ناقوس خطر يستدعي: إنشاء مفوضية حقوق الطفل!!

تحقيق: ياســـــــر الكُـــــــردي

في ورشةٍ محضورةٍ أقامتها جمعية (إعلاميون من أجل الأطفال) وأمَّها عددٌ من المسؤولين بالمحليات السبع لولاية الخرطوم، حول الموازنات الصديقة للأطفال، ذُهِلَ كل الحضور وهُم يستمعون لمُنسِّق الطفولة بمحلية كرري (مها أبَّكر محمد) وهي تقول بصوتٍ مسموع: في أم درمان وتحديداً الثورة الحارة (61) ، هناك يوجد مُجمَّع يُعرف باسم مركز مسلمي أفريقيا يضمُ مسجداً، وخلوة قرآن ومدرسة أساس، ولا تبعُد عنهم كثيراً (كنيسة)، ظل تلاميذ المدرسة يتردَّدون عليها مراراً وتكراراً وذلك لتناول وجبة الفطور والحلويات (مجاناً)، لأنَّ أُسر هؤلاء الأطفال فشلت في توفير الوجبة لهم، ونوَّهت إلى أن ذلك ربما يتسبَّب في (تنصير) التلاميذ.
بعد هذا، ألا يحقُّ لنا أن نُطالب اليوم قبل الغد بإنشاء مفوضية خاصة بالأطفال، لعلَّ وعسى تُسهم ولو بقدرٍ يسير في إصلاح حال الطفولة في بلادٍ تصل فيه نسبة هؤلاء (المظاليم) ( 50%) من عدد السكان؟!.

(1,3%) فقط للأطفال
وتتواصل (الصدمات) الخاصة بأخبار (أطفالنا أكبادنا….)، ففي الناتج المحلي الإجمالي لكُلِّ كلِّ ميزانية جمهورية السودان، يؤكد الخبير الاقتصادي د. محمد الناير وهو يتحدَّث عن ميزانية 2017م إنَّ نصيب الأطفال كان فقط (1,3%) رغم أن حوالي (50%) من سكان السودان أطفال!!
ومن ذلكم المنطلق وغيره من المُبرِّرات المنطقية، تداعت مجموعة من المناصرين لحقوق الطفل من ناشطين ومنظمات مجتمع مدني ومن أطفال على رأسهم أطفال منتدى الطفل وعدد من أطفال المدارس العديد من الجهات التي همها الأول هو حماية الأطفال وتحقيق العدالة لهم، خصوصا في ظل العهد الجديد الذي شارك فيه الأطفال واليافعون وقدموا دماءهم من أجل هذا التغيير.

ضرورة مُلحَّة
يقول الناشط في حقوق الطفل (ياسر سليم) إنَّهم يسعون بكل ما أُوتوا من قوةٍ لإنشاء هذه المفوضية، ذلك لأنه وبعد مرور 30 عاما على صدور اتفاقية حقوق الطفل واليوم العالمي للطفل لا يزال الواقع في السودان مليء بانتهاكات حقوق الطفل؛ تلك ناحية، أما الأخرى فهي انه وعلى ضوء ما نصَّت عليه الوثيقة
الدستورية للفترة الانتقالية، يحق لمجلس الوزراء إنشاء أي مفوضيات أخرى يرى مجلس الوزراء ضرورة لإنشائها
(المادة 39 /4/ط ).
وأضاف (سليم (أنه ومن هذا المنطلق هنالك ضرورة مُلحة لإنشاء مفوضية مستقلة لحقوق الطفل ترفع صوت الأطفال عاليا وتعمل على تقوية إنفاذ حقوق الطفل في السودان والوصول الى سبل الإنصاف وخلق بيئة توفر الحماية لهم وتستجيب للانتهاكات التي تقع عليهم وتعمل وفق ما يحقق المصلحة الفضلى لهم. ومضى بقوله: نهدف الى مفوضية
خاصة بالأطفال ، لا يتم ربطها بأية مفوضيات أخرى معنية بقضايا حقوق المرأة أو حقوق الإنسان لأن ذلك يؤدي الى تهميش قضايا حقوق الطفل، خصوصاً وأنه قد جاءت في توصيات اللجنة الدولية لحقوق الطفل حول السودان ضرورة خلق آليات لتلقي ومتابعة الشكاوى المتعلقة بحقوق الأطفال، علاوةً على ذلك فالأطفال هم أصحاب حقوق وليسوا متلقي إحسان، بالتالي فإنشاء هذه المفوضية يمثل حقاً أصيلاً لهم.

