤال هنا لماذا هذا الفشل العربي الذريع في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية؟ إن السبب الأكبر لما وصل إليه حال الأمة العربية اليوم هو فشل معظم الحكومات وعدم استقرارها والتضييق على الحريات العامة، وانتهاك حقوق الإنسان، وكذلك ظهور الحكومات العميقة والأليغاركية، أي حكومة الأقلية، سواء الرأسمالية، مثلما حدث في مصر أيام حسني مبارك، وفي الجزائر إبان حكم بوتفليقة، أو الأيديولوجية مثلما حدث في العراق تحت حكم صدام حسين، عندما كان حزب البعث هو المهيمن، وخلال فترة حكم الإنقاذ في السودان بعدما تولى الإسلاميون الأمر لمدة ثلاثين عاماً حسوماً، أو الإثنية مثلما هو قائم في سوريا حيث تسيطر الأقلية العلوية على زمام الأمور ولا تزال. وهنالك الآن سيطرة طائفية قوية كما هو الحال في العراق واليمن ولبنان، حيث الغلبة في كل هذه البلدان للطائفة الشيعية!وهذه الأنواع من الحكومات من طبيعتها التحكم في مفاصل الدولة وتسخيرها لخدمة مصالحها وأجندتها الخاصة، مستفيدة من الأجهزة والمؤسسات الدستورية والتشريعية والجهات الاقتصادية والمالية من بنوك وغيرها بحيث تتحكم في حركة الأموال والإعلام وتخلق لأفرادها وضعاً مميزاً وتعطيهم قدراً من الإحساس بالتفوق على بقية الشعب! ومن أجل الحفاظ على ما تعتقد أنه مكتسبات خالصة لها قد تلجأ مثل هذه الأنظمة إلى رهن إرادة الدولة إلى جهات خارجية، قد تستنزف ثرواتها بكل الطرق الممكنة، ضاربة بجوانب السيادة والأمن القومي عرض الحائط. بكل صراحة إن المشهد في المنطقة العربية لا يسر، ولا يبشر بخير والصور قاتمة تدفع نحو مزيد من الإحباط، وفي الحقيقة قد تفشى الإحباط والفقر والجهل والقهر والاستبداد والتخلف والاستسلام في كثير من دول المنطقة حتى باتت الجامعة العربية عاجزة تماماً؛ نظراً لما تمر به الأمة من ضعف وهوان حتى تفرقت كلمتها وبات حلمها في تحقيق الوحدة العربية شبه مستحيل إلا أن يتداركنا الله برحمته. وفي هذا الصدد يقول الدكتور صبحي غندور في مقال له: ” وللأسف، يعيش العرب اليوم عصراً أراد الفاعلون فيه، محلياً وخارجياً، إقناع أبناء البلاد العربية وبناتها أنّ مستقبلهم هو في ضمان “حقوقهم” الطائفية والمذهبية والإثنية، وفي الولاء لهذا المرجع الديني أو ذاك، أو لهذه الفئة أو تلك، بينما خاتمة هذه المسيرة الانقسامية هي تفتيت الأوطان والشعوب وجعلها ساحة حروب لقوى دولية وإقليمية تتصارع الآن وتتنافس على كيفيّة التحكّم بهذه الأرض العربية وبثرواتها.” بمعنى آخر يبدو أن العرب لم يستطيعوا التعاطي مع ما توفر لبلدانهم من إمكانات مادية وبشرية وجغرافية حتى صاروا يعيشون على هامش الحياة في هذا العصر وكأنهم ليسوا أحفاد أولئك العظماء الذين سادوا الدنيا وعمروها ونشروا قيم العدل والتسامح والفضيلة في مشارق الأرض ومغاربها وقدموا للناس أعظم نموذج في مجال الحضارة والعمران والعلم، حتى إذا ما ضعفوا تكالبت عليهم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها! كانت الأمة العربية، حتى سنوات قليلة مضت، ملئ السمع والبصر، تسعى لكسب ودها ورضاها كل القوى العالمية، ولكنها انزوت عن المسرح العالمي، وانكفأت على نفسها، وصار العرب يقتل بعضهم بعضاً ويقاطع بعضهم بعضاً، ويسعى بعضهم للاستحواذ على أرض جاره، متناسين مواثيق الجامعة العربية وشعارات الوحدة التي تربى عليها أبناء جيلي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي! نحن الآن مجتمعات متفرقة لا يجمع بينها هدف ولا وحدة مصير، بل تتقاذفنا أمواج عاتية توشك أن تغرق السفينة العربية التي تتخبط تائهة في بحر لجي بلا ربان ماهر يدير مقودها حتى ترسو في بر الأمان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.