محمد التجاني عمر قش

يا شيخنا، الليلة حوبتك جات(١)

شارك الخبر

الأزمة الراهنة في السودان تتطلب تدخل جهات مؤسسة وقائمة، وفق النظام والعرف والواقع، مع تمتعها بالحكمة والخبرة والحياد والنزاهة والحنكة اللازمة للتعامل مع جهات وأطراف متباينة الأفكار والمرجعيات والأهداف. وكما هو مشاهد فإن السودان يقف الآن على شفا جرف هارٍ، أو على مفترق طرق غير مسبوق، ومنعطف تاريخي وسياسي خطير، يوشك أن ينزلق نحو الفوضى التي لا تبقي ولا تذر، فهنالك ثمة تجاذب سياسي واحتقان أمني وفوران ثوري ينذر بنسف النسيج الاجتماعي على امتداد القطر، من الشرق إلى الغرب، وهذا كله يمكن تفاديه إذا أخذ أصحاب الحكمة والخبرة بزمام الأمر، وقادوا تحركاً سريعاً من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة بين الأطراف المعنية حتى تتجنب البلاد مغبة تدهور الأوضاع وانفراط حبل الأمن، لا قدر الله. وفي اعتقادي أن الجهة الوحيدة التي يمكن لها أن تقوم بهذا الدور الضروري هي الإدارة الأهلية؛ نظراً لخبرتها المتراكمة في فض النزاعات، والقيام بالوساطة والجودية، وجبر الخواطر، وبسط الأمن وهيبة السلطة على نطاق واسع عبر البلاد، على الرغم مما تعرضت له هذه المؤسسة الرائدة من حل لهياكلها إبان العهد المايوي، وتغول ومحاولات عديدة لإضعاف وسلب سلطتها في عهد الإنقاذ التي لم تترك باباً إلا ولجته لحشر أنفها في المؤسسات الإدارية والأهلية من أجل التمكين والهيمنة، ولكن مع ذلك ظلت الإدارة الأهلية متماسكة وراسخة ولديها القدرة الكافية للقيام بالمهام الموكلة إليها سواء في مجال القضاء وحفظ الأمن وجمع الضرائب أو بخلاف ذلك القيام بالجودية. ويتفق الجميع أن الإدارة الأهلية قد ظلت كواحدة من ممسكات النسيج الاجتماعي؛ خاصة في المناطق الريفية والأقاليم، وليس أدل على صحة ما نقول من الأحداث الدامية والمؤسفة والاضطرابات والاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين، والصراعات القبلية التي شهدتها دارفور وبعض مناطق كردفان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، عندما غاب سلطان الإدارة الأهلية واضمحل دورها في العقود القليلة الماضية؛ نتيجة لتدخل الجهات السياسية التي كانت تريد لي ذراع الإدارة الأهلية بوعي أو دون وعي منها بأهمية وجودها. عموماً، ظل دور الإدارة الأهلية محورياً على مر العصور والحقب في السودان ويكفي أن نشير هنا إلى أن عبد الرحمن دبكة هو من تقدم بمقترح الاستقلال في عام 1955، وثناه شيخنا مشاور جمعة سهل. ومن جانب آخر، فإن الكادر الذي يتولى الإدارة الأهلية الآن يشمل ثلة من الزعماء المستنيرين، من الذين تلقوا التعليم في أرفع المؤسسات العلمية والمدارس الثانوية ومنهم حملة الشهادات العليا وأصحاب الخبرة في العمل البرلماني والقانوني والإداري والعسكري والشرطي والتعليم وغير ذلك كثير، مما يؤهلهم للقيام بتحرك قومي مطلوب في هذه الفترة الحرجة حتى تخرج بلادنا من هذا المأزق الماحق؛ واضعين في الاعتبار الخبرة التراكمية لكثير من زعماء الإدارة الأهلية، من أجل التعامل مع الأزمات والمواقف الصعبة، وما يتوفر لهم من قبول واحترام لدى كافة قطاعات الشعب السوداني على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية. ومما لا شك فيه أن الإدارة الأهلية، نظراً لتكوينها من زعماء لهم قدم راسخة، وهم أصلاً من أهل الحل والعقد في مجتمعاتهم، قبل أن يكونوا شيوخ عرب أو أمراء وعمداً ونظاراً، يمكنها القيام بدور وطني مهم لنشر ثقافة الوفاق والتعايش السلمي والحفاظ على وحدة الصف الوطني والتوفيق بين الفرقاء، ومن أجل حقن الدماء، وصون كرامة الإنسان السوداني وتجنيب حرائر السودان وأطفاله اللجوء إلى العيش في مخيمات اللجوء، في حال حدوث أية هزة اجتماعية جراء ما نشهده الآن من تسارع في الأحداث وتجاذب يوشك أن يخرج عن نطاق السيطرة. ومهما كانت نظرة بعض الفئات والتنظيمات السياسية للإدارة الأهلية إلا أن ذلك لا يحول دون دورها الوطني الذي حان أوانه هذه الأيام. لقد استعانت الحكومات السابقة بالإدارة الأهلية في كثير من الأحداث، فلماذا لا يستفاد من خبرتهم في هذا الظرف الحرج، وهلّا قام بعض الزعماء من تلقاء أنفسهم بتحرك للم الشمل والتقريب بين وجهات النظر والحد من التوتر الذي تشهده الساحة السياسية هذه الأيام؟ نحن، بكل صراحة، نعول على مشايخنا وأمرائنا كثيراً ونطلب منهم سرعة التحرك وفق رؤية مدروسة لتدارك الموقف، ولهم فيما قام به أسلافهم في الماضي أسوة حسنة وهم حسب علمي مؤهلون تماماً للقيام بهذه المهمة الملحة التي سوف يذكرها لهم التاريخ وتضاف إلى سجل انجازاتهم الزاهر. إن الإدارة الأهلية قد ظلت حاضرة في كل الحقب التي حكمت البلاد، منذ سلطنة سنّار، وسلطنة الفور والممالك والمشيخات التي حكمت مناطق شتى من السودان، كما ظلت تقوم بدور رائد في عهد الحكومات الوطنية المختلفة. وكل ما هو مطلوب من زعماء الإدارة الأهلية هو الابتعاد عن الاستقطاب، وتحري المصلحة الوطنية العليا بكل نزاهة وتجرد، فهم الجهة الوحيدة التي ظلت تمارس وظيفتها بكل اقتدار وثبات، بغض النظر من بعض التدخلات في شؤونها ونظامها. أيها الزعماء الكرام مثلما يقول الناس في السودان ” الليلة حوبتكم جات”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.