حقائق مريرة!!
وبالعودة إلى أرض واقع الطفولة بولاية الخرطوم (عاصمة البلاد) وبالتالي الوضع بها في كل شيء يمثِّل ثيرومترا يُقاس به واقع الحال في كل الولايات. تقول مديرة التنمية الاجتماعية بمحلية جبل أولياء بالخرطوم، (فوزية حسن سيد أحمد) إنَّ محليات الولاية السبع ظلت تدفع الجُزء الأكبر من رواتب المُعلِّمين من إيراداتها رغم أنَّهم يملكون أرقاما وظيفية تستدعي إدراج رواتبهم بـ(البند الأول)، منوِّهةً إلى أنَّ ذلك يجعل رواتب المعلمين رهيناً بالوضع المالي للمحليات، دون أن يكون للمُعلِّم (ذنب).
أما الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة بالخرطوم، ملوك إبراهيم الحاج، فقالت إنَّ ميزانيات مجالس رعاية الطفولة بكل الولايات تغطي أموال الحوافز والتسيير فقط، أما البرامج وكافة الفعاليات الخاصة بالأطفال فيتم الاعتماد فيها على المنظمات العالمية والدولية، مُشيرةً إلى أن ولاية الخرطوم تعاني من مُشكلات كثيرة فيما يخُص قضايا الأطفال.

دواعي الإنشاء
بسؤالنا لناشطين في مجال حقوق الطفل عن جدوى تأسيس مفوضية للطفل، رغم وجود المجلس القومي لرعاية الطفولة منذ عام 1991م وحسب قانون هذا المجلس، نجد انه جهاز حكومي يتبع لرئاسة الجمهورية ويرأسه رئيس الجمهورية وعضوية كل الوزراء والولاة ودوره الأساس هو التنسيق ووضع السياسات والخطط والبرامج المتعلقة بالطفولة.. إلا أن الناشطين يؤكدون أن مطالبتهم بالمفوضية تختلف تماما عن دور المجلس مفوضية لأن ما يميزها هو تمتُّعها بالاستقلالية
التامة دون تأثير من أية جهة حكومية أو غيرها ولها الصلاحيات الكافية للتحقيق والنظر في أية مسألة تقع ضمن ولايتها بحرية تامة، وكذلك تعمل على المراقبة والعمل على تعزيز الاستجابة الفورية للانتهاكات التي تحدث للأطفال وهذا سوف يؤدي الى تقوية إنفاذ حقوق الطفل وعليه، وشدَّدوا على أن المفوضية لا تعني إلغاء دور المجلس بل هي مكمِّلة لدوره حيث أن الواقع يتطلب مؤسسة مستقلة لتعزيز حقوق وحماية الطفل وذلك في إطار تحقيق الاتساق والتكامل من أجل إنفاذ حقوق الطفل على أرض الواقع.
العالم من حولنا
ويستفسر كثيرون عن كيفية نظر العالم لمفوضيات حقوق الطفل، أما الإجابة فهي بحسب وُجهة نظر الناشط في المجال(ياسر سليم) أنه وبعد سنوات من اتفاقية حقوق الطفل، انتبه العالم للقصور الموجود في الاتفاقية فيما يتعلق بغياب نص لقبول الشكاوى والانتهاكات وعليه صدر البروتكول الثالث لاتفاقية حقوق الطفل والمعني بقبول الشكاوى. ويضيف بقوله: هنالك عدد من الدول التي بدأت في إنشاء مفوضيات لحقوق الطفل انطلاقا من أهمية تحول قضايا حماية الأطفال من الإطار النظري الى الإطار العملي القائم على المساءلة والمحاسبة، ومن هنا تطالب لجنة حقوق الطفل الدول بضرورة وجود آليات مستقلة لتلقي ومتابعة شكاوى انتهاكات حقوق الطفل وعليه ينظر العالم الى ضرورة وجود هذه المفوضية.

