خارج الدوام محمد عثمان إبراهيم

الشيوعيون والناخب الخليجي

شارك الخبر

“من الضروري جداً والحال كذلك أن تطرح الأسئلة ذات الصلة بدور الناخب الخليجي في تشكيل بيت الحكم السوداني أمام الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم والرأي العام السوداني. هل نرحب بالصوت الانتخابي للمقترع الخليجي أم نرفضه؟ وما هي حسابات الأرباح والخسائر؟ وما هي التدابير التي تصلح للمضي في هذا المسار أو ذاك؟ على هذه الصحيفة وقبل حوالي العام الكامل من سقوط نظام البشير كتبت هذه العبارات ضمن عمود بعنوان (الناخب الخليجي في السودان).
أعادني إلى قراءة هذا المقال الجدل الذي أثاره حديث الزعيم الشيوعي المهندس محمد مختار الخطيب مؤخراُ بولاية الجزيرة، وقد سعدت بحديثه مرة واستأت ـ كما ينبغي ـ مرات أخرى. سعدت بأن الخطيب كان يتحدث بشكل سلس وواضح أنه مرتب بشكل نظامي داخل مؤسسات حزبه ومتفق عليه ومكتوب، على نقيض من عادة زعماء الأحزاب السودانيين، الذين يتحدثون عادة في كل الشؤون ومختلف القضايا عفو الخاطر ثم يتركون لمعاونيهم المهمة القاسية لإصلاح الضرر الذي تسببه أحاديثهم غير المسؤولة.
وساءني تشوش أفكار الخطيب والطريقة الانتهازية المرتبطة بفكرة الربح السياسي والخسارة التي تكشفت من خلال قراءته للأمور، فقد كان واضحاً أنه يوجه اللعنات إلى جميع الأنشطة التي شارك فيها حزبه منذ اختطاف تظاهرات الخبز والوقود وتحميلها بالشعارات السياسية الحضرية (راجع ثورة ديسمبر: كيف تسربت من أيدي الفقراء؟ للكاتب محمد حسبو)، إذ كان واضحاً منذئذٍ أن الناخب الخليجي حضور في التظاهرات، وفي سخاء الأطعمة والمشروبات، وأجهزة التكييف، والمياه المبردة، وبطاقات الاتصال المجانية، ومحطات الـ (واي فاي) هناك! لماذا لم يرفض الشيوعي تدخل المال الأجنبي حينئذ؟ هل هي محض انتهازية مجردة أم ظن أن التغيير سيكون في صالحه؟ وتلك انتهازية أبشع!
ينظر الحزب إلى مجمل التغيير السياسي الذي يتواصل الآن بشكل متناقض إذ يصف الخطيب ما حدث تارة بـ(ثورة ديسمبر المجيدة) و تارة أخرى يراه انقلاباً عسكرياً نفذته اللجنة الأمنية العليا للنظام السابق لقطع الطريق أمام التغيير الجذري. إن جماهير الحزب الشيوعي وأهل السودان بحاجة إلى إجابة عما إذا كان ما حدث ثورة شعبية أم انقلاباً عسكرياً.
للسيد الخطيب وحزبه الحق كسودانيين في قراءة الأوضاع وفي اقتراح الخطط وفي طرح الأفكار حول كل ما يهم البلاد وقد كان واضحاً أن رسالة الندوة قد ذهبت بعيداً بعد أن تناولها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش الذي ساءه حتماً التعريض بدور بلاده في مجريات الأمور. يحمد لمعالي الوزير اهتمامه الكبير والمتصل بالشؤون السودانية ولعله الوزير العربي الوحيد الذي أدان عنف نظام البشير إزاء المتظاهرين في سبتمبر ٢٠١٣م، وطالب الحكومة بضبط النفس، والكف عن استخدام الرصاص في مواجهة المدنيين العزل. هذا موقف محترم وشجاع ومسؤول ينبغي على شعب السودان أن يضعه في المكان اللائق به من ذاكرة هذه الأمة كفعل أخوي مساند ومجيد.
كشف تعليق الوزير قرقاش بعض أسوأ ما في ساستنا السودانيين، وقد لفتت نظري تغريدة للبروفيسور إبراهيم غندور القطب الحكومي البارز في النظام السابق والوريث الجديد لما تبقى من حزب المؤتمر الوطني إذ كتب “لا عليك أخي الدكتور أنور قرقاش. لا زالوا يتعلمون كيف يحكم السودان”. بالطبع لن يرد قرقاش على ما كتبه القيادي (الإسلاموي) ولكن إن كان للبروفيسور رأي فقد كان أحرى به توجيهه إلى الرأي العام السوداني والمساهمة في التداول الشفاف حول قضية العلاقة مع الخليج العربي.
كتب أيضاً الوزير السابق حاتم السر علي تعليقاً حماسياً ضد الحزب الشيوعي يعلن فيه ما أسماه التهجم غير المبرر واختتمه بمطالبة الائتلاف الحاكم (بضبط خطابه الإعلامي) ولم يوضح كيف يمكن للحكومة منع الخطيب عن الكلام!
العلاقة مع دول الخليج العربي عموماً وبدول الإمارات والسعودية بشكل خاص علاقات تاريخية مهمة وحيوية ومن الصعب على السودان أن يدبر شؤونه السياسية والاقتصادية في غياب مساندة هذه الدول والتحالف معها. هذه حقيقة جوهرية لن يجدي التغافل عنها والمزايدة عليها. إن النخبة السياسية والثقافية في السودان بحاجة إلى حوار صادق وشفاف وعارف حول الأسئلة التي طرحناها في مقدمة هذا المقال بعيداً عن التشنج والجحود أو التزلف.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.