محمد عثمان (دبايوا)

لماذا هرولة أمريكية مُفاجئة للوساطة في السودان بعد ستة أشهر؟
فشل مجلس الأمن في تبني إدانة كان صفعة لأمريكا وحلفائها- وساطة لا تسندها بَادرة حُسن نِيّة مصيرها الفشل

شارك الخبر

منذ انطلاق الحِراك الشعبي ضد نُدرة السلع وارتفاع الأسعار وخَاصّةً سعر الخُبز في مدينتي عطبرة وبورتسودان وبعدها تَصَاعَد وتيرة الاحتجاجات ومن ثُمّ تطوّرها إلى ثورة شعبية ضد نظام الإنقاذ عمت أرجاء السودان، كَانَ موقف الولايات المتحدة سلبياً من الأحداث ولم يصدر منها موقفٌ صريحٌ واضحٌ مِمّا يجري في ساحات الاعتصام، وحول مُفاوضات الشد والجذب بين المجلس العسكري الانتقالي وقُوى الحُرية والتّغيير. وما صَدَرَ منها لم تَتَعَدَ بيانات وتصريحات خجولة.
وفجأةً وبعد ستة أشهر من تفاعُل الأحداث التي جذبت أنظار العالم، نرى أن الولايات المتحدة تُبدي اهتماماً مُفاجئاً وترسل مسؤولاً رفيعاً هو مُساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وتُعيِّن مبعوثاً خاصاً للسودان. وهنا يجدر التساؤل عمّا هو السر وراء الصحو المُباغت من السبات والاهتمام بما يجري في الخرطوم بعد فترة انتظار طويلة؟
جلسة مجلس الأمن
كان مجلس الأمن قد اجتمع بناءً على طلب الولايات المتحدة و(5) دول أوروبية لمُناقشة الوضع في السودان. وأعتقد أنّ فشل مجلس الأمن الدولي في إدانة قتل مدنيين بالسُّودان وفي إصدار نداءٍ عاجلٍ من القوى الدوليّة لوقف فوري للعُنف بسبب اعتراض من جانب الصين وروسيا على النّص، قد وخز أمريكا في خَاصرتها وجعلها تفيق على أبعاد ما يجري هناك من تدخلات دولية وإقليمية فتهرول للحاق بغريمتيها قبل أن تحصدا نجاحاً مُنفرداً. فأمريكا تخاف وتتوجّس من الصين وتوسُّعها في القارة العذراء تجارياً واقتصادياً، ومن روسيا عسكرياً وكلاهما أنشأ علاقات متينة ومُتميِّزة مع السُّودان.
دولة محورية
فالسودان دولة مُترامية الأطراف ومحورية في القارة الأفريقية وتربطها حدود طويلة ومُمتدة مع دول عديدة، وما يجري في السودان يُؤثِّر سلباً وإيجاباً على مُحيطه. وكذلك دولة ذات موارد هائلة يسيل لها لعاب الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وفي الماضي لم يكن السُّودان بمعزلٍ عن سياسات أمريكا المُتخبِّطة المتذبذبة تجاه دول القارة الأفريقية. فهي لم تكن تعيرها كثير اهتمام لوضعها في جدول أولوياتها. فلا هي حليفة ولا هي عدوٌّ ويتغيّر زئبق ثرمومتر السِّياسة تجاه هذه القَارة وفقاً لمن يدير البيت الأبيض. فبذلك كانت سياسة ضبابية ينقصها الوضوح وَتَتَمَيّز بالسّطحية وَعَدم فَهم مُجريات الأمور في القارّة. ورغم ذلك كانت ولفترةٍ طويلةٍ هي اللاعب الأساسي في المسرح السُّوداني واستفاقت فَجأةً لتجد لاعبين جدداً توغّلوا ووضعوا أيديهم على بعض موارد السودان ويستطيعون كسر شوكتها في مجلس الأمن، فانزعجت وأحَسّت بأنّ الأمور قد تفلت منها، فلذا كان التحرُّك المُفاجئ.
وإحدى الدول التي وقفت عقبة أمام الولايات المتحدة ومحورها في مجلس الأمن ضد قَرار يُدين السُّودان هي الصين.
الصين
ففي غياب تجاهُل أمريكي وسياسة غير مُستقرّة، توجّهت دول القارة إلى مَن يُساعدها ويَشد من أزرها وينمِّي اقتصادياتها، فاستقطبت دولاً مثل الصين في المقام الأول. وكان مدخل التنين لأفريقيا هو السودان الذي شرع الأبواب للاستثمارات الصينية في كل المجالات ومنه امتدّ نشاطها إلى مُعظم دول القارة. وبالطبع كان ذلك هاجساً للمشرع الأمريكي من المنظور التِّجاري ولكنه لم يُحرِّك ساكناً أمام الزحف الصيني.
