عبد الرحمن أبو القاسم مُحمّد

توظيف الشباب

شارك الخبر

مِن المَعلوم أنّ السودان دولة شابّة، حيث تمثل نسبة الشّباب أكثر من 45% من جُملة السُّكّان, فَكلّما مَرّت السنين دخل اليافعون مرحلة الشباب، ودخل الأطفال مرحلة اليافعين، وربما في القريب العاجل نسبة الشباب تَفُوق الـ50% من جُملة السُّكّان.
الشباب هُم عُماد المُستقبل وكل الحاضر وهُم صُنّاع هذه الثورة وكل الطاقات الشبابية لا بُدّ من توظيفها لِمَا فيه خير العِباد والبِلاد, وخُصُوصَـاً في بلدٍ كالسودان غَنيٌّ بالموارد الطبيعية ومُتميِّز بموقعٍ استراتيجي يجعل منه دَولةً رَائدةً في مُحيطه الأفريقي والعربي وعلاقاته ببقية دُول العالم.
للاستفادة من طَاقات الشّباب لا بُدّ مِن وَضع خُططٍ بعيدة المَدَى وبَرَامِجَ تَستوعب وتُنظِّم تلك الطَاقَات الشّبابية, وَلا بُدّ مِنَ التّنبُؤ بالتّغيير الدِّيمغرافي في المُستقبل ووضع الإجراءات والسِّياسات اللازِمَة للاِستفادة من طاقات الشباب.
من أخطاء النّظام البائد التي أَضَـرّت بالخِدمة المَدنية, الاِهتمام بالكَـم الهَـائل للوظائف وتَوظيف عَددٍ أكبر من الشّباب (خريجي الجامعات) دُون أيِّ وصفٍ وظيفي دقيقٍ أو مُواصفات وظيفية تتّسق مع الأهداف العامّة لمُؤسّسات الخدمة المدنية، وأحياناً غياب الأهداف نفسها وعدم وضوح الرؤية والرسالة التي تؤديها المُؤسّسة، حتى أصبحت مُؤسّسات الخدمة المدنية أقـرب إلى مُؤسّسات مُجتمعية مُترهِّـلة تأسّست من أجل التوظيف لتخفيف حِـدّة البَطَالَة وتَحَـوّلت العَطَالة إلى عَطَالة مُقنعة في كَثيرٍ من المُؤسّسات، وأحياناً يشعر بعض أعضاء الإدارة العليا أنّ المُؤسّسة التي يُديرونها مِلْكٌ لهم ولحاشيتهم وإثنيتهم وأصهارهم وانتمائهم السياسي, فاختلطت معايير الترقي والاِختيار فأصبح الولاء الحزبي والثقل القبلي والإثني والشلليات هي المعيار, فجاءوا بمصطلح حكومة ذات قاعدةٍ عريضةٍ، فهرول لها أهل الاستوزار والسُّلطة ليقتسم كل منهم النصيب المُقَدّر من الكعكة, فظهرت الرشوة السِّياسيَّة وحادت الخدمة المدنية عن أهدافها في ظِل ظُهُور بعض الطبقات الطفيلية (الأثرياء الجُدد) فاستغلوا حالة الترهُّل وخُرُوج مُؤسّسات الدولة من كثير من الأنشطة الاقتصادية، فتحالف أهل السُّلطة مع الأثرياء الجُدد فعاثوا فساداً مُقنناً مسنوداً من نافذين لتحقيق أهداف ذاتية ومنافع شخصية دُون النظر إلى حاجات وتَطلُّعات الشباب وحاجة البلد المَاسّة للطاقات الشبابية.
الوضع الراهن للشباب سَببه عَدم فاعلية الخُطَط المَوضوعة مُسبقاً وعدم قُدرتها على مُخاطبة حاجات الشباب وتَلبية تَطلُّعاتهم وإشباع حاجاتهم وخُصُوصَاً فيما يتعلّق بالتوظيف، حتى المشاريع الإنتاجية لتوظيف الشباب فَشَلت بسبب قُصُور دِراسات الجَدوى واختلاط المعايير والأهداف بالسياسة والولاء الحزبي.. لذلك لا بُدّ من التّركيز على هذه الفئة بِربط أهداف الاِستثمار بتوظيف الشباب دُون النظر إلى الأهـداف الرِّبحيّة فقط، ولا بُدّ من توجيه التمويل المحلي واستقطاب تمويلٍ خارجي لمشاريع إنتاجية تتّسم بالاستمرارية مع التدريب اللازم لتنمية المَهارات والقُدرات المطلوبة.
من المشاريع الإنتاجية المُستهدفة كالصناعات الاستخراجية وتقنينها والصناعات التحويلية وكُلّ مَا يَترتّب عَليه عمل قيمة مُضافة لأيّة مواد خام لتصبح سلعةً تُصدّر أو تُستهلك محلياً أو تحل محل الواردات, فهذا يتطلّب إقامة مَناطق صِناعية كُبرى في الأقاليم (الولايات) حسب توافر المواد الخام وتوفير الطاقة وبقية مُدخلات الإنتاج ومُقوِّمات الصناعة وإعفاء كُل مُدخلات الإنتاج والمُعدّات والآلات من الرسوم الحكومية بشرط ضمان استمرارية النشاط، وخلق وظائف مُقدّرة للمُجتمع (الشباب)، وإنتاج مُنتجات تصديرية وأخرى تحل الواردات.. وهذا يتطلب أيضاً مُواكبة تكنولوجيا الصناعة واستغلال الموارد المُتاحة بأحدث وأجود التقنيات وتنمية المَهارات والاهتمام بالإبداع والابتكار والبحث العلمي والمنهجية العلمية ومُراعاة الآثار البيئية واستدامة المَوارد.. فلا بُدّ أيضاً أن يَرتبط الاِستثمار الأجنبي والتّمويل الخَارجي بعملية التّوظيف والتدريب وتَنمية القُدرات ورَفد الخزينة العامة بالنقد الأجنبي, بمعنى أيِّ نشاطٍ استثماري ينبغي أن يَخلق وظائف حَقيقيّة للشباب، ويَسهم في فَيض وتَوازُن الميزان التجاري.. عملية التّوظيف ليست فقط في الداخل، فلا بُدّ أيضاً من قراءة سُوق العمل في الخارج وتحديد المُتطلبات والمَهَارات المطلوبة للمُنافسة وربط الدراسة والتّدريب بمُتطلبات سُوق العَمل، ولا سيما التعليم التقني والتقاني ومُساعدة الشباب على الهجرة والاستفادة مِن مزاياها.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.