الاستقلالية واجبة
ويرى قانونيون مُناصرون لقيام المفوضية ضرورة أن تكون مفوضية حقوق الطفل مستقلة لأن ذلك يتيح لها أن تنظر بحرية في جميع المسائل التي تدخل في نطاقها وأن تقرر في اية حالة تنظر اليها بدون تدخل من أية جهة أو وصاية. وأضافوا أن
الوثيقة الدستورية نصت على إنشاء عدة مفوضيات وحدَّدت بأنها مفوضيات مستقلة وهذا يجعلها تعمل وفقا للمعايير الدولية القائمة على الاستقلالية، وهذا ما تشدِّد عليه مبادئ باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بأن تقوم على مبدأ الاستقلالية.

( لِينَا معانا ما همَّانا)
من ناحيتها قالت الأمين العام لجمعية (إعلاميون من أجل الأطفال)(أنعام محمد الطيب): إننا في أمسّ الحاجة لإعادة النظر في تفكيرنا على أن تحقيق ما يتعلق بالأطفال هو رفاهية وترف بينما ما يتعلق بموضات الكبار أو غيرها هو واجب.
مؤكدةً أن هذه النظرة القائمة على تبخيس الصرف على حماية الأطفال هو الذي أوصلنا لهذا الواقع المرير المليء بالانتهاكات لحقوق الأطفال. بدأ العالم يتحول الى الميزانيات الصديقة للأطفال والتي تقوم على إيفاء حقوقهم هو واجب والى مفهوم الاسثمار في الأطفال.
وشدَّدت (انعام الطيب) على أن العمل مستمر في المناصرة بصورة جيدة، حيث تم رفع مذكرة لرئيس مجلس الوزراء بواسطة وزير العمل والتنمية الاجتماعية وسوف تتواصل الجهود.
وأضافت: عمل المناصرة قائم على التفاؤل ولا يعرف التقاعس، ولذا سوف نستمر نناصر هذه القضية التي نؤمن بها حتى تتحقق ومن البُشريات أن عدد المناصرين في ازدياد، كما أن هنالك ردوداً ايجابية من السادة الوزراء وعلى رأسهم وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية ( لينا الشيخ ) وهي من المناصرين لقضايا حقوق الطفل قبل ان تكون وزيرة.

بين مطرقة الحروب وسندان الفقر
أخيراً، ومن نافلة القول أنَّ العالم أجمع قد احتفل قبل أيام قلائل باليوم العالمي للطفل وبمرور ثلاثين عاما على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية حقوق الطفل، إلا أن الفرحة لن تكون قاسماً مشتركاً بين كل أطفال العالم لأن بعضهم يجلس بين مطرقة الحروب وسندان الفقر.
وبحسب الأرقام فإنَّ ظروف سيئة يعيشها عدد ليس بالقليل من الأطفال في العالم مقارنة بالأجيال السابقة، تتناسب عكسياً مع الطموحات الكبيرة بشأن حماية الأطفال والتقدم العالمي في مجال حقوق الطفل، ويبقى الشاهد على تلكم الأرقام تقرير أعلنته منظمة اليونيسيف في تقريرها الذي أصدرته في يوم 18 نوفمبر المُنصرم بمناسبة الذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، حيث أكد التقرير أرقاما صادمة لحال وأحوال الطفولة بالعالم، حيث جاء فيه أن ( 262 ) مليون من الأطفال والشباب خارج أسوار المدارس، وأنَّ (650 ) مليونا من الفتيات والنساء تزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، وأنَّه بحلول عام 2040م سيكون رُبع أطفال العالم يعيشون في مناطق فقيرة جدا مائيا. هذه الأرقام تفرض على المجتمع الإنساني والدولي رفع درجة الشعور بمسئولية توفير الحماية للأطفال بتوفير الحق في الحياة والتعليم والعيش بكرامة وفقاً لما ورد في القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.

(24) انتهاك جسيم ضد الأطفال
ونمضي في اتجاه التقارير المُوثَّقة، حيث تقول ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة بالأطفال والنزاع المسلح، في تقريرها الأخير لمجلس الأمن في يونيو 2019م؛ تقول إنَّ الأمم المتحدة قد حقَّقت فيما يفوق (000 24) انتهاك جسيم ارتكبت بحق الأطفال في ( 20 ) حالة قُطْرية. وبلغ عدد حالات قتل وتشويه الأطفال المُتحقَّق منها مستويات قياسية على الصعيد العالمي منذ إنشاء آلية الرصد والإبلاغ المعنية بالأطفال والنزاع المسلح في 2005م.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.