صديق نقد الله – المحامي

الوثيقة الدستورية احترامها واجبٌ.. ولكن!!

شارك الخبر

الوثيقة الدستورية أتت مَسْنُودةً بالشرعية الثورية ومُتوافقاً عليها بين المجلس العسكري الانتقالي وقِوى إعلان الحُرية والتّغيير.. وهي القانون الأعلى بالبلاد وتسود أحكامها على جميع القوانين ولذلك وجب احترامها والالتزام بها.
ولكن بدرت بعض التّصرُّفات التي هزّت هذا الاحترام، ومنها ما هو تَعدٍ على الوثيقة، ومنها ما هو مُخالفة لها وأخرى تجاوز للوثيقة.. وسوف نذكر نماذج لتلك التصرفات:
أولاً: التعدي على الوثيقة
تم حشر إضافات على المادة (12) اختصاصات مجلس السيادة الفقرة (1. و) اعتماد تعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي. الإضافة لحين تشكيل مجلس القضاء العالي يُعيّن مجلس السيادة رئيس القضاء. وفي الفقرة (ي) اعتماد تعيين النائب العام بعد ترشيحه من قِبل المَجلس الأعلى للنيابة العامة. الإضافة لحين تشكيل المجلس الأعلى للنيابة العامة يعيّن رئيس مجلس السيادة النائب العام. وهذه الإضافات أُدخلت لغرض تَعيين النائب العام ورئيس القضاء.
ثانياً: مُخالفة الوثيقة
الوثيقة في المادة (10) حدّدت أجهزة الحكم الانتقالي مجلس السيادة وهو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها ومجلس الوزراء، وهو السُّلطة التنفيذية العليا للدولة. وحدّدت في المادة (12) اختصاصات مجلس السيادة، وفي المادة (16) اختصاصات مجلس الوزراء، ورغم تحديد صلاحيات واختصاصات كل مجلس، إلا أننا ندخل في الصلاحيات، وكثيراً ما يتهجّم مجلس السيادة على صلاحيات السلطة التنفيذية ونذكر أمثلة:
عُضو محلس سيادة يلتقي باتحادات المُزارعين ويُناقش مَشاكلهم، بل قام بجولات لعددٍ من الولايات مُتفقِّداً المُوسم الزراعي والاستعدادات للحصاد ومشاكل الري والبيّارات وهذا كله رغم وُجُود وزير الزراعة الذي صَمَتَ على هذا التدخُّل وأحسب أنه أراحه لأنه لم يُحرِّك ساكن وزارته.
عُضو مجلس سيادة يجتمع مع العاملين في الإذاعة والتلفزيون ويُناقش مشاكلهم ويعد بالحل.
عُضو مجلس سيادة يُناقش مُشكلة مُواصلات ولاية الخرطوم.
عُضو مجلس سيادة يجتمع مع شَركة تصنيع الإجلاس المدرسي ويُناقش مَشاكل الإجلاس لمرحلتي الأساس والثانوي.
عُضو مجلس سيادة يجتمع بإدارة مُستشفى أم درمان.
عُضو مجلس سيادة يُناقش احتفالات المولد النبوي الشريف بولاية الخرطوم.
الوثيقة الدستورية في المادة طبيعة الدولة الفقرة (1) جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة ديمقراطية برلمانية تعدُّدية لا مركزية …إلخ.
هذا يعني أنّ الدولة أخذت بنظام الحكم البرلماني، ولكنّنا نجد أنّ البرلمان في رِحم الغَيب، ويُفترض أن يَسبق كل أجهزة الحكم في التكوين ويكون عليه اختيار رئيس الوزراء واعتماد حُكومته طالما النظام برلماني.
وأيضاً أخذت بنظام الحكم اللا مركزي، ولكننا نجد تَغوُّلاً على السلطات الولائية مثل قرارات وزير الصحة الاتحادي بإقالة المدير العام لوزارة الصحة ولاية الخرطوم والوالي، رُفض هذا القرار وفق صلاحياته، فإذا برئيس الوزراء يُفوِّض صلاحياته للوزير ويطلق يده على وزارة الصحة في البلاد، فهذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، فطالما أخذنا بالنظام اللا مركزي وهناك ولاة موجودون فهم معنيون بأمر ولاياتهم، وعلاقة رئيس الوزراء فقط تعيين ولاة الولايات دُون التدخُّل في شؤون ولاياتهم، مع العلم أنّ الولاة الحاليين لا علاقة له بتعيينهم.
قانون النظام العام خاصٌ بولاية الخرطوم، وزير العدل ذكر أنه سوف يلغيه.
الوثيقة في المادة (30) السلطة القضائية الفقرة (2) تكون السلطة القضائية مُستقلة عن المجلس السيادي والمجلس التشريعي والسلطة التنفيذية. وفي المادة (32) النيابة العامة جهاز مُستقل وفق القوانين المُنظّمة. ولكن ورغم ذلك وفي مُخالفةٍ صَريحةٍ للوثيقة وانتهاكٍ للاستقلالية، أصدر رئيس مجلس السيادة قَراراً بتعيين رئيس القَضاء والنائب العام.
الوثيقة في المادة (39) الفقرة (1) تنشأ مُفوضيات مُستقلة ويرشّح لها شخصيات من الخُبراء تُشكِّل وتُحدِّد اختصاصاتها وفق القوانين التي تُنظِّمها.
ورغم ذلك أصدر مجلس السيادة، قراراً بتعيين رئيس لمفوضية السلام دُون صدور قانون للمفوضية ودُون تشكيلها.
المادة 40 من الوثيقة حالة الطوارئ الفقرة.1.عند وقوع أي خطر طارئ أو كارثة طبيعية أو بيئية تهدد وحدة البلاد أو أي جزء منها أو سلامتها أو اقتصادها بجوز لمجلس السيادة بطلب من مجلس الوزراء إعلان حالة الطوارئ. ..إلخ
على أن يعرض الإعلان على المجلس التشريعي خلال15 يوماً من تاريخ إصداره..إلخ
وإذا نظرنا لأرض الواقع أنه تم تمديد إعلان حالة الطوارئ وهذه المادة المذكورة عاليه لا تنطبق وحالة البلاد الآن كما أن المجلس التشريعي لم يكون حتي الآن.
ثالثاً: حالات تجاوُز الوثيقة
أعلن مجلس السيادة عن تشكيل مجلس أعلى للسلام معنيٌّ بعملية السلام وهذا المجلس غير موجودٍ في الوثيقة الدستورية وباعتراف الناطق الرسمي للحكومة بذلك، حيث ذكر أنّه تمّ تشكيل مجلس أعلى للسلام رغم أنّه غير مَوجودٍ في الوثيقة وذلك لتنسيق عملية السّــلام.
في الوثيقة الدستورية لا يُوجد مَنصب نائب أول لرئيس مجلس السيادة ولا منصب نائب.
ولدي ملاحظة على الوثيقة لقد فات عليها في اختصاصات وصلاحيات مجلس السيادة ذكر دعوة المجلس التشريعي للانعقاد وإنهاء دورة الانعقاد.
هذه نماذج من التّعدي عَلَى الوثيقة ومُخالفتها وتَجاوُزها، نتمنّى المُحَافَظَة عَلَى اِحترامها وتقديرها.
فعلينا أن نلزم مسارها كي تمضي الأُمُور بيسرٍ وسلاسةٍ حَسب مقولة أهل المُرور (ألزم مسارك يقل اِنتظارك).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.