خارج الدوام محمد عثمان ابراهيم

في البدء كانت الجزرة

شارك الخبر

هناك عبارة رائجة في الثقافة المصرية صارت مثلاً ما يفتأ المرء يتذكرها كلما شاهد إحدى حيل السيرك السياسي في بلادنا الموبوءة بطبقة سياسية فاسدة وجاهلة وقابلة للبيع والشراء بأبخس الأثمان. تلك العبارة البليغة تقول (محدش بياكلها بالساهل) وتعني أن أكل لقمة العيش يتطلب الكثير من الجهد المضني!
بالأمس أصدر وزير المعادن عادل إبراهيم قراراً بتعيين السيد مبارك أردول نائباً لمدير الشركة السودانية للموارد المعدنية دون إعلان رسمي عن الوظيفة الشاغرة، وهي وظيفة إدارية وفنية وغير سياسية بالمرة مما يستلزم طرحها للمنافسة بين المتقدمين، وتعيين الأكفأ فيها، لكن هذا لم يحدث وتم منحها لأردول الذي ظل سهماً طائشاً منذ طرده من الشريحة الصغيرة المنشقة عن حركة عبد العزيز الحلو العسكرية المتمردة.
هذا القرار يطعن بشكل أساسي في استقامة الوزير نفسه، والذي بدأ عمله بتظاهرة استعراضية أعلن فيها رفضه لمراسم الاستقبال الذي أقيم له في الوزارة. ويطعن أيضاً في استقامة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك وهي استقامة متصورة لم تختبر من قبل، لكنها تتآكل الآن بشكل متسارع إذ هو يتعامل مع وزرائه بنظام الإقطاعيات التي تتيح لكل وزير التصرف في الموارد التي تحت إدارته دون محاسبة أو توجيه أو مشاركة في المسئولية.
مساعد المدير المعين للتو، أردول، ظل يملأ منصات التواصل الاجتماعي ضجيجاً منذ سنوات عن حقوق المهمشين والمساواة والعدالة والقيم الرفيعة، والنضال الثوري والحرية والتغيير لكنه – كرفاقه البواسل – في النهاية استخدم كل ذاك الضجيج رأسمالاً للحصول على وظيفة بغير استحقاق وربما بغير واجبات.
الوزيرة ولاء البوشي مثال آخر لتجلي المثل المصري إياه فحين لم يكن في الحسبان تعيينها وزيرة في (مملكة الحرية والتغيير) هذه لم توفر لسانها من الإساءة لمن حولها لدرجة أنها وصفت دولاً شقيقة وصديقة بأنها بلدان للعبودية وطالبت بإسقاط القادة الذين أدت القسم أمامهم وقبضت منهم الجزرة.
الوزير مدني عباس مدني طالب بإسقاط المجلس العسكري الذي وصفه بالمجلس الإنقلابي ثم قاتل حتف أنفه حتى وجد لنفسه مقعداً برعاية ذلك المجلس. قتال مدني نحو مقعد الوزارة بدأ مبكراً منذ لقاء العلاقات العامة الذي تم ترتيبه له في تلفزيون بي بي سي!
عضو مجلس السيادة محمد الفكي أعلن رفضه لتشكيل مجلس للسيادة أصلاً، وطالب بتشكيل لجنة تحقيق (دولية) حول ما أسماه (مجزرة ٢٩ رمضان) وتنبأ بإعدام قادة يدين لهم الآن بالولاء والطاعة. بالطبع هو الآن عضو في ذات المجلس الذي رفض تشكيله ابتداء ووصف رئيسه الذي أدى القسم أمامه بالكذاب.
تحية فريدة فقط للصحفي ماهر أبوجوخ الذي دخل في سجل المتمكنين دون مزاعم مسبقة ويقاتل الآن للبقاء على مقعد كلما وقف منه وجده يتحرك من تحته.
يروى عن قيادي إسلاموي سابق وفاسد (بالطبع) أنه كان يقول إن جمع المعارضين كله (نشطاء وساسة) قابل للشراء، وإن الفرق الوحيد بين واحد منهم وآخر هو فرق في السعر فقط، وقد أثبتت تجربة تعيينات الوزراء والساسة والموظفين وحملة الأختام صدق ذلك الحديث، وأنه في البدء ـ فقط ـ كانت الجزرة.
أعلاه أمثلة فقط والمقال قابل للتوسع!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.