وقد أثّر تعاون أفريقيا جنوب الصحراء مع الصين بصورة مُتزايدة على اقتصادها مع فتح أسواق جديدة للمواد الخام الأفريقية، زادت الصادرات وارتفعت قيمتها الحَقيقيّة خمس مرات على مدار العشرين عاماً الماضية.
وفي نفس الوقت، زادت مُساهمة الصين بالفعل في نمو صادرات أفريقيا جنوب الصحراء. وعلى جانب الاستيراد، أُتيح لها الحُصول على السِّلع الاستهلاكية الصينية ذات التّكلفة المُنخفضة، مِمّا أدّى إلى تحسُّن مُستويات المعيشة في أفريقيا وسَاهَمَ في انخفاض التّضخُّم واستقراره. وكان من نتيجة هذا أن توثّقت العلاقات بين هذه الدول والصين ليس اقتصادياً فقط، بل سياسياً.
روسيا
والدولة الأخرى التي أفشلت القرار في مجلس الأمن كانت روسيا.
فالدعم الروسي للسودان بدأ يجذب الاهتمام الدولي وكذلك تصريحاته منذ بداية الاحتجاجات.
فعلاقة روسيا بالسودان ليست جديدة، حيث تَقُوم مُوسكو بتصدير كمياتٍ كبيرةٍ من المُعدّات العسكرية إلى البلاد منذ عُقُودٍ، وكانت السودان أول دولة عربية تشتري أحدث طائرة روسية من طراز سو-35 بعد زيارة الرئيس المعزول لروسيا وطلبه من الرئيس بوتين الحماية ضد الولايات المتحدة.
وظَلّت العلاقة العسكرية هي التي تربط روسيا بالسودان لفترةٍ طويلةٍ ولكن تَغَيّرَ الوضع مُؤخّراً، إذ دخل البُعد الاقتصادي في المُعادلة، والذي يشمل الآن مصالح كبيرة وخَاصّةً في مجالي التّعدين والبترول، مِمّا يُؤكِّد أنّ السُّودان سيكون مُرتكزاً ونقطة انطلاق في كل الاتّجاهات لمُتابعة مصالحها الأُخرى وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة وخَلق فُرص استثمار جديدة في القارة السمراء.
ومن المَعروف تاريخياً السياسة الروسية للوصول الى المياه الدافئة، فالوصول إلى البحر الأحمر أصبح جُزءاً من هذه السياسة، حيث تُحاول التّنافُس مع القواعد الأمريكية والفرنسية على ضفاف هذا الممر المائي الحيوي، فبذلك يُشكِّل السُّودان فُرصةً تاريخيةً لمَوطئ قدمٍ في البحر الأحمر.
وساطة فاشلة بدون بَادرة حُسن نِيّة
ربما لهذه الأسباب هرولت الولايات المتحدة للدخول في خط الوساطة في السودان خوفاً من ترك المجال لمُنافسيها الذين أحرزوا نقاطاً في صالحهم بمجلس الأمن.
والولايات المتحدة رغم تباطؤها ليست جديدة في مجال الوساطة بالسُّودان، فقد لعبت دوراً بارزاً خلال مسألة الجنوب، مُتّبعةً سياسة التّهديد والحَوافز ولكنها تَنَصّلت من وُعُودها فاهتزت مصداقيتها مِمّا أفقدها ثقة الشعب السُّوداني. وزاد الطين بلّه سياسة المُقاطعة الاقتصادية الأحادية التي عَانَى منها الشعب السُّوداني أمداً طويلاً.
وربما وجدت الولايات المتحدة في رحيل النظام السابق المُعادي لها، الآن، فُرصة لتحسين صُورتها وعلاقاتها مع السُّودان ولأجل ذلك، فمن المُؤكّد عليها أن تتخلّى عن سياستها القديمة التي تَمَيّزت بالشروط الإملائيّة، وأن تتّخذ خطوات حُسن نِيّة برفع اسم السُّودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ذلك السيف المُسلّط على رقبة السُّودان، لتكون وسيطاً مقبولاً.. فإن لم تفعل ستفشل وساطتها وستكون تلك ضربة أخرى ضد سعيها لجذب السُّودان إلى مُعسكرها.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.