حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

أين أم الولد؟!

شارك الخبر

(1)
قديمة وعالمية قصة أم الولد ذات المَغزى العَميق، والتي تقول إنّ امرأتين اشتجرتا حول طفلٍ، كل واحدة ادّعت أنّها أمه، فقال لهما القاضي الذي احتكمتا لديه، إنه قرّر أن يشقه إلى نصفين فتأخذ كل واحدة نصفاً.. فانبرت إحداهما بالقول إنها قد تنازلت عن دعواها لتأخذه الأخرى سالماً وبذا ظهرت الأم الحقيقية الحريصة على حياة الطفل..!
الذي دَعَانا لاجترار هذه القِصّة المعروفة للجميع، هو أنّنا نَرَى الآن سكاكين تُسن، وسواطير تُرفع، وأسياف أُخرجت من أغمادها لتمزيق هذا السودان!! والبعض يتأهّب لأخذ الشلو – مُفرد أشلاء – الذي يُريد، بينما نحن نبحث في هذه اللحظة عن الذين قُلُوبهم على السُّودان ليتنازلوا عن نصيبهم الحقيقي من أجل إنقاذ حياته، ولا شك أنّهم كُثرٌ، ولكن حالة الشد والجذب والاستقطاب الحاد قد تكون منعتهم من الظُّهور أو جعلت صوتهم خافتاً، لأنّ المسرح يُسيطر عليه المُهرِّجون ذوو الأصوات العالية والصاخبة!!
(2)
إنّنا نَتَفَهّم دَعاوى قادة ثورة “ديسمبر – أبريل” المجيدة بضرورة إقامة دولة مدنية كاملة الدسم، ولكن لا شئ يمنع من إقامة هذه الدولة على مراحل، فإذا كان بالإمكان الإمسَـاك بطرف الخَيط الذي يُمكن أن تبدأ منه هذه الدَّولة المَدنية، لمَاذا لا يتم الإمسَـاك به والعَمل من داخل الدولة لاستكمال الدولة المَنشودة؟ لماذا لا يكون هناك تَنَازُلٌ مُؤقّتٌ عن بعض الخُيُوط إلى حين القدرة على جذبها؟ كما أنّنا نتفهّم قول العساكر أنّهم يَرون لا بُدّ من وجودهم في المرحلة القادمة في دولاب الحكم لأنّهم وبحكم مهنتهم يرون أخطاراً لا يراها غيرهم، ولكن مع ذلك نَدعُوهم لقُبُول وجهة نظر غيرهم في الدولة المدنية، فليمسكوا بالجانب الأمني ويتركوا أكبر قدرٍ من إدارة الدولة للمدنيين، فإذا اطمأنوا يتركوا ما تبقى ويعودوا إلى ثَكَنَاتهم.
إنّنا نَعلم جَيِّداً أنّ عساكر السُّودان الحَديث يرى الواحد منهم أنّه مشروع حاكم بمُجرّد دُخُوله الكلية الحربيّة، فمستر براون قال إنّه أجبر نميري لإكمال دراسته في حنتوب من أجل دخول الكلية الحربية ليحكم السُّـودان.. فتغيير هذه العقيدة يحتاج لزمنٍ حتى يظهر لنا الجيش المهني الموجود في دول العالم الأول.
إنّنا نتفهّم الكُتلة السِّياسيَّة الثالثة أو الكُتلة الصّامتة التي تقف الآن بين المجلس العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير، فبعضها كَانَ ثائراً وله سَهمٌ كَبيرٌ في الثورة، وبعضها كَانَ موجوداً في طَرفٍ من أطراف النظام السَّابق وهذه الكُتلة تَشعر الآن بالإقصاء، ولكن مع ذلك نُطالبها بالصّبر والتّأهُّـب لمَرحلةِ ما بعد الانتقالية، فالمُشاركة في دُولاب الحكم ليست غاية مُهمّـة، إنّما يُمكن المُشاركة بالمُراقبة ومَسك قَلم التّصحيح لتعبر البلاد هذه المرحلة الحَـرجـة..!
(3)
غايـة ما ذهبنا إليه أعـلاه، هو أنّ الوقت وَقت تنازُل من التّطلُّعات الخاصّة شخصية كانت أم حزبية أو حَتّى جَهوية للمصلحة العَامّة، وهذه التي نَدعوها تنازُلات ليست كذلك إلا في مَظهرها، فحَقيقتها هي مواقف وطنية اقتضتها الضرورة لأنّها في النّهاية تَعُود بالنّفع عَلَى المُتنازل نَفسه، فهذا الوطن إذا فَقدناه لن نحصل عليه مرَةً ثانيةً، فلو نَفّذَ القاضي حكمه الذي قصد به اختبار المُدّعيتين وَقَسّمَ الطفل إلى قسمين فهذا يعني موته! فإذا أصر أيِّ واحدٍ منا على شلوه، أي تَجَمّدَ عند موقفه، فلن يَكون هُناك سودانٌ نَعيش فيه.
وقديماً قال عُلماء الأصول ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه.. ونظرية يا فيها يا أطفيها هي التي ضَيّعَت العباد وأهلكت العباد.. اللهم أحفظ السُّودان وأهل السُّودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.