مُخطّط أمريكي جديد لتصفية القضية الفلسطينية صفقة القرن الغامضة.. خطوة نحو شرق أوسط جديد ….مُحمّد عثمان (دبايوا)

الولايات المُتّحدة مُغرمة بسِياسة الجَزَرَة والعصا المُستمدة والمُستندة على قُوتها الاقتصادية والعَسكرية. وكذلك الولايات المتحدة مُغْرمَة أيضاً بإسرائيل لِحَدّ الوَلَـه، مدفوعة بعقيدتها الانجيلية. والجَزرة دائماً اقتصاديّة تُنفِّذها بطريقة أنشوطة الكَاوبوي فتُحيط بها برقبة الهدف ثُمّ تَشدها قليلاً قليلاً ثُمّ ترفع العصا حتى التّركيع. مُجمل السِّياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحديداً يجب أن ينظر إليها داخل حُدُود هذيْن الإطاريْن والأسلوب مَهما تنوّعت وتعدّدت الاستراتيجيات والتكتيكات ومهما تبدّلت الحكومات.
ومنذ زرع الكيان الإسرائيلي الصهيوني في أرض فلسطين، فإنّ الدّعم والتّعَاطُف الأمريكي مَعه حََقيقة ماثلة للعيان، وهو الخلفية الثابتة والمُوسيقى المُصاحبة لكل قرارٍ يتعلّق بالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط التي يضبط إيقاعها اللوبي الإسرائيلي. ومن حين لآخر تجهز الإدارة مسرحاً تقدم فيه طبخة مشبوهة لإعلاء شأن ربيبتها. وفي المَحَافِل الدُّولية تنتصب جندياً إسبرطياً شامخاً رَافعاً يده بالفِيتو ضد كل شعرة تمسّها، وصداً لكل سَهمٍ يُصَوّب نحوها.
وقد رَمت الولايات المُتّحدة بكل ثقلها في عهد الرئيس ترمب والجمهوريين دُون مُواربةٍ خلف إسرائيل بإيعازٍ من اليمينيين الإنجيليين في الإدارة…..
وآخر أفكار الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط هي جزرة أو صفقة القرن الغامضة، وهي في رأيي حلقة في مَصفُوفَة المَشروع المَطروح منذ زمنٍ لتشكيل شرق أوسط جديد ضعيفٍ والذي سَتتربّع عَلَى ركامه (المينوراه (Menorah) الإسرائيلية بأفرعها السّبعة شَامخةً، آمنةً، مُطمئنةً. ويجري التّمهيد لهذا الشّرق الأوسط الجديد بضربة البداية من فلسطين وبأساليبَ مُتدرِّجةٍ. أولها هي الجزرة أي مؤتمر البحرين الاقتصادي تحت شعار “السّلام من أجل الازدهار” ولكن كما تبدو الغاية ازدهار إسرائيل عبر المُرور فوق جسر الفلسطينيين ورمي الفَتَات لهم تَحت الجسر.
السَّـلام من أجل الازدهـار
يُعد مؤتمر البحرين بداية الانطلاق لصفقة القَـرن الضبابية. وقد كَشَفَ عن استثمارات أجنبية، أكثر من 50 مليار دولار في الاقتصاد الفلسطيني. وتمّ تقسيم المبلغ إلى 39.1 مليار دولار في شَكل مِنحٍ وقُروضٍ و11.6 مليار دولار في رأس المَال الخَاص، على مَـدار 10 سنوات مع خلق أكثر من مليون وظيفة للفلسطينيين. كما يعد الاقتراح بالاستثمارات في السِّياحة في الأراضي الفلسطينية، وكذلك في البلدان المُجاورة مصر والأردن ولبنان. وتَمّ تحديد أكثر من 175 مشروعاً في المُقترحات، وأعلن بتخفيض مُعَدّل الفقر والبطالة للفلسطينيين.
ولكنّ المُؤتمر لم يَتَطَرّق للقضايا السِّياسيّة، ووفقاً لما كشف عنه، فإنّ المُساعدات والاستثمارات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة سَتكون مَشروطةً بقُبول الفلسطينيين للجانب السِّياسي منها. وبالرغم من أنّ مؤتمر البحرين الشق الاقتصادي لمُقترح صفقة القرن، إلا أنّ الولايات المتحدة لم تَلتزم من جانبها بالإسهام في هذه الاستثمارات، بل رَكّزَت بدلاً من ذلك على الاستثمارات الإقليميّة من الدول العربية المُحيطة.
القَفز فوق مُبادرات سابقة صَفقة القَـرن نسجت خُيُوطها الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس ترمب ورجال اليمين المُتطرِّف من حوله. فعند وصول ترمب للسلطة كانت هناك أكثر من مُبادرة لحل المسألة الفلسطينية، أبرزها المُبادرة العربية. وهي مُبادرة أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين في القِمّة العربيّة ببيروت عام 2002. هدفها إنشاء دولة فلسطينية مُعترف بها دُولياً على حُدُود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المُحتلة، مُقابل اعتراف وتَطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل. وقد نالت هذه المُبادرة تأييداً عربياً.
