انقلاب في إثيوبيا.. مسارات واتجاهات

الخرطوم: محمد عبد العزيز

أعلن رئيس الوزراء آبي أحمد إحباط محاولة انقلاب في ولاية أمهرا شمال غربي البلاد، فيما قُتل رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإثيوبي في منزله برصاص حارسه الشخصي، بحسب مكتب رئيس الوزراء.
في السياق، ذكر موقع “تيغراي”، أن “قادة الانقلاب في ولاية أمهرا الإقليمية حاولوا الاستيلاء على الدولة الإقليمية عن طريق اغتيال كبار قادة الدولة أثناء اجتماعهم في عاصمة الولاية بحر دار”.

أزيز الرصاص
منذ غروب شمس السبت اندلع الرصاص في مدينة بحر دار حاضرة إقليم الأمهرا لساعات قبل أن يعود الهدوء إلى المدينة، وأعلنت الحكومة الإثيوبية أن جماعة مسلحة نفذت في السابعة مساء بالتوقيت المحلي محاولة انقلاب على حكومة أمهرا، وقالت إن المحاولة أحبطت.
وفي زي عسكري، ظهر أبي أحمد على التلفزيون الرسمي، في وقت متأخر من السبت، وقال إن بعض المسؤولين في حكومة أمهرا كانوا في اجتماع، عندما وقعت محاولة انقلاب، ونُقل عن أبي أحمد قوله أن ميكونين أصيب حين كان “ينسق ويقود عملية الرد على المحاولة الانقلابية بإحساس عالٍ بالمسؤولية”.

ماذا قالت المؤسسات الإثيوبية؟
في السياق نفسه، أوضحت متحدثة باسم رئيس الوزراء للصحفيين أن “فرقة قتل” يقودها رئيس جهاز الأمن في أمهرا اقتحمت اجتماعا حكوميا بعد ظهر السبت فأصابت حاكم الإقليم أمباتشو ميكونين إصابة قاتلة.
وأضافت أنه بعد قليل قتل رئيس هيئة الأركان الجنرال سيري ميكونين، في عملية وصفتها بأنها “هجوم منسق”. وقال مكتب رئيس الوزراء في بيان إن “محاولة الانقلاب في إقليم أمهرا غير دستورية، وتهدف إلى إحباط السلام الذي تحقق بشق الأنفس في المنطقة”. وأضاف “هذه المحاولة غير القانونية ويجب أن يدينها جميع الإثيوبيين، والحكومة الفيدرالية لديها القدرة على هزيمة هذه الجماعة المسلحة”. وأضاف: “قُتل عدد قليل من الأشخاص بينما أصيب آخرون”، ليتضح فيما بعد أن رئيس ولاية أمهرا أمباتشو مكونن ومستشاره، من بين القتلى.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، إن رئيس أركان الجيش ورئيس إقليم أمهرا قُتِلا في هجومين عندما نفذ جنرال محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة في الولاية، وجاء في بيان لمكتب أبي أن رئيس الولاية أمباتشو مكونن ومستشاره قُتلا بالرصاص وأصيب المدعي العام في أمهرا بمدينة بحر دار عاصمة الولاية مساء السبت.
وبعد ساعات من أنباء محاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة ولاية أمهرا، عاد المتحدث باسم رئيس الوزراء الإثيوبي ليؤكد أن رئيس أركان الجيش ميكونين تعرض لإطلاق نار، الأمر الذي يشير إلى أن المحاولة الانقلابية قد تشمل العاصمة أيضا.
فمن منزله في أديس أبابا، وبينما كان يشرف على عملية إجهاض المحاولة الانقلابية للاستيلاء على السلطة في إقليم أمهرا، قُتل رئيس أركان الجيش الجنرال سيري مكونن، وجنرال متقاعد آخر برصاص الحارس الشخصي لسيري، بحسب ما جاء في بيان لمكتب أبي.

التحالف الحساس
وكان التحالف بين أبي أحمد وسيري ذا أهمية خاصة، فأبي ينتمي لقومية الأورومو التي اعتادت الشكوى من الاضطهاد الحكومي ضدها لعقود سبقت تولي أبي السلطة، أما سيري الذي كان يقود الجيش فهو ينتمي لقومية التيغراي التي سبق وأن استأثرت بالسلطة في البلاد.
وأشار مكتب أبي إلى أن الجنرال أسامنيو تسيجي رئيس جهاز الأمن في ولاية أمهرا هو المسؤول عن الانقلاب الفاشل لكنه لم يذكر تفاصيل عن مكان وجوده. وذكرت تقارير إعلامية أن أسامنيو خرج من السجن العام الماضي بعد أن صدر عفو عنه في محاولة انقلاب مشابهة.
وكان أسامنيو قد توجه بالحديث إلى أبناء الأمهرا، أحد أكبر الجماعات العرقية في إثيوبيا، في فيديو انتشر على فيسبوك قبل أسبوع ونصحهم بتسليح أنفسهم.
وقال مسؤول في العاصمة أديس أبابا في تصريحات صحفية، إن إطلاق النار وقع بينما كان مسؤولون اتحاديون مجتمعين برئيس الولاية، وهو حليف لأبي، لمناقشة سبل التصدي لقيام أسامنيو بتجنيد ميليشيات عرقية على الملأ.
وقال البريجادير جنرال تفيرا مامو قائد القوات الخاصة في أمهرا للتلفزيون الحكومي: “معظم الأشخاص الذين قاموا بمحاولة الانقلاب تم اعتقالهم، لكن عددا قليلا منهم ما يزالون طلقاء”.

