حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني

عَودة حَزينة

شارك الخبر

(1)
بادئ ذي بدءٍ نترحّم على شهداء ساحة الاعتصام الذين تزامن صُعُود أرواحهم مع نفحات عيد الفطر المبارك سائلين الله تعالى لهم الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين، ونتمنى للجرحى عاجل الشفاء ونسأل الله العلي القدير أن تكون هذه المجزرة البشعة آخر أحزان بلادنا.. ولكن لكي تكون كذلك لا بُدّ من أن تكون هناك مُحاسبة دقيقة لا تترك نقطة دم واحدة تروح هدراً، ولأنّه لو تجاوزنا هذه المجزرة أو أدخلناها في كشف عفا الله عما سلف، سنكون وضعنا أول مدماك لموت جماعي رهيب قادم إلينا.. نعم كل نفس ذائقة الموت ولكن التّسامُح أو التطبيع مع القتل الجماعي يعني فناء البشرية، ولذلك لا يكفي الاستنكار بالقلب واللسان، إذ لا بُدّ من مُعاقبة الجاني لكي يكون في ذلك حياة لهذه الأمة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ….) الآية.. إن القصاص هو ترياق الحياة القادمة.
نعم تاريخ السودان الحديث مَلئٌ بالمجازر الجماعية، لا بل مُستقبله يُنذر بالمزيد وهذا راجعٌ لعدم القصاص مِمّا رخص الأرواح السُّودانية وجعلها مَطيةً للسِّياسة، لذلك دعونا نأمل بل نصر على أن تكون مَجزرة عيد الفطر الأخير أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة هي آخر المجازر، وذلك لن يتحقّق إلا بالقصاص، ثم بعد ذلك نفتح دفتر المجازر السودانية، بدءاً بالدفتردار، وانتهاءً بمجزرة القيادة، مُروراً بالمهدية والحكم الثنائي (كرري)، ثُمّ العُهُود الوطنيّة (جودة والجنوب “القديم” ودارفور وغيرها)، فلا يُمكن لأمّةٍ تُريد النُّهوض والتّقدُّم أن تتطبّع أو تتسامح مع الإبادات والمَجازر الجَمَاعيّة.. كل الأمم التي نَهضت وتَقدّمت فعلت ذلك بعد أن تجاوزت المجازر والإبادات بالمُحاسبة، وعرفت قدر النفس الإنسانية.
مَرّة أُخرى، دَعُونا نَعمل على أن تَكُون مَجزرة عيد الفطر آخر المَجَازر بالمُحاسبة والقصاص، ولتكن هذه المَجزرة مَدخلاً لتاريخ سُوداني جَديدٍ يعرف قيمة النفس البشرية، فاللهم تقبّل شهداء هذه المجزرة واربط على قُلوب أهلهم وذويهم وأشف الجرحى.
(2)
وبعد عزيزي القارئ، نُبارك لك عيد الفطر الأخير والحزين، سائلين الله تعالى أن يعود علينا وبلادنا موجودة على خارطة الدنيا والناس فيها موجودون في مُدنهم وقُراهم وبواديهم، فالظرف الذي نعيش فيه الآن جعل سقف أمانينا مُتدنياً لآخـر حَـدٍّ, فإن كانت شعوب الدنيا تتطلّع في مُناسبة الأعياد للمزيد من النماء والتّقدُّم والرفاهية، فإنّنا في سُودان اليوم غَاية ما نتمنّاه أن تكون بلادنا موجودة وأن نكون (هابين) على (وش الدنيا).
ولعلّ هذا التّدني في الأماني والأحلام والتّطلُّعات لم يَحدث فَجأةً، بل هو نَاتجٌ عن تَراكُمات كَثيرة وطَويلة، بل نتيجة لتاريخٍ طَويلٍ من الفشل والتّسيُّب واللا مُبالاة يسأل عنها الجميع، وفي طَليعتهم السَّاسة الذين سَاسُوا هذه البلاد بدون زادٍ من المَحَبّة والإخلاص ثُمّ المعرفة.. نعم تنقصهم في المقام الأول المَحَبّة والإخلاص، فالمَعرفة يُمكن اكتسابها بسُهُولةٍ، وهذه قصة يطول البكاء فيها ومع ذلك لن ينقطع عشمنا في الله بأن تنصلح حال العباد والبلاد في أرض السُّودان.
فاللهم أرفق بأهل هذه البلاد وإنّك تعلم أنّهم قد أخذوا كوتتهم من النكبات والأحــزان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.