بعد نجاحه في إثيوبيا وجيبوتي (تاديوس).. رائد السياحة يتطلع لبورتسودان

تقرير: محمد عبد العزيز

“ما الذي يمكن أن يجعل من اثيوبيا الوجهة الاولى للسياح السودانيين؟” يطرح رجل الاعمال الامريكي من اصل اثيوبي تاديوس قيتاتشو السؤال على تجمع من وكالات السفر والسياحة السودانيين بعد أن يستعرض قائمة تضم 15 منتجعا يمتلكها في اثيوبيا وجيبوتي تقدم خدمات من فئة الخمسة نجوم، تنوعت الاجابات بين ارتفاع تذاكر السفر واسعار الخدمات، كان قيتاتشو حاضرا وهو يضم مكتب الخطوط الاثيوبية في الخرطوم للاجتماع لينتزع منه عرضا خاصا لزائري منتجعاته السياحية مما قد يجعل عروضه في متناول سائح في بلد يعاني ازمة اقتصادية وتتهاوى قيمة عملته المحلية.
دخول السودان
قيتاتشو يؤكد في حديثه لــ(السوداني) ضرورة تكامل الاقتصاد الافريقي، ويقول:”يجب أن نشجع السياحة داخل القارة وهناك الملايين من العملاء يمكن أن نستهدفهم”.
لا يكتفي قيتاتشو باجتذاب السياح السودانيين، بل يتطلع حاليا للاستثمار في السودان انطلاقا من بورتسودان، ويقول:” كما تعلم اثيوبيا بلد مغلقة، فيمكن بناء منتجع (كرفتو-بورتسودان) حيث يمكن جذب آلاف السياح والباحثين عن قضاء شهر العسل، كما يمكن التنسيق مع الخطوط الاثيوبية لجعل بورتسودان ضمن مسار رحلاتهم الجوية، الامر الذي سيجعل من بورتسودان على صدارة قائمة الوجهات السياحية في افريقيا”ّ.
بحسبات الربح والخسارة يتطلع قيتاتشو لبدء اعماله التجارية في البحر الاحمر بعد رفع السودان من لائحة الدول الراعية للارهاب الامريكية، الا انه في حال حصوله على ارض لن ينتظر حتى ترفع العقوبات او تزول مخاطر الفترة الانتقالية يضيف:”انا ملتزم بالقيام بالمشروع اكثر من كوني متطلع لارباح سريعة”.
رد الدين
يدين قيتاتشو للسودانيين بما وصل اليه بعد أن لجأ في مطلع الثمانينات ضمن الاف الاثيوبين هربا من النظام العسكري بقيادة منقستو هيلامريام (الدرك) ليصبح عاملا منزليا في القضارف والخرطوم لتوفير لقمة عيشه، قبل أن يعمل نادلا في كازينو (الجندول) بام درمان وفندق (اراك) ومن ثم مديرا لمضيفة صغيرة (قيست هاوس).
ساعدته الكنيسة بعد اعوامه الثلاثة في السودان التي شكلت شخصيته الحالية كاحد اباطرة صناعة السياحة في شرق افريقيا ليهاجر الى الولايات المتحدة. بعد وصوله للولايات المتحدة تم توظفيه لثلاث سنوات قبل أن يشق طريقه لوحده، ليفتتح اول مطعم اثيوبي في بوسطن 1987، بـ 45 موظف.
قيتاتشو اراد أن يجعل الناس سعداء من خلال تقديم افضل خدمة لهم، لقد كان يشعر بمتعة حقيقية حين يضحك شخص وتبدو عليه السعادة هذه طبعيته لم يتعلمها في مدارس الفندقة والسياحة ولكنها الحياة علمته ذلك، خاصة ابان تواجده في السودان، ما يزال يذكر منظر الجدة (الحبوبة) وهو تحرص على دعوة الجميع لطعامها لتقبلهم قبل أن تدعهم يأكلون، منظر الاب الذي يحرص على اخلاء مقعده عن طيب خاطر ليقدمه لضيفه ويشاركه مع آخرين.
كانت مفارقة غريبة لشخص لم يحظ بطفولة طبيعية تجعله يستمتع بمنظر اسراب العصافير وهي تتجول في الحقل، كانت حياته قاسية يعاني فيها لتوفير لقمة عيشه، لاحقا رواها لاولاده الذين باتوا مرفهين تنقلهم سيارات خاصة لأرقى الكليات الجامعية وليس عليهم القلق من اي شيء.
نجاحات سريعة
قيتاتشو حاول اجتذاب ابرز الفنانين الاثيوبيين للغناء في جولات فنية في الولايات المتحدة، لينجح في تحقيق نجاحات سريعة جعلته اول شخص من اصل افريقي تنشر صورته في صحيفة (بوسطن غلوب).
