كلمة وغطاها صالح فرح

على هامش قضايا الفساد

شارك الخبر

في قصة عن سيدنا عمر (رضي الله عنه) أنه كان في بعض عسسه في المدينة، إذ به عند بناء يُشاد، كَانَ واضحاً من مُخطّط البناء على الأرض أنه لمقتدرٍ. فسأل عمر لمن يَكون ذلك البناء؟ فقيل له إنّه لفلان، وسأل من فلان، فقيل له إنّه عاملك على المكان الفلاني، فقال قولته المشهورة: أبت الدراهم إلا أن تطل برأسها، فاستدعى عامله في اليوم التالي ليستبين منه كيف تيسّر له أن ينفق على تشييد تلك الدار. وجود البناء أثار الشك وكانت فيه البيِّنة ضد المُتّهم بعدها ينتقل عبء النفي وإثبات العكس إلى المُتّهم. وأظنه قد انتهى به إلى عزله إن لم يكن قد بَيّنَ لعمر بما يقنع أنّه لم يفد من وظيفته بأيِّ قدرٍ ليشيد تلك الدار.
يوم كانت لنا علاقة بالمحاكم والقانون قبل ما يزيد عن نصف قرنٍ، كان الاعتقال والتحقيق والاتهام بيد الشرطة. وحين استحدث مكتب النائب العَام صَار الاتّهام في القضايا التي يظن أنّها خطيرة الأثر كإثارة الكراهية ضد حكومة السودان يقوم به النائب العام أو وكيل عنه. كنّا نعرف أن الجناية إما أن تكون cognizable أوnon-cognizable. فيما يقع في الفئة الأولى يكفي أن يتناهى إلى علم الشرطة، وعَن أيِّ طَريقٍ أنّ هُنالك قَتلاً أو قَتيلاً حتى تَفتح بلاغها وتعتقل وتَحبس من تتّهمه وتمضي لتحقق. فإن اقتضى التحقيق بقاء المُتّهم في السجن أطول مما يسمح به القانون للشرطة، طلبت من سُلطة قضائية تخويل استمرار حبس المُتّهم. كُنّا نعرف أنّ هُنالك قضايا لا يجوز فيها إطلاق سراح المُتّهم بأيِّ شكلٍ، وهنالك قضايا يُطلق فيها سراح المُتّهم إلا أن يخاف أن إطلاق سراحه قد يُؤثِّر على التحقيق أو يُمكّن المُتّهم من الفرار، وهُنالك قضايا لا يجوز فيها حبس المُتّهم بأيِّ حَـالٍ.
فيما يتّصل بالنوع الثاني من القضايا كإشانة السُّمعة، لا بُدّ للشرطة من شَاكٍ وسُلطة قضائية تخولها التحرُّك.
فيما قرأت أخيراً عما يجري في السودان أنّ كبيراً قد صرّح بأنّ من في المُعتقل من رجال العهد الماضي سيُطلق سراحه إن لم يتقدّم ضده مُبلِّغ عن جريمة فساد ارتكبها، وأن الآخرين لن تبدأ ضدهم إجراءات لأنّ لا بلاغ ضد أحد منهم حتى اليوم.
الفساد – الإفادة أو الاستفادة من السُّلطة – جريمة مُستجدة لا أذكر أنّ قانون العُقُوبات يَومئذٍ قد عرفها، وهي على ما هي عليه جريمة ضد المُجتمع. هي تقع في الفئة الأولى, شأنها شأن جريمة القَتل. متى تناهى إلى علم الشرطة وبأيِّ طريقٍ، فعليها أن تعتقل من يَشك أنّه الفاعل وتُودعه السِّجن وتشرع في التحقيق. البلاغ والمُبلّغ هو النعم الظاهرة (إطلال الدراهم برأسها في قولة سيدنا عمر رضي الله عنه)، فإطلالة الدراهم هي البلاغ وهي الاتّهام والدراهم هي البيِّنة. إطلال الدراهم لا يقتصر على من بيده السلطة، ولكنه قد يكون لدى آخرين كانوا على الفساد عوناً أو مُروِّجين.
واليوم وقد صار الاتّهام عَملاً تُباشره النيابة، وشُرطة تأتمر بأمرها، لا أشك أنّهم يَعرفون طريقهم بأكثر مِمّا تَحكي السُّطور السّابقة إلا أن يكونوا غير مُتحمِّسين – لسببٍ أو آخر – فلا أدري لماذا لا يَتحرّكون ضِد كل من يشي فساده ما حوله من نعمٍ ظاهرة “عقار أو منقول”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.