والأخرى عندما اقترح الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش مشروع حل الدولتين لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قيام دولتين، إحداهما إسرائيل وتقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين وتقوم على أراضي حُدُود الرابع من يونيو 1967. وكَانَ حَل الدّولتين من وجهة نظر أمريكا وإسرائيل يَعني التّنازُل عن حَق العَودة ليحل محله التّعويض والتّوطين والوطن البديل. وقُبُول هذا الحل يشترط الاعتراف بدولة إسرائيل وسيطرتها على 78% من أراضي فلسطين التاريخية.
ومُعظم المَواقف الدوليّة تبنت موقف الدولتين كحل لتسوية الصراع في فلسطين المُحتلة، ولكن لم يَكن مََقبولاً لإسرائيل العودة إلى حُدُود 1967. وظَلّت كل المُبادرات تراوح مَكانها.
وفي 14 فبراير 2017، أعلن مَسؤولٌ كَبيرٌ في إدارة الرئيس دونالد ترمب أنّ واشنطن لم تعد مُتمسِّكة بحل الدولتين أساساً للتّوصُّل إلى اتّفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في موقف يتعارض مع الثوابت التاريخية للولايات المتحدة في هذا الشأن.
صفقة القرن
“صفقة القرن”.. هو الاسم الذي أطلقه ترمب على مشروع لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تتبنّاها الولايات المتحدة، إلا أنّه رغم ذلك لم يتم الإعلان بشكلٍ رسمي عن بُنُود وتفاصيل الصفقة إلا الجانب الاقتصادي في مؤتمر البحرين. ومازال الجانب السياسي سرياً كما ذكرنا.
ووفقاً لتسريبات عن الصّفقة، تكون القدس تحت إدارة الأمم المُتّحدة يَتَشَارك فيها المُسلمون واليُهود والمسيحيون ويبنى جسر يربط الضفة الغربية بقطاع غزة ويعطى دعماً للفلسطينيين تَلتزم به دُول الخليج. اتّخاذ بلدة أبوديس على مَشَارِف القُدس، عاصمة للدولة الفلسطينية المُستقبلية، والتخلي عن القدس الشّرقية. والصفقه تضمن أيضاً تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مَناطق، وإقامة كيانٍ سِياسِي في غزة، ووضع جسرٍ بين أبوديس والقدس يعبر عليه المسلمون للصلاة في المسجد الأقصى. وبالطبع وجدت هذه الصفقة مُعارضة شديدة من الجانب الفلسطيني الذي تعني له تصفية قضيته.
ورَغم تَعَاقُب العديد من الرؤساء للولايات المُتّحدة الأمريكية، وصُدُور القرار من الكونغرس منذ 22 عاما، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أنّ الرئيس دونالد ترمب هو أوّل من قرّر تنفيذ ذلك الأمر فعلياً، تنفيذاً لوعده الانتخابي وقرار تبعية الجولان لإسرائيل استجابةً لرجال الإدارة حوله من اليمين الإنجيلي المُتطرِّف ويمثلهم مُستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي وَصَفَهُ وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بأنّه “شيطانٌ مُتجسِّدٌ في إنسان”، ووزير الخارجية مايك بومبيو وصهر الرئيس جاريد كوشنر اليهودي ومنظمة الإيباك ذراع إسرائيل هُناك.
الشرق الأوسط الجديد
الغاية البعيدة من كل هذه التّحرُّكات والمواقف هو “الشرق الأوسط الجديد” والذي عرفه أحدهم بأنه” يعني أنّ قُوة ما إقليميّة أو عالميّة تُعيد تشكيل المنطقة، كَمَا يَتَوافَق مع مَصالحها وطُمُوحَاتها التي لا تَتَوافَق بالضرورة مع مصالح الدُّول والشُّعوب في المنطقة وتَنطَلِق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دُويلاتٍ إثنيةٍ ودينيّةٍ مُختلفةٍ، حَتّى يَسهل التحكُّم فيه. وأعلن عن نَصّ المشروع في مارس 2004 بعد أن طَرحته الإدارة الأمريكية على مجموعة الدول الصناعية الثّماني وبالطبع التّحكُّم فيه لمصلحة إسرائيل.
فَأيِّ مَشروعٍ أو مُبادرةٍ للمنطقة تعد بسرية في مطابخ البيت الأبيض مُكوِّنها الأساسي أمن الكيان المَزروع في أحشاء المنطقة. فعالمٌ عربيٌّ يتّسم بقدرٍ من التّرابُط وبشكلٍ من أشكال الوحدة يعني أنّه سيُشكِّل ثقلاً إستراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً، مِمّا يعيق السِّياسات الصهيونية والغربية وأطماعها تجاه المنطقة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.