الرواية الأولى مجدي عبد العزيز

الثورة والتغيير الثابت

شارك الخبر

• من يستلف عبارة الفيلسوف الباكي هرقليطس التي تقول: الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر، للدلالة على حركة التاريخ السياسي في بلادنا حتى راهننا المأزوم الآن، يستطيع أيضا تأكيد حتمية هذا التغيير بالتمعن في عبارة أخرى منسوبة له تقول: لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين أبدا – وشيوع مقولة: دوام الحال من المحال – في مجتمعاتنا السودانية بمختلف أنواعها الحضرية والريفية برهان على الحصافة الشعبية لإنسان هذا البلد في الاتعاظ مع (مسايرة الزمن) باللغة البسيطة، الذي هو (حركة التاريخ) بقوالب النخب التعبيرية المعاصرة.. وفوق كل ذي علم عليم سبحان خالق الأقدار جل وعلا وصدق في قوله: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
• ولأن الحديث سياسة، وواقع السياسة الحالي ببلادنا (في غالبه) مجنون ومهووس في سبيل قطف الثمار وجني المكاسب وكيد الخصوم، والوقوع المتكرر في خطيئة شرعنة الوسيلة الخاطئة المبررة للغاية… تجده هذا الواقع السياسي الغالب يتجافى عن التأسيس للقواعد العميقة الراسخة معرفيا ومجتمعيا التي يرفع بها البناء الوطني الذي يرجى له أن يكون مستداما – بلغة مخططي التنمية.
• أثبتت الوقائع المصاحبة لكل الأحداث السياسية في السودان وتحديدا التحركات الشعبية أن (كثيرا) من القوى أو الجماعات أو التكتلات السياسية عادة ما تعود متأخرة وفي بعض الأحيان متأخرة جدا إلى الوعي الوطني بعد موسم من اللاوعي يمتزج فيه تقمص الحالة الثورية والهياج مع النزوع إلى إشباع شهوة المكاسب بطريقة متسرعة ولو كانت مظهرية، وذلك يعزى إلى أزمة التأسيس التي ذكرت آنفا، وقولي هذا ليس إلقاءً جزافا أو نقدا غير منطقي إنما تسنده كل المرجعيات والكتب التي وثقت وتناولت أحداث مثل ثورة أكتوبر وانتفاضة رجب أبريل وحتى وقائع الاستقلال، وفي ذلك مباحث كثيرة تناولت بالتشريح والتحليل اللحظات الأولى من وقائع اندلاع الثورات وما بني عليها من أخطاء هوت بالبناءات المرجوة مرة تلو أخرى.
• التغيير الكبير والحقيقي الذي تم في أبريل الماضي والذي سبقته احتجاجات وتحركات ديسمبر، وأعقبته حالة مشابهة لحالات التسرع بقطف ثمار أحادية، بل وتميزت هذه الراهنة الحالة بميزة غريبة على واقع الثورات السابقة – بالطبع لن يغفلها التاريخ – وهي صراع صناع وشركاء الحراك والتغيير لدرجة الثورة على بعضهم بعضا وإعمال سيف الإقصاء الحاد ضد بعضهم مع الإهمال الواضح لقضايا الحراك نفسه المتمثلة في فتح أفق البلاد وإعادة عافيتها الاقتصادية والحفاظ على أمانها وإعادة تحفيز شعبها نحو الإنتاج – هذا الواقع الآن أراه يستدعي وبأعجل ما تيسر حكماء بلادي وعودة الوعي الوطني.
• وفيما أرى أن منهج إعادة التقييم للحراك والتغيير الذي حدث والتعاطي مع وقائعه بالتجرد والصدق لا بالادعاءات والأنانية مع حفظ الأدوار بنبل هو الذي سيؤدي إلى تفاهمات واتفاقات الحد الأدنى المفقودة والتي هي لا محالة ستعبر بالبلاد إلى مرحلة التأسيس بسند الشعب الحقيقي، وإلا فسنتذكر في مقبل السنوات بحسرة أن: التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة.. وإلى الملتقى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.