أراضي الريف الجنوبي بأم درمــان..فساد يمشي على قدمين!!

بحسب مراقبين؛ فإنَّ أكثر ملفات الفساد التي ولغ فيها النظام السابق تكمُن في الأراضي وما أدراك ما الأراض، وهنا يستحضر الناس المقولة الشهيرة لوالي الخرطوم الأسبق عبد الرحيم محمد حسين (جينا لقينا كل الأراضي إتباعت). وإن كان حسين لم يحدِّد (الكيفية!!) التي بيعت بها الأراضي، لكن المجالس كانت قد ضجَّت في عهد سابقه عبد الرحمن الخضر بالقضية التي اُشتهرت بـ(فساد مكتب الوالي)، والتي كان يدور جُلُّها أن لم نقُل كُلَّها في (مسألة الأراضي) وفي خِضم تلكم الأمواج المتلاطمة مات مدير مكتبه المُلازم غسَّان في حادث حركة (مُريب)؛ لم تُفَكْ طلاسمه حتى هذه اللحظة.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل وقف فساد الأراضي في الأحياء الراقية بالمدن الثلاثة وحدها؟ الإجابة بالدليل والبرهان (لا) ثم (لا).. وشاهدنا هُنا أراضي الريف الجنوبي بأم درمان التي شهدت فساداً جعل بعض القائمين على أمرها يستحوذ على (70) قطعة سكنية للفرد الواحد منهم.

عطاء من لا يملك..
أراضي الريف الجنوبي لأم درمان التي نحن بصدد فتح ملف فسادها تتبع لمنطقة (قوز دحلوب) والتي عُرفت تاريخياً بتبعيتها لـ(الجموعية) حسبما قال لـ(السوداني) عضو لجنة استرداد الحقوق حسن عبد الرحيم مؤكداً أنهم يمتلكون هذه الأراضي الزراعية المطرية التي تقع جنوب القرية وظلوا يزرعونها لمدة قاربت الأربعمائة عام، حيث ورثوها أباً عن جد. وهكذا دارت عجلت الحياة حتى جاء عهد الإنقاذ (البائد) وتحديداً في العام 1994م قررت الحكومة استقطاع جزء من هذه الأراضي لقدامى المحاربين كمشاريع زراعية، لكن أهالي المنطقة (الجموعية) رفضوا ذلك ونصبوا خيام الاحتجاجات التي استمرت لفترة ليست بالقصيرة، الحكومة من جهتها مضت في مخطّطها ومن ثمَّ قامت بتحويل الغرض من زراعي إلى سكنى مع أيلولته لذات الغرض وهو تمليكه لقدامى المحاربين.

الثالوث الأسبق..!!
وبحسب مستندات تحصَّلت عليها (السوداني)، فإنَّ أهالي قوز دحلوب دخلوا في نزاعات مطوَّلة مع الحكومة وبعد (تفهمات) قادها من جانب الحكومة وزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، وأيضا والي الخرطوم الأسبق عبد الرحمن الخضر، وكذلك رئيس المجلس التشريعي الأسبق محمد الشيخ مدني تم الاتفاق على أن ينال قدامى المحاربين (80%) من هذه الأراضي، والمتبقي (20%) للأهالي، ومقابل ذلك يتم تخطيط هذه الأراضي وتستخرج لها شهادات بحث.
ويؤكد المواطن حسن عبد الرحيم حسن أن الـ(20%) من المساحة المخصصة للأهالي كانت عبارة (2200) قطعة، كان يُفترض أن يتم توزيعها بين جميع مواطني (قوز دحلوب) بالتساوي لكن أعضاء اللجان الشعبية والموالون للنظام السابق (المؤتمر الوطني) استأثروا بالنصيب الأوفر من هذه القطع.
وحسب مستندات تحصلت عليها (السوداني) فقد نال كل من (أ/ص/ش)، (أ/ع/ح)، (أ/م/ش)، (س/ع/ح)، (ج/ش/ح)، (أ/ع/ع) و(م/ش/ح)؛ نال كل واحد من هؤلاء (70) قطعة أرض، وكذلك كان نصيب (ع/أ/أ) و(م/أ/أ) (40) قطعة لكل واحدٍ منهما، وأيضاً نال كل من (أ/ع/ح) و(ع/ع/أ) (30) قطعة لكل واحد، أيضاً كان نصيب تسعة من هؤلاء (المحظوظين) (25) قطعة لكل فرد، كما نال ثمانية آخرون (20) قطعة لكل واحدٍ منهما.