في العام 2002 قرر قيتاتشو العودة للمساهمة في تطوير بلاده، لينجح في افتتاح 15 مشروعا استثماريا في اثيوبيا وجيبوتي برأسمال يصل لنحو 15 مليون دولار، وتوظيف نحو 3 آلاف موظف جميعهم لم يسبق لهم العمل من قبل، وسياسته تقوم على استقطاب الطلاب حديثي التخرج وتدريبهم في مشاريعه ليصبحوا موظفين وعاملين في منتجعات من فئة الخمسة نجوم، بجانب أن 80% من العاملين معه من النساء حتى يضمن أن تصرف الرواتب على اعاشة الاسر.
قيتاتشو يقول:”ان الطبيعة الافريقية المضيافة تحتاج لقليل من التدريب لتكون خدمة عملاء من الطراز الاول”. ويضيف:”كأفارقة لا نؤمن بأنفسنا ولا بمنتجاتنا ونتطلع لدول من خارج القارة، ونحن لدينا افضل ما في العالم، ويتطلع مواطنو اوربا والولايات المتحدة لالقاء نظرة على افريقيا قبل أن يفارقوا الحياة”.
نهاية اغسطس الماضي افتتح قيتاتشو الذي يحرص على أن يحصل السودانيون على تخفيضات خاصة في منتجعاته افتتح اول حديقة مائية في شرق افريقيا في منتجع كرفتو -نحو 60 كلم جنوب شرق اديس ابابا- على مساحة 72 الف متر مربع ، وتتألف من ملاعب مائية وحمامات سباحة و 123 متجراً وثلاثة مصارف، فيما وفرت الحديقة المائية وظائف لنحو الف شاب عاطل عن العمل ليسهم المشروع في نمو صناعة السياحة المزدهرة في إثيوبيا.
نمو كبير
شهدت إثيوبيا أعلى نمو سياحي في العالم بنسبة 48.6 ٪ في عام 2018، متجاوزة متوسط معدل النمو العالمي البالغ 3.9 ٪ والمتوسط الأفريقي البالغ 5.6 ٪، وفقا للمراجعة السنوية للمجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC)، وذكر المجلس أنه خلال العام 2018 ، دعم القطاع 2.2 مليون وظيفة وساهم بمبلغ 7.4 مليار دولار في اقتصاد إثيوبيا ، بزيادة قدرها 2.2 مليار دولار عن العام 2017، لتساهم السياحة بنحو 9.4٪ من إجمالي الاقتصاد في إثيوبيا.
المديرة تنفيذية لشركة (World Travel & ومجلس السياحة) غلوريا جيفارا تفسر الامر في تصريحات صحفية : “لقد كان هذا مدفوعًا بالأداء القوي للطيران في البلاد وتطوير أديس أبابا كمركز إقليمي ديناميكي ومتنامٍ”. اتى ذلك في ظل عنصر الجذب السياحي الاثيوبي التي تستند على مقومات طبيعية وثقافية لتسويق اثيوبيا بأنها منبع البشرية وارض البن والنيل الأزرق.
فيما قالت الخطوط الجوية الإثيوبية: “إن المواقع الاثرية والتراثية المصنفة من قبل اليونسكو ضمن التراث الانساني العالمي كمسلة أكسوم، وكنائس لاليبيلا الصخرية وبلدة هارار التاريخية المحصنة ظلت بجانب مواقع اخرى عناصر جذب سياحي، تساهم في دعم الدخل القومي.
طفرة صناعية
صنعت اثيوبيا طفرة صناعية مستلهمة النموذج الصيني، ومستندة على المساعدات والاستثمارات الاجنبية الكبيرة، التي رفدتها بموارد في مجال بناء السدود والطرق والسكك الحديدية، وعلى مدى عشر سنوات بدءا من عام 2005، ومتوسط النمو الاقتصادي السنوي يبلغ 10%، اثيوبيا التي تعتبر ثاني أكثر بلدان القارة اكتظاظا بالسكان تجاوزت كينيا وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، لتصبح أكبر اقتصاد في شرق إفريقيا.
وبعد سنوات من تنفيذ سياسة صناعية نشطة، تميزت باستثمارات ضخمة من الدولة في البنية التحتية والطاقة ورأس المال البشري، يرى مهندسو الاقتصاد الاثيوبي بانه تم وضع اللبنات المحفزة لانطلاقة قطاع صناعي يقوده الاستثمار الأجنبي، مثل الصين ودوّل النمور الآسيوية، والتي تحولت من مجتمعات زراعية الى قادة في الصناعة خلال جيل كامل، تعتزم اثيوبيا أن تبدأ بالتركيز على السلع ذات العمالة الكثيفة الموجهة للتصدير، وهنا لابد من الإشارة الى وفرة الايدي العاملة الرخيصة، والطاقة الكهربائية الرخيصة.
يقول مهندس السياسة الاقتصادية الاثيوبية اركيبي اوقباي، والذي يعمل مستشارا لرئيس الوزراء، “نسعى لتحويل إثيوبيا من اقتصاد زراعي إلى مستوى من التنمية حيث يصبح التصنيع هو العامل المهيمن”. ويضيف”نحن مقبلون على مرحلة جديدة ونخطط لمعجزة اقتصادية في السنوات العشر القادمة”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.