من صاحب الانقلاب
وبحسب مصادر صحفية، فإن سيمانو تسجي ضابط خدم بالقوات الجوية وسجن بعد محاولة انقلابية ضد مليس زيناوي في العام 2009م حيث يقال إن بصره تأثر جراء عمليات تعذيب قاسٍ تعرض له ثم في فبراير من السنة الماضية أطلق سراحه بموجب عفو من رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد الذي ألحقه بدفعته وأعاده للخدمة.
وبينما اتهم الحزب الحاكم في أمهرا، في بيان، مسؤولا أمنيا سابقا أفرج عنه من السجن منذ تولي أبي الحكم، بإذكاء أعمال العنف في الولاية، تحدث صحفيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن رئيس المخابرات الحربية، الجنرال حسن إبراهيم، الذي يقال إنه قيد الحبس المنزلي، وهو الأمر الذي نفاه الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم.
ومنذ توليه السلطة، أفرج أبي عن السجناء السياسيين ورفع الحظر عن الأحزاب السياسية وحاكم مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان لكن حكومته تواجه أعمال عنف عرقية كان للقبضة الحديدية للسلطات الفضل في كبح جماحها في الماضي.

مسارات واتجاهات
التحليلات تذهب إلى رسم سيناريوهين لتفسير ما حدث، أولها هو صراعات إثيوبية داخلية تتصل بالموقف من سياسات رئيس الوزراء ومحاولة إعادة هيكلة الدولة، أو أنه يأتي في سياق مشروع أكبر لترتيب المنطقة متجاوز للحدود.
الصحفي والمحلل الإثيوبي أنور إبراهيم يقلل في حديثه لـ(السوداني) من “الدوافع الإثنية” في محاولة الانقلاب حيث تتزايد المطالب الشعبية الغاضبة من سوء الأوضاع.
بينما يرى الصحفي المهتم بالشأن الإثيوبي محمد حامد جمعة أن ما يجري في إثيوبيا ليس مجرد حادث عابر أو مغامرة لضابط طموح في مقاطعة إقليمية حتى إذا قلب النظام المحلي فيها فسيخرج بالقوة بعد ساعات، ويضيف جمعة: “ما تم بتزامنه وأحداث اغتيال رئيس الأركان ومعه مدير الإمداد السابق بالجيش الإثيوبي وهما ربما آخر مسؤولين رفيعين من تركة جنرالات فترة التحرير تعني ببساطة أن العملية ربما كانت انقلابا أوسع”.
ويلفت جمعة إلى أن ما جرى في إقليم الأمهرا صراع اجنحة داخل قومية واحدة بين حرس قديم أخرج وتنظيم جديد معدل التحق بمشروع أبي أحمد؛ لافتا إلى أن المشكلة هي تزامن الأحداث بين بحر دار وأديس أبابا لدرجة اغتيال رئيس هيئة الأركان سعري مكنن فإن هذا يعني ببساطة أنها محاولة انقلاب عريضة التفاصيل ستكون لها تداعيات تتمدد في دوائر تتحرك بعد فترة هدوء معقول بإثيوبيا.
وبحسب تحليل الصحفي المهتم بالشأن الإثيوبي، فإنه لا يميل لفرضية الصراعات الداخلية، ولكنه يعتقد أنه ربما نتاج لتعجل جهة ذات امتدادات خارجية ضمن مشروع ترتيب المنطقة بناءً على معطيات عراكات المحاور إذ واضح أن إثيوبيا أبي أحمد لم تذهب بعيدا في مشروع تحالفات المنطقة؛ وأنها احتفظت بقدر من الاستقلالية وازنت فيها بين علاقاتها بالصومال وكينيا وجيبوتي وفي الوقت نفسه السودان وأريتريا كما أنها تعاملت مع التمدد الإماراتي والتقدم السعودي واحتفظت في الوقت عينه بمساحة لقطر وتركيا وروسيا.
ويقول جمعة: “خلافا لما يعتقد البعض أراهن بأن مسألة ارتكاب حماقة بعمل ما في أديس أبابا مسألة وقت؛ بالتغيير الذي تم في الخرطوم ستكون الخارطة واضحة بصندوق يمتد من أريتريا للسودان وليبيا كجانب أعلى ثم جانب آخر ينزل من أريتريا إلى إثيوبيا وجيبوتي ثم ينعطف ليغلق الصندوق عند الصومال، أي رئيس بلد عاصمة بالإقليم مطلوب منها أن تتماهى مع مشروع (معلوم للجميع)، وإلا فإن تغييرا ما سيتم بأي كيفية طال الزمن أم قصر؛ وعموما لندع التفاصيل تبرز فيما جرى ببحر دار وبعد تحديد هوية القوة التي تحركت في المقاطعة يمكن تحديد وجهة الريح”.
ويتوقع جمعة أن يمتد تأثير الأحداث الإثيوبية للمشهد السوداني خاصة في ظل غياب سعري مكنن باعتباره رجل إثيوبيا في كل المراحل خاصة في ملفات التنسيق العسكري مما سيجعل غيابه مؤثرا.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.