ظُلم ذوي القُربى
يقول المواطن مبارك الطيب يوسف: بينما نال أعضاء اللجنة الشعبية والمنتمون للنظام السابق كل هذا الكم الهائل من قطع الأراضي لم ينل أصحاب الحقوق سوى قطعة واحدة لكل مواطن وهنالك من حُرِم حتى من هذه القطعة الواحدة حيث تم إدراج أسماء في قائمة المستحقين لا علاقة لها بالقرية، فقط استغلوا نفوذهم السياسي ومناصبهم التنفيذية. وقال مبارك، وهو أحد المتضررين، إن المخالفات بدأت بعدم نشر كشوفات المستحقين والطعن فيها، حيث تم توكيل أحد أعضاء اللجنة الشعبية بسحب القرعة سراً في مكان لا يعرفه المواطنون لضمان حصولهم على أراضٍ، حيث (طُبخت) اللعبة وفق اتفاق تم بين اللجنة الشعبية بقوز دحلوب وصندق الدفعة 43 من القوات النظامية بمنحهم (150) على أن يكون الاستقطاع لكل الرسوم عدا الإيصال الإلكتروني.
وهنا يُشير حسن عبد الرحيم إلى أن هذه الاتفاقية لم يعلم بها المواطنون إلا في وقت متأخر ورغم ذلك قامت اللجنة الشعبية بفرض رسوم قدرها (11.100) جنيه على القطعة الواحدة علما بأن الرسم القانوني هو (2.365) جنيه فقط، وعندما عرف بعض المواطنين بذلك وسألوا سكرتير اللجنة الشعبية عن سبب هذه الزيادة في الرسوم والتي تقارب الـ(9000) جنيه أجابهم بقوله (هذه الفروقات ذهبت كتسهيلات للمسؤولين والموظفين بالمحلية).
ويؤكد عبد الرحيم أن هناك مواطنين بمحلية أم درمان تم منحهم قطعا سكنية بالقرية قُدِّمت لهم كرشوة لتضليل المعتمد وركن الشكاوى بالأدراج، لكن الأهالي كشفوا هذا المخطط وأوصلوا شكاواهم للمعتمد السابق أحمد أبو شنب الذي حرَّك الملف فعليا لكن قبل يكمل بحثه في الموضوع تم نقله إلى ولاية جنوب دارفور.

تسليم على الطبيعة
وبالعودة إلى المستندات الصادرة من الجهات المختصة فقد منحت الدولة قدامى المحاربين مشروعين زراعيين بالريف الجنوبي أم درمان وتم تسجيلهما بشهادتي البحث للقطعة 307 بمساحة قدرها (1.570) فدانا والقطعة 306 بمساحة (3,50) فدانا، بإيجارة مجددة حتى تاريخ نوفمبر 2014م.
وبتاريخ 18 مارس 2009م وبعد لقاءات مع وزير التخطيط الأسبق ووزير الزراعة ووزير الدفاع، تقدم قدامى المحاربين بطلب لتغيير غرض المشروعين من زراعي إلى سكني ووافق الوزير على الطلب، واكتملت إجراءات القطعة 307 ولم يتبقَّ من إجراءات إلا التسليم على الطبيعة، بدأت إجراءات القطعة 306 ووصلت المرحلة الأخيرة وهي سداد رسوم فرق التحسين.
توقفت الإجراءات في القطعة 307 بسبب الاعتراضات المستمرة من عدد من مواطني الريف الجنوبي أصحاب الحقوق التاريخية على الأرض. وبقرار الوالي العام بإيقاف الإجراءات وانحصر الاعتراض في مناطق (أم القرى، ضعينة، قوز دحلوب، وادي الحمراء، وادي الرواكيب، أم ويكحة، الغماراب، العقيدات والدلنج الفريواب).

حزمة من المعتمدين!!
وبعد لقاءات عدَّة استغرقت سنوات عدَّة، وتوالى عليها عددٌ من المعتمدين الذي تعاقبوا على محلية أم درمان بدءا بالمعتمد الأسبق د.الفاتح عز الدين وانتهاءً بآخر معتمد في عهد الإنقاذ البائد “اليسع صديق التاج”، والأهالي من جانب وقدامى المحاربين ووزارة الدفاع من الجانب المقابل، وشارك فيها رئيس اللجنة العليا لتنظيم وتقنين الأراضي الزراعية والسكنية لولاية الخرطوم، وقد توصل الجميع للخروج من المشكلة إلى الآتي: أولاً الاعتراف بالحق القانوني المسنود بشهادات البحث للإخوة قدامى المحاربين. وثانياً الاعتراف بالحق التاريخي لمواطني القرى المذكوره أعلاه. ثالثاً العمل على تسوية بالتراضي للتوفيق بين الحق القانوني والحق التاريخي. ورابعاً استقطاع جزء من أرض قدامى المحاربين (من نصيب الحكومة) لصالح الحقوق التاريخية وحرمات القرى بنسب متفاوتة وفق أسس لائحة تنظيم وتقنين الأراضي الزراعية والسكنية لولاية الخرطوم. يتم استقطاع الأرض من قدامى المحاربين بما يعطي القرية حقها الذي يحدده القانون واللائحة كاملاً والمتمثل في الآتي: تطبيق قاعدة تقنين الحق التاريخي على الأرض الزراعية بنسبة 50% للدولة و50% للقرية. وأيضاً تطبيق القانون القاضي باستقطاع 40% من الأرض نصيب القرية للخدمات من شوارع وغيرها لتغيير غرض الأرض من زراعي إلى سكني. وتطبيق القانون القاضي بتقسيم الأرض بعد تغيير الغرض بنسبة 25% لصالح القرية و75% للدولة لتحسين الأرض (حضرية سكنية).
وفي إطار الحل الكلي لسكن القرى، فإنه إذا جاء الاستحقاق السكني للقرية المقابل للحق التاريخي أقل من عدد المستحقين من القرية تُمنَحُ قطعٌ إضافية لتغطية كل المستحقين بالقرية. وقد تم حجز عدد من القطع المقابلة بعض المعالجات الآنية أو التي قد تنشأ لاحقا؛ على أن تخضع القطع المحددة لمعالجات القرى للتنفيذ بواسطة اللجنة الفنية وعبر أسس لائحة تنظيم الأراضي الزراعية والسكنية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.