د. عبداللطيف البوني – حاطب ليل

واحرق البنزين!!

(1)
لدى الحكومة في الخرطوم فقط ألف سيارة دفع رباعي تعمل بالبنزين، فهذا يعني أنّ أيّاً من السادة الدستوريين وكِبَار مُوظّفي الخدمة المدنية والعسكرية يحرق عشرات اللترات في مُشوار الذهاب بين البيت والمَكتب والفواتح والزيارات الأسرية والسوق!! ثُمّ أضف لذلك ذات النوع من السّيّارات التي يملكها التجار والسماسرة والجوكية والدبلوماسيون الأجانب والفنّانات, كل هذا البنزين المَحروق يُباع برماد القروش، لا لأنّ السودان مُنتجٌ للنفط، ولا لأنّ الأسعار العالمية للبترول قد انخفضت، بل لأنّه بنزينٌ مدعومٌ من خزينة الدولة ليصبح سعره أقل من سعر الماء القراح المُعبأ في القناني البلاستيكية!!
قبل أيّامٍ، كان البنزين يأتينا منحةً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وكلاهما مُنتجٌ للنفط، ولكن المُفارقة أنّ البنزين عندنا يُباع بسعرٍ أرخصٍ مِمّا يُباع في هاتين الدولتين المَانحتين (شُوف قُوة العين دي كيف)؟! تقول إحصائية عُمرها عشر سنوات، إنّ الخرطوم تدخلها سيارة جديدة كل أربعين دقيقة.. أما الآن أضف لها بوكو حرام وغيرها من السيارات المُهرّبة!!
لقد أعاقت كثرة العربات داخل الخرطوم، الحركة ولوّثت البيئة، وفي ذات الوقت تشهد العاصمة أسوأ أزمة مُواصلات في تَاريخها، لأنّ البترول المَدعوم لا يصل إلى المُواطن العادي، إنما لصاحب العربة الخاصّة!!
(2)
اليوم العلينا دا، تقوم الحكومة بشراء النفط من سُوق الله أكبر، وبما أنّ صادرات البلاد لا تفي بما تستورده، فليس أمامها إلا تجار العُملة للحُصُول على الدولار، ولهذا وصل الدولار إلى تلك الأرقام الفلكية وبلغ الهوان بالجنيه السوداني درجة تجعله قد لا يساوي تكلفة طباعته وهذا لا يشعلل السوق ويُسخِّن الجيوب فقط، بل يمنع الدولة من دعم الإنتاج، حتى ذات البترول الذي يمص دم الدولة، يشتريه المُزارع وصاحب المَصنع من السوق الأسود لأنه لا يذهب للتراكتور والماكينة والكرّاكة، إنّما إلى العربات الركوبة والتهريب، ولولا البحر الأحمر لتم تهريبه إلى السعودية.
أرض السودان تَمُوج بالنفط، ولكنهُ يحتاج إلى استكشاف والاستكشاف يحتاج إلى دولار والدولار يذهب إلى شراء النفط الجاهز ليُوزّع بأقل من قيمته بكثيرٍ لأصحاب المركبات الخَاصّة، إذ تخسر الدولة في شحنة النفط الملايين من الدولارات تذهب للسماسرة.. فالدولة تبيع البترول للشعب بالكسر أي والله بالكسر، ليكون عبئاً على الأجيال القادمة، ناهيك عن انعدام التنمية!!
(3)
المُستفيدون من تجارة العُملة، والمُستفيدون من الكسر في شراء النفط، والمُرابُون، وجُوكية النفط هُم المُستفيدون من دعم الدولة للنفط، ثم أصحاب العربات الفخمة وذات الدفع الرباعي والحكومة مُمثلةً في منسوبيها الكبار.. كل هؤلاء يُحذِّرون الآن من رفع الدعم!! فلماذا لا يَثُور الشعب على هذا الدعم مثلما ثَارَ على الفَساد والظُلم والكَبت، فأيِّ فسادٍ أكثر من هذا التّشوُّه؟ لماذا لا تُوفِّر الدولة مَواعين النقل الكبيرة للمُواطن لتختفي السيارات الخاصّة التي تزحم الشوارع الضيِّقة وتخرب بيت الخزينة العامّة، وذلك برفع الدعم عن الوقود؟!
مِن حَق المُواطِـن الذي أعطاه الله بسطةً في المال أو لديه القُدرة على الهبر واللغف أن يَركب ما يَشاء من سَيّارات، لكن ليس مِن حقِّه يأخذ نفطاً بأقل من سعره.. هؤلاء الذين يتكدّسون في المواقف تحت الشمس الحارقة يدفعون للذين يمرون عليهم مُمتطين العربات الفارهة.. أيِّ عدالةٍ هَذِهِ؟!
أيها السادة.. إنّ دعم الوقود ليس تَشوُّهاً اقتصادياً فحسب، بَل ظُلمٌ يجب إزالته شريطة أن تبدأ الحكومة بنفسها.. وباكر إن شاء الله نشوف حكاية الرغيفة…!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.