بصائر عبدالباسط إدريس

مأزق الجنرال !

شارك الخبر

في فبراير الماضي، دلف الفريق ياسر العطا إلى مكتب وزير الدفاع السابق الفريق أول ركن عوض ابنعوف .. لم يجد الوزير السابق في وصول ود العطا لمكتبه، تجاوزاً لهرمية القيادة، أو كسراً لتقاليد مؤسسة الجيش العريقة .. العلاقة بين الرجلين، كان طابعها الصداقة، التي بموجبها يدرك ابنعوف، جرأة وشجاعة الجنرال، التي كانت من أسباب تباعد المواقف والتقديرات بينه ورئيس الأركان السابق.
زيارة الفريق ياسر العطا يومها، كان عنوانها (الأزمة الوطنية) التي أخذت بخناق البلد، طرح الرجل دون مقدمات رؤيته للوضع الذي يتطلب قراراً تاريخياً من المؤسسة العسكرية، تنهي حقبة ثلاثين عاماً من حكم البشير.
كانت تلك لحظة فارقة في حياة ياسر العطا وعلاقته بالمؤسسة العسكرية.. ثمنها “الإيقاف الشديد” ثم الطرد من الخدمة العسكرية، إن لم تكن سبباً كافياً لرميه بالرصاص .!
دارت الأيام، وطوى الزمان على وقع الثورة الشعبية، حقبة البشير .. تسيد ياسر العطا المشهد، بقدرات مهنية وذاتية مستحقة، وشعبية طاغية داخل القوات المسلحة، حملته لعضوية المجلس العسكري، ثم نائباً لرئيس اللجنة السياسية.
أبصر الجنرال، الواقع السياسي الذي تمثل فيه قوى إعلان الحرية والتغيير، مركز ثقل حقيقي، جعلها تقف على أرضية سياسية صلبة، مسنودة بقوة دفع الشارع الملتهب، وأن هذه القوى، هي لاغيرها من أحالت غضب فئة واسعة من الشباب لثورة سلمية، رغم أنها بدأت عنيفة وغير سلمية ومنذرة بحرب أهلية، قبل تدخل تجمع المهنيين الذي صنع من سلميتها سلاحاً تكسرت أمامه كل تدابير النظام السابق، فأعلن باكراً، اعتراف المجلس العسكري، بمكونات قوى التغيير، ودورها في تنظيم الاحتجاجات، مضى الجنرال ياسر العطا بالمفاوضات مع قوى الحرية والتغيير صعوداً وهبوطاً، توجت باتفاقيات، تلقاها الشارع السوداني بإيجابية، وارتفعت أسهمه شعبياً .. وحدث ما حدث من هبوط ومراجعات في مسار التفاوض.
كنت أظن أن الفريق ياسر العطا، بما يمتلك من شجاعة، ورؤية صائبة للواقع السياسي، وبما يتوافر لديه من حجة قوية ومعلومات صادمة عن واقع البلاد وهشاشتها، قادر على فرض هذا الاتفاق، أو إقناع الآخرين به، فليس من اللائق أن يتراجع المجلس العسكري عن اتفاقياته السابقة، مع قوى إعلان الحرية والتغيير، أو أن يتوقف عند تفاصيل لا ينبغي أن تكون من شواغله، طالما أنه أعلن منذ الحادي عشر من إبريل الماضي، أن عزله للبشير ونظامه، انحياز لإرادة الشعب، وليس انقلاباً عسكرياً،ولاشك أن الانحياز يجعل من المجلس شريكاً لا خصماً، في عملية التغيير المؤسس لتداول راسخ للسلطة وفق بيئة تنافسية عادلة.
بمثلما يمتلك الفريق ياسر العطا الشجاعة الكافية، لوضع نهايات منطقية لمسار الثورة الشعبية، بالاتفاق على تفاصيل الفترة الانتقالية، يملك ذات القدر من الشجاعة للاستقالة من مهمته في اللجنة السياسية، وكلا الخيارين يتسقان مع شخصية الجنرال وتاريخه العسكري.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.