آخرهم كمال عبد القادر معتقلون.. جدوى الإضراب عن الطعام

الخرطوم: تسنيم عبد السيد

وكيل وزارة الصحة السابق د.كمال عبد القادر دخل في إضراب عن الطعام منذ التاسع عشر من الشهر الجاري ومازال، احتجاجاً على ما قالت أسرته إنه اعتقال تعسفي، بعدما قررت النيابة إطلاق سراحه ورفضت سلطات سجن كوبر تنفيذ القرار باعتبار أن النيابة ليست الجهة التي تقرر في قضيته وإنما المجلس العسكري، فهل يجدي الإضراب عن الطعام في هكذا مواقف؟ ومتى يلجأ المعتقل لهذه الأساليب؟ وكيف تتعامل معها السلطات؟ وكيف يقيمها القانونيون وأهل الدين والشريعة؟

أطول إضراب

رئيس حزب التنمية والعدالة د.محمد علي الجزولي، الذي نفذ واحدا من أطول الإضرابات عن الطعام في السودان، الذي استمر لمدة (87) يوماً، قال في حديثه لـ(السوداني) إنه تم اعتقاله في العام 2015م، بحجة الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية داعش، واستمر اعتقاله دون محاكمة أو توجيه اتهام لمدة ثمانية أشهر، وما أن تم إطلاق سراحه وإلا وأُعيد اعتقاله مرة أخرى بعد أربعة أيام فقط بعد أن خرج في مؤتمر صحفي قال إنه كذّب فيه ادعاءات جهاز الأمن ضده وإنه لا صلة له باتهامات التواطؤ مع داعش. واعتبر الجزولي خيار الإضراب عن الطعام حيلة ناجعة للمعتقلين في مقاومة الظلم، خاصة في حالة الاعتقالات التعسفية التي تستمر بدون توجيه اتهام أو محاكمات، وأنه سلاح مقاومة معروف في كل العالم يُؤدي للتعريف بقضية المعتقلين وتصعيد أمرهم وحشد تعاطف يشكل ضغط خارجي لمصلحة المعتقل. وفي حالته يقول محمد علي الجزولي إن إضرابه الذي ناهز الثلاثة أشهر كانت نتيجته أن تم إطلاق سراحه، لافتاً إلى أن اعتقال رموز النظام السابق دون تقديمهم لمحاكمات عادلة وقضاء نزيه هو انتهاك لحقوق الإنسان وضد النهج الإسلامي، وقال إن رموز الاستبداد في النظام السابق يستحقون منا عدالة في المحاكمات، وليس التجني والتعسف الذي كان يمارسه بعضهم، مؤكداً على أن عددا منهم حالتهم الصحية متردية جداً بحاجة لرعاية ومعاملة إنسانية، وأن ما يحدث معهم هو ذات ممارسات جهاز الأمن بالنظام البائد.

تصرف قانوني
المحامي كمال الجزولي يرى أن الإضراب عن الطعام بالنسبة للمعتقلين تصرف قانوني ومشروع وأيّ محاولة لكسر إضراب السجين أو المعتقل هي محاولة إضافية من جانب السلطة القانعة لحرمانه حتى من آخر سلاح يقاوم به إذ أنهُ يسعى عن طريق هذا الإضراب للفت الأنظار إلى قضيته والوضع الواقع عليه، ويضيف كمال قائلًا: أشهر إضراب دخل التاريخ هو إضراب القادة والزعماء، أزهري، عبد الله خليل، علي عبد الرحمن وآخرين وذلك عندما تم نفيهم إلى جبل الدخان بجنوب السودان أيام حكم الفريق عبود وقد كانوا في وضع لا يسمح بمقابلة قاضٍ أو مسؤول عدلي، وكان هذا قصد السلطة الذي قاوموه بالإضراب عن الطعام وكان ناجحًا، وكذلك آخر من دخل في إضراب عن الطعام الناشط في المجال التطوعي ناظم سراج إبان اعتقالات انتفاضة ديسمبر.

