حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني

الثورة واطا!

شارك الخبر

(1)
في صبيحة 25 مايو 1969 ونحن في داخلية مدرسة كاب الجداد الوسطى، فَتحنا آذاننا على مُوسيقى عسكرية تُنبئ بانقلابٍ عسكري، فتحلّقنا حول الراديوهات الثلاثة أو الأربعة الموجودة في الداخلية ولم نذهب للفصول في انتظار معرفة هوية الانقلابيين، وبعد ارتفاع الشمس، أذاع النميري بيانه الأول، فلم يفتح البطيخة على الأقل بالنسبة للذين في أعمارنا، ولكن بمُجرّد إذاعة أسماء الوزراء (أبو عيسى وموريس سدرة وطه بعشر)، انكشفت هَوية الانقلاب، فكان أستاذنا عثمان الفال في غاية السعادة، وصرّح لنا بأنّ هذه هي الثورة المُنتظرة.. أما أستاذنا عبد الباقي فقد كان في غاية الضيق، وقال إنّ الحكومة لن تستمر ساعات في بلدٍ مُسلمٍ، والحال كذلك ذهبنا إلى ناظر المدرسة الأستاذ عوض حسن أحمد (شاعر أغنية صغيرتي لعبد العزيز داؤود) فسألناه عن رأيه فَأشَارَ إلى مُزارعٍ على حماره ذَاهبٌ إلى حواشته مَرّ بنا لحظتها قائلاً: (الثورة إذا لم يشعر بها هذا المُزارع ما ثورة، إنّما مُجرّد صِرَاع سُلطة)..!
(2)
أعدت كتابة هَذِه الواقعة، لأنّها طَافَت بذهني كثيراً وأن أتناوَل مَوضوع القمح في هذا الباب (هلا هلا على القمح, نأكل السم, القصة قَمح, الحِصّة قَمح, الثورة قَمح)، دعوت فيها حكومة الثورة إلى الالتفات لقَمح هذا المُوسم لإحداث الاختراق المطلوب، وقُلت إنّ الفُرصة جَد مُواتية بالتجربة وبالقراءة المُبسّطة للواقع، فَقَمح هذا المُوسم سَوف يُعطي حُكومة الثورة فُرصَة لإحراز هَدَفٍ ذَهبي وبَعده سَوف تَتَحَوّل الثورة مِنَ الشعارات المُعَلّقة في الهواء إلى أرض الوَاقع.. ليس هُناك خِلافٌ عَلَى (حُرية.. سَلام وعَدَالة) وقد اتّخذها السّيّد وزير المالية عُنوَانَاً لورقة اقتصادية، وهَذا يَعني أنّ التّطبيق العملي لهذه الشعارات يَبدأ بالتّعافي الاقتصادي، فأيِّ اقتصادٍ معلولٍ مَأزومٍ سوف يضرب في عظم الثورة ويحـيلها إلـى خَـرَابٍ..!
فما كتبته عن القمح لَيس بَحثاً عِلمياً، إذ أنّ هُناك عُلماءً أجلاءً مُتَخَصِّصين في التربة وفي التّقاوي وفي المُبيدات، فإذا أدلى كُل وَاحدٍ بِدَلوه سَوف تَكُون النتيجة 6/ صفر لصالح الإنتاج كَمَا كَتبت مِن قبل.. فاليوم جَاءتني رسالة مُفَصّلة تَعُج بالأرقام من أحدهم يقول فيها، إنّ المَبلغ المطلوب مِنَ الدولارات لإنتاج مَا يكفي حَاجَة البلاد مِنَ القَمح أقلّ بِكثيرٍ مِنَ الذي ذَكرته هُنا أمس (إن شاء الله سوف أنشر هذه الرسالة لاحقاً).
(3)
إذا أحرزنا الهدف الذهبي في قمح هذا المُوسم، يُمكننا أنّ نَتّجه بذات الهِمّة لبقية المحاصيل من قطن وذرة وسمسم وفول سوداني وزهرة شمس، ثم حبيبنا الصمغ العربي، وتاج رأسنا حيوان الصادر، ويجب أن تتم هذه الهجمات على التوازي وفي وقتٍ واحدٍ، لأنّه لكل مُنتج نَاسُه وجُغرافيته الخاصّة، فكل المطلوب هو أن يقوم الكوتش (المايسترو) بدوره التّنظيمي.
الحكومة الحالية لديها رافعة قوية وهي الثورة التي جعلتها مَقبولةً محلياً وعالمياً، فكل المطلوب منها أن تَتّجه بكل ما تملك وبما يأتيها نحو الإنتاج، وساعتها سوف يشعر كل مُزارع راكب حماره بالثورة.. 60% من أهل السُّودان مُزارعون وكل صادرات السُّودان يُمكن أن تكون زِرَاعِيّة.. فكل المَطلُوب هُـوَ إنزَال الثورة على الأرض..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.