حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

حفنة ولكنها غالية

شارك الخبر

(1)
ضَجّت حاملات الأخبار في نهاية الأسبوع بأخبار الثمانية عشر ألف دولار و(350) ومبلغ الـ(194) ألف جنيه سوداني اللتين أرجعهما وزير الصناعة مدني عباس مدني لوزارة المالية وكانتا عبارة عن استحقاق له كرئيس لمجلس إدارة سكر كنانة وسكر النيل الأبيض بحكم منصبه الوزاري، بحجة أنه لا يستحق هذه المبالغ، لأنه يتقاضى راتباً كوزير.. وبالمناسبة سكر النيل الأبيض هو ابن شركة سكر كنانة، وهذه قصة أخرى.
المبالغ المذكورة أعلاه، مَبالغ بسيطة جداً بمقياس (الفلس) السوداني، ولكن الإرجاع يأخذ قيمته من تصرُّف الوزير، فهو تَصرُّف يُحمد له والبلاد في حاجةٍ لمثل هذا النقاء من قياداتها العُليا.. وما اضطر البلاد والعباد إلا انعدام القُدوة التي تَتَحَاشى أكل السحت، فمثل هذا التّصرُّف إذا تنزّل إلى كل العاملين في مَرافق الصناعة والتجارة سوف يتحوّل إلى مليارات مُمليرة.
(2)
هناك من أشار إلى أن الإرجاع ينبغي أن يكون إلى الشركات التي صدرت منها الشيكات، وبهذه الطريقة يكون الوزير كمن قبل الشيك وتبرّع به لحكومة السودان، هذا أمرٌ إجرائيٌّ لا ينفذ للجوهر، فنحن مُشكلتنا ليس مع المُستوزرين الذين يجهلون الإجراءات، إنّما مع المُستوزرين الحرامية الذين يأكلون ناقة سيدنا صالح، فالإخلاص هو المُهم، أمّا حُسن الإدارة يمكن اكتسابه.
هُناك من انتقد التصرُّف بحجّة أنه تَصرُّفٌ استعراضيٌّ وفقاعة إعلامية (شو وكده)! فليكن ذلك كذلك، فنحن قد مَرّ علينا زمنٌ شهدنا فيه الذي يُجاهر بالمال المسروق كـ(العمارات السوامق) والأربع نسوان والذي منه!! وهناك من قال إنّ الحافز كان بنص القانون وليس فيه أيِّ مُخالفة فلماذا يعافه الوزير؟! نعم الحافز مُقنّن ولكن التقنين لا يخفي السوءة إنّما يصلحها.. فالتقنين كَفَنٍ أمرٌ مُحايدٌ ولا يمنع أن الشئ الذي تمّ تقنينه فاسدٌ، إلا قُل لي لماذا تُغيّر القوانين وتُبدّل وتُلغى؟
(3)
إنّ سابقة مدني عباس مدني يجب أن تجلعنا نلتفت لبدعة مجالس الإدارات وحوافزها في كثير من المرافق.. مجلس الإدارة في الأساس هو مجلس أعلى للتخطيط والرقابة، ولكنه للأسف تحوّل في بعض المُؤسّسات (المُريّشة) إلى مأكلة ومفسدة، حيث يتحالف مع الجهاز التنفيذي في المُؤسّسة المعنية و(هاك يا لغف) على طريقة (شيلني وأشيلك)، فالمدير وقيادة العمل التنفيذي ينقطروا لمجلس الإدارة، ومجلس الإدارة يبلع ويسكت عن بلع المدير ورهطه.. ولنأخذ لذلك أمثلة, مجالس الإدارات في البنوك هي التي تستأثر بكل التمويل وبدون أيِّ ضمانات أو رهونات حَقيقيّة مُقابل سُكوتها على (سَواطة) الجهاز التنفيذي.. مجلس الإدارة في سُودانير مثلاً كان أعضاؤه يُحلِّقون في الجو في درجة البزنس أكثر من مشيهم بالأرجل و(معاها كيكة) عبارة بدل سفرية، وهناك مُؤسّسات قِطاع خَاص مجالس إدارتها من كبار مسؤولي الدولة وهاك يا حوافز لكي يجيروا لها سياسة الدولة (يعني رشاوى مُقنّنة)!! الغريب في الأمر أنّ الإنقاذ في آخر أيّامها فطنت لعبث مجالس الإدارات، فقرّرت مُراجعة حوافزها وصلاحياتها وأوامر تكوينها، ولكنه لم تَمضِ في الأمر، لأن الجهات المُناط بها المُراجعة كانت هي ذاتها التي تتقلّب في نعيم مجالس الإدارات، قد يصل الواحد منهم إلى عُضوية أكثر من عشرة مجالس وعلى طريقة (إنت دخِّلني وأنا بدخِّلك)، فأصبحت طبقةً قائمةً بذاتها.. أها تقول لي شنو وتقول لي منو؟!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.