وسيلة ضغط
المحامي والحقوقي المعز حضرة لا يرى أن الإضراب عن الطعام يعتبر شروعًا في الانتحار حيثُ تحدث لـ(السوداني) قائلًا: يمكن النظر للموضوع من عدة زوايا، أولًا الشروع في الانتحار كجريمة قانونية هو شخص يرغب أصلًا في الانتحار وشرع في ذلك، أي شخص قام بكل الأفعال اللازمة لإنهاء حياته، أما الإضراب عن الطعام من ناحية قانونية فهو مختلف فهي إجراءات ضغط يمارسها الشخص للتمتع بحقوقه وتنفيذ مطالبه ويضرب الشخص عن الطعام فقط وليس الشراب، والمياه تبقي الإنسان حيًا لفترة طويلة.
أما إن كانت وسيلة فعالة في لفت الانتباه يضيف معز قائلًا: للأسف الشديد لا، لأنها تعتمد على ثقافة المجتمع والحكومة وهي فعالة في الدول الغربية وتؤتي أكلها، والنظام هنا لم يصل بعد للاهتمام بكرامة الإنسان وحياته، رغم أن الإسلام الحقيقي كرم الإنسان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، وتحدث عن الإنسان ولم يتحدث عن دينه، وهي وسيلة لا تؤتي أكلها تمامًا ويمكن أن يكون لها صدى في الإعلام إذا كان حرًا ولا أعتقد أنه يمكن أن يكون للإعلام دور في هذه الحالة.. أما أشهر المضربين عن الطعام في السودان فيقول معز: علي محمود حسنين ومبارك الفاضل وقد قاما بذلك لتأخر إجراءات اتخاذ القرار وتوجيه التهم، ولم تتحرك جهة لمنعهم عنه.

الحكم الشرعي
وعن الحكم الشرعي في قضية الإضراب عن الطعام تحدث لـ(السوداني) الباحث الإسلامي علاء الدين عبد الماجد قائلًا: حكم الإضراب عن الطعام فقد ذكر الفقهاء أن الأكل للغذاء والشرب لدفع العطش فرض على المسلم بمقدار ما يدفع الهلاك أو الأذى عن نفسه، كتعطيل منفعة السمع أو البصر أو غيرهما. وقالوا: إنه لا يجوز للمسلم تقليل الطعام، وكذا الشراب بحيث يضعف عن أداء الفرض، لأن ترك العبادة لا يجوز وبالتالي ما يفضي إليه، وأقل ذلك ما يتمكن به المسلم من أداء الصلاة قائمًا؛ لأن القيام في الصيام فرض واجب، وما توقف عليه الواجب فهو واجب، فمن ترك الطعام ولم يأكل حتى ضعف أو مات آثم، لأنه أتلف نفسه، ويتضح بذلك أن إضراب السجين أو غيره عن الطعام وامتناعه من تناوله أمر محرم يأثم فاعله فإن مات المضرب عن الطعام، فهو منتحر قاتل لنفسه ومن الأدلة على حرمة ذلك قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم)، ومن السنة الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصوم. وجاء في رواية للإمام مالك في الموطأ (إياكم والوصال) ثلاث مرات والوصال: متابعة الصيام بحيث يمتد إلى وقت السحر، أو أكثر من ذلك يومين أو ثلاثة من دون طعام أو شراب والسبب في النهي عن هذا الصوم ـ مع أن الصوم عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه ـ دفع المشقة والضعف عن الإنسان، فربما أدى به ذلك إلى تعذيب نفسه وإيذائها، وليس هذا مما يقصده الشرع. وإذا كان الأمر كذلك في صوم الوصال، فإن الإضراب عن الطعام ممنوع من باب أولى؛ لما فيه من مشقة وضعف، بل أن مآله إلى الموت انتحارًا، وفي حال الامتناع عن الطعام دون الشراب فالعبرة بما يؤدي إليه الأمر.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.